strong>ثائر غندور
منذ سنة تماماً انطلق «حلف لبناننا». حصلت تغيّرات كثيرة خلال هذه السنة؛ فقد عاد سامي الجميّل أحد مؤسّسي الحلف إلى حضن المؤسّسة الكتائبيّة بعد ابتعاد لأسباب سياسيّة، لتتكرّس هويّة «الحلف» مركزاً للأبحاث والإنماء والدراسات يتبنّى «النظام المركّب» حلًاّ لـ«الوحدة المصطنعة والتقسيم» مثلما تشير النشرة الرابعة الصادرة عن «لبناننا».
مساء اليوم يلتقي «الرفاق» في النقاش للاحتفال بالعيد الأوّل لحركتهم وحصولهم على العلم والخبر، في دعوةٍ ليست عامة حضوراً وإعلاماً، وبالتالي فإن هذه المجموعة تكرّس نفسها «نخبة فكريّة» تحاول أن تتناول المحظور في السياسة اللبنانيّة. وهي محاولة لكسر الجمود الفكري وتخطّي النقاش والخطاب السياسي اليومي صوب دراسات معمّقة في سبيل إنتاج دستور جديد أو صيغة جديدة.
رؤيتهم للبنان ليست جديدة، أو بعبارة أدقّ، لا تأتي من فراغ. فطرح الفدراليّة ـــــ وإن كانوا يفضّلون تسميتها النظام المركّب ـــــ فكرة قديمة تعود إلى أكثر من ثلاثين عاماً، وصل النقاش حولها إلى ذروته خلال المداولات التي قام بها فريق بشير الجميّل خصوصاً في فترة خوضه للانتخابات الرئاسيّة عام 1982.
بعد عودة الجميّل إلى حضن الكتائب، حاول العديد من الصحافيين الحصول على حديث من أعضاء المجلس التنفيذي لـ«حلف لبناننا»، لمعرفة مصير هذه الحركة، التي ظهرت في أشهرها الستة الأولى تنظيماً سياسياً بديلاً من الأحزاب المسيحيّة التقليديّة، خصوصاً عندما نزل سامي الجميّل وأعضاء «لبناننا» في حزيران من عام 2006 إلى الشارع رداً على التظاهرات المندّدة بالتعرض للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في برنامج «بسمات وطن»، وقال الجميّل حينها للإعلام: «نزلنا إلى الشارع لأننا رأينا أن الجيش لا يقوم بواجباته، ومع وقوع المشكل لم يكن هناك أي عنصر للجيش أو لقوى الامن. هناك منطقة تنتهك كل يوم ويجب أن ندافع عنها. ونرفض تكرار ما جرى في 5 شباط». ثم أتى تحرّكهم في عيد المعلّم في التاسع من آذار 2007 أمام المركز التربوي للبحوث والإنماء ضد «كتاب التربية الذي يعالج العلاقات اللبنانية ـــــ السورية بطريقة انتقائية تكرّس منطق الغالب والمغلوب السائد منذ اتفاق الطائف» بحسب بيان «حلف لبناننا».
رفض هؤلاء الأعضاء إجابة الطلبات المتكرّرة، ربما لأن النقاش بشأن دور المجموعة لم يكن منتهياً، إلى أن «أتى العيد الأول فكان مناسبة لظهور إعلامي يؤكّد موقعنا وهويتنا» حسبما يقول أحد المطّلعين على مداولات المجلس التنفيذي.
لقاء اليوم، إذاً، هو للتأكيد على الهويّة الفكريّة لهذا الحلف. ويحضر اللقاء محازبون وناشطون اجتماعيون وفي مجال حقوق الإنسان. ويتضمّن الاحتفال كلمة لأحد أعضاء المجلس التنفيذي وتوزيع النشرة الخامسة للحلف. وتحوي النشرة مقالات ودراسات عدّة شارك في إعدادها أكاديميون وصحافيون ومحللون سياسيون ومحامون... وتتحدّث عن ركائز الدولة مثلما يراها «حلف لبناننا»، وجدوى اللامركزيّة الإداريّة في المجال الاقتصادي وغيرها من الشؤون الفكرية والشبابيّة. وقد يكون أغلب أعضاء «حلف لبناننا» من الشباب لكنّهم يلتقون مع عدد من الأكاديميين والكتّاب ولا سيما منهم انطوان نجم وسجعان القزي (اللذان كانا ضمن الفريق الاستشاري القريب من بشير الجميّل)، جورج فريحة (الذي يُعدّ من المؤسسين لـ«اللجان الشعبيّة» أو «البرلمانات الشعبية» مع بشير الجميّل في كانون الثاني 1976) والمدير التنفيذي لـ«مؤسسة الحق الانساني» وائل خير الذي كان في عداد الناشطين في حقوق الإنسان الذين اعتقلوا خلال فترة الوصاية السوريّة.
ويقول أحد المطّلعين على مداولات المكتب التنفيذي إن «حلف لبناننا» هو «مجموعة استشاريّة لكلّ شخص يؤمن برؤية جديدة للبنان». من هنا، قد تكون هذه المجموعة حركة استشارية تحيط بسامي الجميّل إذا تبوّأ موقعاً رئيسياً في حزبه وفي الدولة، لكنها ليست محصورة بالجميّل حسبما يقول هذا «المطّلع» رغم «أننا نفرح بوصول أحد رفاقنا إلى مواقع قياديّة».
