صور ــ آمال خليل
«عقـــد العســـل» قـــارب على الإنتهـــاء والنيبـــال وجهـــة المحترفيـــن


مقتل عباس جابر وعلي بيطار بانفجار قنبلة عنقودية أثناء عملهما في التنقيب ضمن فريق «ماغ» في 23 آب الفائت، لم يصدم مئات الزملاء العاملين في عشرات المؤسسات والجمعيات التي «تنظّف» الجنوب من مخلّفات الاعتداءات الإسرائيلية، لأن الموت في عملهم احتمال دائم. وبالرغم من أن عمليات التنقيب، بحسب القوانين، توقفت بعد الحادثة لـ 24 ساعة، وبدأ التحقيق، إلا أن الحادثة الأولى التي يقتل فيها لبنانيون، جعلت العاملين على تماس يومي مع الخوف والخطر الذي تناسوه تحت الضغوط المعيشية اليومية التي يخففها الراتب الشهري. حتى بات كل منهم مشروع علي وعباس الذي ترك خلفه زوجة وطفلين، رغم إجراءات السلامة المشددة المتبعة لدى الجهات العاملة، لأن الخطأ الطارئ وارد.
1070 لبنانياً يعملون ضمن فرق نزع الألغام والقنابل العنقودية منذ انتهاء عدوان تموز، بينهم 52 في التنقيب عن الألغام و642 في التنقيب عن القنابل العنقودية و103 مسعفين و273 في الأعمال الإدارية في مقابل 246 أجنبياً في مختلف الأقسام.
هؤلاء «المناسبون» اختيروا من بين آلاف تقدموا بطلبات قبل أن يخضعوا لدورة تدريبية مكثفة لثلاثة أشهر نفسية ونظرية وميدانية ينقلون بعدها إلى الميدان الملوث الذي يحكم بإجراءات سلامة مشددة للعناصر، وخصوصاً المنقّبين الذين يشكلون الجزء الأكبر من العاملين اللبنانيين. فموقع العمل الملوث يسيج بأوتاد حمراء تحذيرية ثابتة تفصل بين المنطقتين الآمنة والخطرة، فيما الأوتاد الصفراء تشير إلى لغم إفرادي فجِّر أو أزيل من مكانه. أما الوتد الأبيض والأصفر فيشير إلى لغم مفقود، والأزرق يشير إلى بداية العمل اليومي. وعلى بعد 100 متر في حد أدنى يجهّز موقع التحكم وموقف الآليات وممرات الدخول والمخازن ومنطقة الأجهزة والمعدات والإسعافات الطبية والمراحيض والفحص اليومي لسلامة المعدات والكاشفات وارتداء عدة الوقاية (الوجه الكامل والسترة الواقية) وتوقف التنقيب لدى اكتشاف سلك الجسم غير المنفجر والوجود الدائم لسيارة الإسعاف والمسعفين على بعد 25 متراً من حقل التنقيب. وبعد تفجير القنابل العنقودية والقذائف في موقعها، يجري التحقق بالكاشف من حفرة الانفجار للتأكد من خلوها من لغم أو جسم غير منفجر ثانوي بإشراف قائد الفريق.
ضمان الجودة
يحكم الجيش اللبناني على أهلية الفرق العالمية التي تطلب الإسهام بنزع الألغام والقنابل العنقودية، والتأكد من تنظيف الحقول الملوثة وضمان جودة النوعية حسب المعايير الدولية، بالتعاون مع مكتب الأمم المتحدة ودولة الإمارات العربية المتحدة لكونها المموّل الأكبر لبرنامج نزع الألغام منذ عام 2002 عبر صندوق الأمم المتحدة. لكن اللافت أن بعض الضحايا أصيبوا في مواقع أنجز تنظيفها، كالطفل حسن قدوح من السلطانية، والمواطن حسن جفال من البازورية، اللذين استشهدا بجوار منزليهما بانفجار قنبلة عنقودية.
انتهاء عقد العسل
بحسب الناطقة الإعلامية لمكتب التنسيق بين الأمم المتحدة والجيش اللبناني داليا فران، كان من المقرر «أن ينتهي مشروع إزالة القنابل العنقودية في شهر كانون الأول المقبل حين تُنقل المهام تدريجاً إلى الجيش اللبناني الذي طلب رسمياً من الأمم المتحدة الاستمرار عاماً إضافياً، وخصوصاً بعد زيادة المواقع الملوثة (937 موقعاً) مع مرور الوقت وعدم توافر الخرائط من إسرائيل».
وبما أن الخطر المباشر يزال بحلول نهاية العام الحالي من المناطق السكنية والطرقات، تقلّ الحاجة إلى استمرار عمل الجمعيات الخيرية والمؤسسات العاملة في نزع القنابل العنقودية، ما يدفع بعدد منها إلى إنهاء عقود موظّفيها وعملها في لبنان، فيما تواصل شركات متخصصة العمل في العام المقبل في تنظيف الأحراج والأودية والأراضي الملوثة المكتشفة حديثاً، بعدد عمّال محدود تجدّد عقوده بعد شهر.
إعادة جدولة عمل هذه الفرق وما يرافقها من استغناء عن الكثير من مهامها وموظفيها، يوقظ هؤلاء الـ 1070 لبنانياً «النائمين في العسل» منذ أكثر من عام بعدما أنقذتهم القنابل العنقودية والذخائر غير المنفجرة في قراهم من تركها إلى أجل غير مسمى، والسفر إلى أقاصي الأرض ومغاربها لتأمين لقمة العيش المفقودة في جنوب ما بعد التحرير. في كل الأحوال، يدرك هؤلاء منذ توقيع عقود العمل التي كانت إدارات الفرق تجددها كل أربعة أشهر، بأنه وقت ضائع لكنه ثمين، يمضونه ريثما تستعيدهم البطالة أو الغربة مجدداً. لكن الأزمة العمالية المرتقبة بعد شهر واحد تختلف بين بعضهم، فالمنقب في شركة باكتك يوسف جعفر (21 عاماً) الذي يتابع تحصيله العلمي في الجامعة، لا يجد في صرفه من العمل سوى خطوة مرتقبة ترميه مجدداً أمام الخيار الأوحد، الهجرة. أما علي شحادة (39 عاماً) المنقّب في جمعية «ماغ» الخيرية، فإن مسؤولية بيته الزوجي تجعله لا يقوى على احتمال الصرف بعدما استبدل مهنة نجارة الموبيليا بالتنقيب، علّه يتمكّن من كفاية شؤون معيشته.
علماً بأن الأجور التي لا تتعدى 1000 دولار، تحددها إدارات الفرق إلى المكافآت وشروط التوظيف وظروف العمل، مع مراعاة الحد الأدنى الذي تشترطه الأمم المتحدة للأجور ومعايير السلامة الدولية. إضافة إلى أن التأمين الصحي يشمل إصابة العامل خلال العمل أو بسببه. ويبدو أن البعض قد يستفيد من عروض الفرق الأجنبية المنهية أعمالها في لبنان والمنصرفة للعمل في بلد آخر حتى لو كان في النيبال؛ وخصوصاً أن الأجر يضاعف كحد أدنى، لدى عمل الموظف خارج بلده بحسب معايير الأمم المتحدة.