عادل السلمان
تكثر الأحاديث عن مشاكل المباني في الجامعة اللبنانية، وما ينقص هو بعض التجارب الشخصية. فإليكم ما رآه ناجي في كلية الآداب والعلوم الإنسانية ـــــ الفرع الأول: بعد التزوّد بالمستندات المطلوبة، تسلّم ناجي طلب التسجيل وسأل أحد الطلاب مساعدته في ملء الأوراق. وقبل المباشرة بالمساعدة، أراد «المغيث» التأكّد من رغبة ناجي: «هل تريد دراسة الفلسفة فعلاً؟». ردّ ناجي بالإيجاب، فأكمل الشاب حديثه: «ثمة ما يقارب أربعة طلاب، والأستاذ كثيراً ما يتغيّب عن الحضور». لم يأبه ناجي للتحذير، وأصرّ على ملء الطلب واستكمال التسجيل في فرع الفلسفة.
أنهى ناجي هذه المهمة بنجاح، وبقي عليه معرفة دوامه ومبنى الكليّة. سأل عن المكان فجاءه الجواب: «أترى أعلام حركة أمل؟ هذا هو المدخل». وصل ناجي المكان. حاول الطالب الجديد أن يستدل على فرع الفلسفة، فوجد صور شهداء الأحزاب معلّقة على الجدران، القمامة تنتشر في كل أنحاء المدخل والمبنى، والسياج والبوابة الحديديان لا يوحيان بأنّه في صرح أكاديمي، شعر أنه يدخل إلى معسكر حزب. لم يكن ناجي يعلم أنّ كليّته الجديدة أشبه
بـ«السجن».
الضائقة الاقتصادية لم تسمح لناجي بأن يدخل إلى جامعة خاصة مثل شقيقه، فاختار الجامعة اللبنانية، لأن عدداً من الأصدقاء أبدوا إعجابهم بهذه الجامعة الوطنية وما تقدّمه من تحصيل تعليمي جيّد نسبةً إلى «فاتورتها» الرمزية. لكن ما إن وطأت قدما ناجي المبنى، حتى راح يبحث عن مسؤول القسم ليستفسر عن بدء العام الدراسي وجدول الحصص الدراسية. وقف في مكانه، وسأل أحد الطلاب عن مكان وجود الدكاترة، فقال له: «المسؤول موجود في الطبقة الرابعة، وقاعات الفلسفة في الطبقة الثانية».
استقل السلالم باتجاه الطبقة الثانية بعدما سمع بعض العبارات عن تعطّل المصعد، فقرّر عدم المجازفة. الطبقة الثانية خالية من أي «إشارة للحياة». توجه ناجي إلى الطبقة الرابعة، فوجد سيدة جالسة خلف مكتبها، استأذنها وسألها عن موعد بدء الصفوف وإمكان الحصول على نسخة من الجدول الأسبوعي للحصص، فكان الجواب: «في الأول من تشرين الثاني»، ثم طلبت منه أن يراجع نهار الخميس المقبل وأنّ الجدول قيد الإعداد. عاد ناجي إلى منزله والأفكار تجول في رأسه عما رآه وعما يمكن أن يواجهه خلال الفترة المقبلة.
«إه هيدي الجامعة اللبنانية» يقول له أحد التلامذة، فالرغبة في الحصول على شهادة في التعليم العالي تترافق مع خدمات بأسعار غير خيالية كما في الجامعات الأخرى، قد تتلاشى بسبب مظهر الكلية العام. المظهر الذي يأسر كلية الآداب يُشعر الطالب بأنه سوف يدفع المال ثمن أدوية، لأن القمامة أكثر من
الطلاب.