المنية ـــ عبد الكافي الصمد
ما هي حقيقة ما يتردد عن أنّ تحوّلاً سياسياً كبيراً تشهده منطقة المنية منذ فترة، يتمثّل في إعادة تموضع قاعدتها الشعبية تدريجاً نحو المعارضة، وهي التي كان لها الدور الفعّال في حسم أمر نتائج الانتخابات النيابية في دائرة الشمال الثانية عام 2005 لمصلحة «تيّار المستقبل» وحلفائه، عندما صوّتت بنسبة ناهزت 75 في المئة من أصوات ناخبيها لمصلحة اللائحة التي طلب منهم النائب سعد الحريري التصويت لها «زي ما هيّي»؟
تطوّرات كثيرة، منذ ذلك الحين، شهدتها المنية، كوّنت انطباعات بأنّ قوى المعارضة في المنطقة، على اختلافها وتنوّع انتماءاتها، لم تسلّم بالأمر الواقع الذي أفرزته تلك الانتخابات، إضافة إلى أنّ قوى الموالاة، وتحديداً «تيّار المستقبل»، لم يستطع الإمساك بدفّة القرار والقاعدة الشعبية فيها، إمّا نتيجة أسباب بنيوية وخلافات داخلية تتعلق بالتيّار نفسه، وإما لأنّ التأييد العريض الذي حصل عليه حينذاك كان تعبيراً عن حالة عاطفية عابرة، لم تلبث أن تراجعت، بعدما ذهبت «السكرة وأتت الفكرة»، وعاد الجميع إلى قواعدهم، في منطقة لطالما كان الانتماء العائلي والعشائري يُهيمن فيها على ما عداه من الانتماءاتخلال هذه الفترة عاودت قوى المعارضة تحرّكها، وإن بشكل خجول، في بداية الأمر، فبرز تحديداً نشاط لجنة الأسير في السجون الإسرائيلية يحيى سكاف، التي أقامت مطلع هذا العام في ذكرى اعتقاله احتفالاً شابته حالة تصادم مع أنصار «المستقبل» في المنية لم تنته ذيولها بعد، إضافة إلى إعلان ولادة «اللقاء التضامني الوطني» المعارض في الفترة نفسها، الذي ضمّ مروحة واسعة من النّخب من أبناء المنطقة، وإلى الضجّة التي أثارها ولا يزال يثيرها عضو «جبهة العمل الإسلامي» الشيخ مصطفى ملص، بعدما أعفته دار الفتوى من مهمات الخطابة والإمامة معاً في مسجد المنية الكبير، على خلفية مواقفه المؤيّدة للمعارضة، وإلى الحضور الدائم لرئيس «المركز الوطني للعمل الاجتماعي» كمال الخير، الذي كان وجوده حجر الزاوية في أغلب تحرّكات قوى المعارضة في المنية.
الخير الذي أصبح يمثل حالة استقطاب بارزة لمؤيدي المعارضة في المنية، وشريحة مهمة من «الحياديين»، يقول لـ«الأخبار» إنّ «موقفنا المعارض والداعم للمعارضة والمقاومة، لا ينبع من سعينا وراء تبوّؤ منصب ما، أو الحصول على مقعد نيابي أو ما شابه، فنحن في الأساس أهل بيت سياسي معروف في المنطقة، واتخاذنا هذا الموقف لم يكن مغامرة سياسية غير محسوبة العواقب، فأهل المنية كانوا دائماً، وما زالوا، وسيعودون جزءاً من طائفة سنّية عربية مقاومة، لها تاريخها المشرّف، لن تسمح لأيّ كان بأن يأخذها إلى موقع مختلف ومتعارض مع مبادئها وقيمها وتاريخها مهما كانت الضغوط والإغراءات».
وتحت صورة كبيرة رُفعت على واجهة دارته للأمين العام لـ«حزب الله» السيّد حسن نصر الله، إضافة إلى صورة للأسير سكاف تتصدر صالونه، يقول الخير إنّ «المعارضة في المنية باتت اليوم رقماً صعباً ليس من السهولة بمكان على أحد تخطّيه». ويضيف: «المنية ليست كانتوناً يملكه آل الحريري ولن تكون، والرئيس رفيق الحريري لم يورّثها لا لأحد من أبنائه، ولا لأحد من جماعة 14 شباط، وهي ليست ملكاً لأحد سوى أبنائها».
وإذ يُبدي الخير نيّته إعلان تنظيمه السياسي الذي يجري الإعداد له قبل نهاية العام الجاري، خلال «مهرجان حاشد ننوي إقامته في المنية»، يشدد على أنّ «الاتهامات التي توجّه لنا لا نتوقف عندها أبداً، فنحن فخورون بتأييدنا للمقاومة التي هزمت إسرائيل، ورفعت رأس كلّ لبناني وعربي ومسلم، وكذلك لنا الشرف في علاقاتنا وتحالفنا مع سوريا، البلد المقاوم والممانع، التي تُحارب وتُوجّه إليها اتهامات سياسية خالية من أيّ دليل حسّي أو مادّي».
وفيما يُعلن الخير حرصه على «استقرار المنية والحفاظ على العلاقات والروابط بين عائلاتها، وخدمة أي شخص فيها بعيداً عن انتمائه العائلي أو السياسي، ورفضنا الانجرار وراء أيّ فتنة قد يعمل البعض على نشر بذورها في المنطقة»، يؤكّد في المقابل أنّه «لن نسمح لأحد أن يتطاول علينا أو ينال من كرامتنا كائناً من كان».