إبراهيم الأمين
قريباً ينتهي السجال الذي قام بين الفرق كافة. لكن الحل ليس بالضرورة آتياً. بل هناك شيء في طريقه إلينا. من واشنطن يفكر الرئيس الاميركي ببرنامج لا يختلف كثيراً عما يقدمه في عرضه المتواصل في العراق وما يشاهده منذ عقود في فلسطين. وثمة لبنانيون يتقدمهم قادة ثورة الأرز يعربون عن رغبتهم واستعدادهم لتكرار تجربة لم يمر عليها وقت طويل، ولا يزال أولاد وزوجات وأمهات ضحاياها متشحين بالسواد، بعضهم يبحث عن جثة مفقود أو بقية له. والقتلة الذين يستعدون لجولة جديدة من العنف الدموي وحدهم من يعرف مكانهم وسبب قتلهم. لكن الأخطر هو أن هناك فريقاً من الناس يلتحقون بهؤلاء القتلة الذين لا يهتمون بمصدر أدوات الموت. مرة كانت من العالم العربي برمته ومرة من العالم الغربي برمته. والآن كذلك.
وبينما يُنتظر أن يحصل تطور كبير قريباً على مستوى الاتصالات السعودية ــــــ الإيرانية الخاصة بأزمة لبنان بذاتها وما يتفرع عنها من أزمات إقليمية، فإن المناخ الفعلي القائم عند الناس في لبنان اليوم يقول إن أطراف النزاع يتجهون صوب جولة جديدة من المواجهة. ومع ذلك فهم لا يقفلون الباب أمام احتمال حصول حل ما. وكل التفاؤل يقوم في رأي متابع للاتصالات عن قرب ومتصل بالجانبين، على فرضية أن هناك مصلحة مشتركة بين الطرفين الإيراني والسعودي في التوصل الى حل جدي في لبنان، وذلك يرتبط بحاجة الطرفين الى منع انفجار مذهبي من النوع الذي يترك أثره السلبي الكبير على الوضع في المنطقة برمتها. ذلك أن انفجاراً من هذا النوع، إذا وقع في لبنان، سوف يجعل من إيران طرفاً لأنها لن تترك الفريق الحليف لها. كذلك هي حال السعودية. ما يعني ان امتداد الازمة سوف يكون في قلب المنطقة العربية.
لكن المشكلة تكمن في ان الحل يرتبط ايضاً بالقوى القادرة على بت أمور كثيرة. وفي هذا ما قاله مسؤول لبناني لسفير عربي بارز في بيروت: هل تسمح لكم الولايات المتحدة بإنجاز اتفاق بين القوى اللبنانية؟ رد السفير العربي: عندما حصل اتفاق مكة الفلسطيني، ربما لم تكن أميركا راضية عنه. لكن هناك حاجة وضرورة له، وقامت السعودية بالأمر. والآن هناك حاجة ومصلحة في إنجاز اتفاق لبناني من هذا النوع، ويجب تحقيقه حتى ولو لم تكن أميركا راضية عنه.
لكن المسؤول عاد وقال للسفير العربي: هناك إشارات أتت من الولايات المتحدة، وكلها لا تشجع على الاتفاق. وعندما يخرق الرئيس الاميركي جورج بوش بروتوكوله فإنه يفعل الامر لحاجة سياسية. وهو ما وجدناه في استقباله لوليد جنبلاط. وبالتالي فإن من يقوم بهذا الامر وهو على أهبة تكراره مع آخرين من سياسيي الفريق الحاكم في لبنان، يثبت أن الأمر لا يتعلق فقط برفع معنويات هؤلاء لمنعهم من الانهيار في لبنان، بل لأجل القول إن الامور يجب ان تسير وفق البرنامج الاميركي، وأولويات اميركا الآن تتعلق فقط بالعراق. وما يجري في لبنان هو محاولة اميركية لجمع المزيد من اوراق التفاوض والضغط لأجل استخدامها ضد سوريا وإيران في العراق. وليس هناك من منطق آخر... صمت السفير العربي، ولم يعلق بأكثر من تكراره تمنّي بلاده أن “يساعدنا الاخوان في لبنان لنتقدم نحو حل قبل القمة العربية”.
