رندلى جبور
المقدمات في لبنان لا تتغيّر مهما اختلفت طبيعة اللقاءات وصفات المقدّمين وهويات المتلقين إذ تنطلق جميعها من مسلمة الوضع السيئ في المنطقة الذي تبدأ خيوطه في فلسطين وتعرّج على العراق قبل أن تحط رحالها في لبنان.
ومهما بدت الثقافة بعيدة عن السياسة ومهما اختار المثقفون العزلة عن هذا المفهوم، إلا أنهم يقعون في فخه في هذا الكوكب اللبناني الغريب العجيب.
فقد عقدت الحركة الثقافية أنطلياس، مؤتمراً صحافياً في مقرّها في دير مار الياس انطلياس لإطلاق برنامج المهرجان اللبناني السنوي للكتاب، الذي يبدأ في الثاني من آذار ويستمر حتى الثامن عشر منه. مقدمة البرنامج كانت ملخصاً سياسياً للوضع في المنطقة تحدّث عنه أمين الإعلام في الحركة، الصحافي جورج اسطفان الذي رأى أن لبنان أصبح مهدداً ككيان أكثر من أي وقت مضى مما يعرّضه لفقدان هويته التعددية التي لطالما تباهى بها.
وعلى رغم اختيار الحركة النَّأْي عن السياسة إلا أنها «من باب الحرص» دانت ذهنية السيطرة والمحسوبيات وتعطيل مؤسسات الدولة والارتهان للخارج والفساد المستشري الذي أوصل الوضع الاقتصادي إلى شفير الهاوية والتشرذم والاقتتال الداخلي.
ومن الانتفاضة الجماعية لجمع شمل اللبنانيين انتقل اسطفان إلى «الانتفاضة الثقافية الوطنية الكبرى» التي تبدأ في الثاني من آذار. أما هذه التسمية فقد برّرها المنظمون بمضمون البرنامج الثقافي الذي يفترش الأيام الستة عشر بدوام يومي من الحادية عشرة صباحاً لغاية التاسعة مساءً في مقر الحركة في دير مارالياس.
ومن أبرز «أحداث» هذين الأسبوعين الثقافيين تكريم الرعيل الثاني والعشرين من أعلام الثقافة اللبنانيين والعرب وتسمية كل يوم من أيام المعرض بإسم أحدهم مع إصدار سير حياتهم ونتاجاتهم ونشاطاتهم، ثم إقامة الندوات بمختلف المواضيع وتنظيم الأنشطة الصباحية المخصصة للأساتذة والطلاب مع ما تتضمنه من عرض أفلام وثائقية ومسرحيات فكرية وبيئية بالإضافة إلى توقيع المؤلفين كتبهم الصادرة حديثاً. وفي ختام الحدث تكرم الحركة ذكرى بعض كبار المثقفين الذين غيّبهم الموت هذا العام حيث سيكون للصحافي الراحل جوزف سماحة وقفة حزن خاصة يستعرض سيرته وإنجازاته في عالم الفكر والصحافة.