حسن عليق
بعد أقل من 40 يوماً على إصدار وزير الداخلية حسن السبع تعميماً منع فيه قوى الأمن الداخلي من المبادرة إلى قمع مخالفات البناء، أصدر السبع تعميماً جديداً ألغى فيه التعميم الأول. وبين التعميمين انتشرت ورش البناء المخالفة في أكثر المناطق فقراً من طرابلس إلى الضاحية الجنوبية

أصدر وزير الداخلية والبلديات حسن السبع تعميماً يوم 29 تشرين الأول 2007، أعاد بموجبه إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي صلاحية المبادرة إلى التدخل في قمع مخالفات البناء على الأملاك الخاصة. فقد ألغى التعميم الصادر عنه تعميماً سابقاً كان قد أصدره يوم 21/9/2007، وكان قد حصر بموجبه «المبادرة الى التدخل في ورش البناء بالسلطات الإدارية (المحافظ والقائمقام) وبرئيس السلطة التنفيذية في البلدية وبالمختار في القرى التي ليس فيها بلديات».
وقد شهدت المدة الفاصلة بين التعميمين عدداً كبيراً من ورش البناء على الأملاك الخاصة، التي بدأ أصحابها العمل من دون الحصول على رخص من البلديات. وقد تركّزت الورش المخالفة في منطقة جبل لبنان ومدينة طرابلس، التي رفع رئيس بلديتها الصوت عالياً، محذّراً من عدم قدرة البلدية على قمع مخالفات البناء، معتبراً أنها تمثّل خطورة على سكان المباني القديمة، وعلى الأبنية التراثية.

«عمود الباطون متل ابني»

في طرابلس والضاحية الجنوبية لبيروت، ومع صدور التعميم الأخير، لم يكن أكثر أصحاب الورش المخالفة قد أنهى عمله بعد. «فالمدة قصيرة، ولم نتمكّن من إنهاء بناء السقف بعد»، كما يقول م. ي. لـ«الأخبار». وعما إذا كان القرار الأخير لوزير الداخلية سيمنعه من إتمام عمله أو هدم ما قام ببنائه، يرد م. ي.: «عمود الباطون يلي عمّرته متل ابني، وما رح اسمح لحدا ياخدلي ابني، وفهمك كفاية».
أمّا أم حسين، التي «لا يهمّها إلا مستقبل أبنائها الأيتام» فتقول «استدنت وبعت صيغتي لأضيف سقفاً جديداً إلى منزلي، لكي أساعد ابني الذي تخرّج من الجامعة قبل خمس سنوات، ولا يزال حتى اليوم يبحث عن عمل». تشتكي أم حسين من الغلاء الفاحش، وتحمّل وزير الداخلية مسؤولية ما جرى: «لماذا سمح لنا بالبناء ثم عاد عن قراره؟». وبسؤالها عن السبب في عدم استحصالها على رخصة من البلدية، أجابت إنها لن تدفع نصف ما تملك بدل رخصة، «هذا إذا أعطتنا البلدية رخصة». تؤكّد أم حسين أنها لا تنوي بناء منزل، وذلك بسبب التعميم الأخير للوزير، ولأن القوى الأمنية «تحاصر المنطقة وتمنع إدخال مواد البناء»، وتتحدّث عن «قرار لدى القوى الأمنية بفترة سماح لمن بدأوا بالعمل، شرط عدم حصولهم على مواد بناء جديدة».
في المقابل، ذكر مصدر أمني لـ«الأخبار» أنه منذ صدور التعميم الجديد لوزير الداخلية، أقامت القوى الأمنية حواجز ثابتة ونظّمت دوريات سيّارة من أجل منع أي مواد بناء من دخول المناطق التي تكون فيها ورش بناء مخالفة. وفي جواب عما إذا كانت قوى الأمن الداخلي تنوي هدم المخالفات، رد المصدر أن التعليمات الواردة إلى قطعات قوى الأمن تقضي بتجنّب أي احتكاك مع المواطنين.
مصدر آخر ذكر أن عدد المخالفات في طرابلس وضواحيها زاد على 500، وهي تتركّز في مناطق القبة وأبو سمرا.
أمّا في جبل لبنان، فتتركّز في منطقة الضاحية الجنوبية، وبالتحديد في حي السلم والعمروسية والليلكي، حيث أحصت مفرزة الاستقصاء ما يزيد على 300 ورشة مخالفة، إضافة إلى ما يزيد على 100 ورشة موزعة على عرمون والشويفات ودير قوبل وبحمدون، وغيرها من قرى الجبل. ولفت المصدر إلى أن بعض بلديات الجبل تقوم «بتغطية المخالفات بطريقة غير قانونية، فتعمد إلى تزويد المواطنين بورقة صادرة عن البلدية، يُسمح فيها ببناء سقف، لكن من دون المرور في القنوات القانونية الرسمية».