لكن حال فريق الاكثرية لا تشبه فقط ما صدر عن وليد جنبلاط في واشنطن أو ما يقوله سمير جعجع في بيروت، وتساؤل قوى المعارضة عن موقف تيار “المستقبل” من هذه التطورات، يأتي بجوابه من النائب سعد الحريري نفسه. وهو ناقش قبل ايام مع المسؤول اللبناني نفسه الملف من زاوية ان الحل ممكن إذا سارعت طهران الى الضغط على دمشق وحزب الله لأجل القبول بتسوية سياسية سريعة تكون المحكمة الدولية بوابتها. وقال الحريري بما يعكس قناعة لديه: لقد تعهدت إيران لنا بهذا الأمر وهناك مصلحة لحزب الله في أن تمر المحكمة، وسوريا يجب أن تقبل بالأمر. ونحن نتكل على الوعد الايراني. وإذا لم يحصل ذلك؟ فهل تذهبون بالمحكمة الى الفصل السابع؟ رد الحريري سريعاً على السؤال بالقول: إن احتمال إقرار المحكمة في مجلس الامن وفق الفصل السابع أمر وارد بقوة، ونحن نثق بأن القرار سوف يقر دون معوقات. فسأله المسؤول الضيف: وهل هناك تأكيدات بأن الامر سيمر في مجلس الأمن دون اعتراض الروس مثلاً؟ رد الحريري: نعم، إن روسيا لن تعارض وستكون مع القرار. ولما حاول المسؤول لفت انتباه الحريري الى أن لديه معلومات تقول العكس استدرك الحريري قائلاً: سنرى إذا لم تصوّت روسيا مع القرار فهي لن تعوق صدوره.
اضافة الى ذلك يبدو الحريري في مناخ لا يتناسب مع الوقائع القائمة في البلاد ومن حولها الآن. بل هو أقرب الى مناخ من النوع الذي يشير الى صعوبات حقيقية في التوصل الى تسوية قريبة. وهي الصورة التي يحملها أيضاً زوار العاصمة الاميركية. ويقول هؤلاء ان التفكير الاميركي واضح في قيامة حلف سياسي له قاعدة مذهبية. ووليد جنبلاط، كما سمير جعجع، يمثلان في هذه اللحظة جانباً من الفريق السني ــــــ السياسي. وفي اميركا من يقول صراحة، إن فريق الحكم في لبنان هو جزء من حلقة الضغط القائمة الآن والتي تجمع الاردن والرئيس الفلسطيني محمود عباس والسعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، هذه الدول التي يجري العمل على رفع مستوى التنسيق في ما بينها ومع كل من يرى نفسه متضرراً من “الهجوم الإيراني” في معركة يراها المنظرون للسياسة الاميركية المجنونة “الخطر الوجودي الداهم” وهو الأمر الذي يتطلب تحالفاً مباشراً أو غير مباشر مع إسرائيل، علماً بأن كل من يزور الولايات المتحدة الاميركية يتحدث عن فائض من تبادل المعلومات والخبرات بين هذا الفريق العربي وبين إسرائيل، وأن ما يخص لبنان يهم اسرائيل اكثر من غيرها.
إلا أن الجملة المفيدة الوحيدة التي قالها وليد جنبلاط في واشنطن، دون أن يعلم أهل بلده إن كانت من بنات أفكاره أم من بنات صحونه اللاقطة هي: “اننا ( الأرزيون) في حاجة الى دعم للتخلص من حزب الله”. ثم يضيف عبارة هي بالتأكيد من بنات أفكاره: “حتى نحفظ الديموقراطية الناشئة في لبنان من أشخاص مثل حسن نصر الله”. إن جنبلاط ببساطة يبشر اللبنانيين بحرب أهلية جديدة!