تعاميم غير مدروسة للسبع

التعميم الأول الذي كان السبع قد أصدره يوم 21/9/2007، استند إلى تعاميم سابقة، وإلى رأي هيئة الاستشارات والتشريع في وزارة العدل، الذي يجيز لوزارة الداخلية «استصدار تعاميم أو تعليمات تتضمّن إعفاء أفراد قوى الأمن الداخلي من مهمة ضبط المخالفات». لكن السبب العملي الذي أبرزه وزير الداخلية في تعميمه الأول كان: «الظروف الأمنية الراهنة التي تقتضي ضرورة تفرغ قوى الأمن الداخلي للقيام بالمهمات المحددة لها في القانون الرقم 17/90، ولا سيما حفظ النظام وتوطيد الأمن وتأمين الراحة العامة وحماية الأشخاص والممتلكات والقيام بمهمات الضابطة العدلية وتنفيذ التكاليف والإنابات القضائية والأحكام والمذكرات العدلية».
أمّا التعميم الثاني، فقد ذكر فقط أنه «ورد عدد من المراجعات التي تتعلّق بعدم تمكّن بعض البلديات الكبرى من القيام بمراقبة تطبيق أحكام قانون البناء وتعديلاته». وإلى هذا استند الوزير لإلغاء تعميمه الأول، «وذلك بانتظار أن تقوم كل البلديات بالتحضير كي تكون جاهزة للتنفيذ من ناحية العمل الإداري ضمن نطاق كل بلدية». ولم يذكر القرار الجديد أي أمر متعلّق بما سمّاه الوزير في تعميمه الأول «الظروف الأمنية الراهنة». وبما أن أي جديد لم يطرأ على «الظروف الأمنية الراهنة» خلال الأيام الـ38 الفاصلة بين التعميمين، فلماذا رأى الوزير في التعميم الأول أن هذه الظروف تمنع القوى الأمنية من قمع مخالفات البناء، في حين أنها لا تمنعها في التعميم الثاني؟
من ناحية أخرى، وبعد إصدار التعميم الأول، ألم تصل إلى وزير الداخلية تقارير من الأجهزة الأمنية عن بدء العمل في الورش المخالفة بعد يومين من صدور تعميمه؟ وإذا وصلت، فلماذا لم يلغِ قراره قبل أن تتفشّى ظاهرة البناء المخالف في أكثر المناطق فقراً في الضاحية وطرابلس؟
أمّا عن قدرة البلديات، فهل بإمكان وزير الداخلية والبلديات أن يصدر قراراً يرمي فيه كرة نار المخالفات في أحضان البلديات من دون التنسيق معها؟ إضافةً إلى ذلك، ألم يكن الوزير على علم «بعدم استطاعة بعض البلديات الكبرى القيام بمراقبة تطبيق أحكام قانون البناء»؟ وما الذي سيفعله السبع لكي تتمكّن «البلديات الكبرى» من مراقبة مخالفات البناء وقمعها؟