ويشرح «المطّلع» رؤية «لبناننا» انطلاقاً من الافتراض بأن صيغة 1943 قد فشلت، وأن طبيعة النظام اللبناني الحاليّة تؤدي إلى صراعات دائمة تأخذ في كل مرّة طابعاً مختلفاً. إلى هنا تتشابه قراءة «لبناننا» مع القراءة الشيوعيّة لأزمة النظام اللبناني. أما الاختلاف، فهو متعلّق بحلّ هذه المشكلة. ففيما الشيوعيين يرون أن الحلّ بإلغاء الطبيعة الطائفيّة للنظام، فإن شباب «لبناننا» يرونه في «النظام المركّب» الذي يضمن حقوق «المجموعات الثقافية اللبنانيّة والوفاق اللبناني». ويحدّد هذه المجموعات بأربع: المجموعة المسيحيّة، السنيّة، الشيعيّة والدرزيّة.
ويعود هذا «المطّلع» بالتاريخ إلى ما قبل 1975. في ذلك الوقت كانت «المارونيّة السياسيّة» مسيطرة على الواقع السياسي، بالتنسيق مع المجموعة السنيّة وفي ظلّ استبعاد المجموعة الشيعيّة «التي كان لها مطالب اقتصاديّة واجتماعيّة محقّة». ويضيف أنه في ظلّ الواقع الحالي هناك «هواجس وجوديّة عند المجموعة المسيحيّة».
ويرى أنه بدل أن يخرج لبنان من خمسة عشر عاماً من الحرب الأهليّة باتفاق سلامٍ يُنتج منظومة دستوريّة جديدة «تضمن استقلاليّة ذاتية من دون انفصال»، وتُنشئ لجاناً حقيقية ثم مصالحة، خرج باتفاقٍ منسوخ عن صيغة 1943. وهنا، يلفت هذا «المطّلع» إلى أن «حلف لبناننا» ليس مع نسف الميثاق (العيش المشترك) بل مع «إعادة النظر في الصيغة لأنها لم تمنع التصادم بين مجموعات التركيبة اللبنانيّة».
وحصل لاحقاً الانسحاب الاسرائيلي في عام 2000 والسوري في عام 2005، «ولم يتغيّر أي شيء، إذ طالبنا بالجلوس معاً نحن اللبنانيين للتفكير بسبب توجيهنا السلاح بعضنا ضد بعض، وإنشاء لجان مصارحة ومصالحة». لكن البديل من هذا الأمر، حسبما يرى هذا «المطّلع»، هو الإحباط بسبب ثورة الأرز التي «كانت ردّة فعل إنسانيّة لا سياسيّة... كذلك كنّا نتمنّى أن يلحق السياسيون بالشعب لا العكس».
هكذا، فإن «لبناننا» ترى في النظام المركّب نظاماً «يحمي الإنسان من الدولة، والمجموعات من الدولة، دون نسيان واجبات الفرد تجاه دولته». وتنطلق هذه الرؤية من الاقتناع بأن الأولويّة هي للفرد.
يقابل هذا الوضوح على المستوى السياسي والدستوري، عدم وضوح على المستوى السياسي. ويعرّف «حلف لبناننا» موقفه الاقتصادي في العدد الرابع من نشرته: «إننا ندعم المبادرة الفرديّة والاقتصاد الحرّ، إذ إن المبادرة الخلّاقة وحدها كفيلة بإنتاج اقتصاد قوي يؤمّن فرصاً أفضل للقوى العاملة والعائلات». كذلك يطالب بتحقيق شفّاف وغير مشروط وفتح ملفّات مؤسّسات الدولة التي شهدت تجاوزات ماليّة كبيرة خلال مرحلة إعادة الإعمار ما بعد الحرب. ويصنّف «المطّلع» حلف لبناننا بـ: «سياسي على اليمين، اقتصادي على اليسار، دستوري في الوسط (النظام المركّب)». وتشير قراءته هذه إلى عدم وضوح الصيغة الاقتصاديّة لدى «حلف لبناننا»، إذ يقول إنهم مع حماية الدولة للفقراء عبر ضمانٍ اجتماعي وتأمين الطبابة والتعليم وغيرها من الخدمات العامّة، رغم أنّهم مع الاقتصاد الحرّ.
عمل «حلف لبناننا» على نشر فكره، عبر نشرته، في أوساط رجال الدين من كلّ الطوائف والمذاهب، الجسم الإعلامي، السياسيين المستقلّين، الأحزاب، القرى والبلدات (من طرابلس حتى عين إبل) وفي الفروع الثانية من الجامعة اللبنانيّة وعدد من الجامعات الخاصة الأساسيّة. كذلك يسعى لتطوير عمله الفكري عبر إصدار دراسات سنويّة تطاول كل المجالات من البيئة إلى الاقتصاد والسياسة والفكر... واللافت، أن نشرات «حلف لبناننا» تحوي مقالات في اللغات الثلاث، «لأننا نؤمن بتعدّد الثقافات في لبنان، وهناك شباب قدرتهم على التعبير بالانكليزيّة أو الفرنسيّة أفضل من العربيّة».
مساء اليوم تلتقي هذه المجموعة مجدداً، لتؤكّد خيارها استعادة نقاش قديم حول الفدراليّة، يُفترض أن تكون صفحته طويت مع اتفاق الطائف. لننتظر ونرَ إلى أين سيصل النقاش.



«لبناننا» وحزب الله

تناولت النشرة الأولى لـ«حلف لبناننا» موضوع حزب الله في مقال بعنوان «حزب الله: خطّة إسلاميّة في لبنان تعدّدي». وعاد المقال إلى تصريحات لعدد من قادة الحزب. وشدّد على العلاقة بين الحزب والجمهورية الاسلاميّة الايرانيّة. كذلك لفت إلى اعتماد حزب الله على «غياب الشرعية اللبنانية» في فترة الثمانينيات عبر تعويض هذا الغياب بمؤسسات دينية وتعليمية واجتماعية». وبالنسبة إلى سلاح الحزب فإن المقال يحاول القول أنه لا ضرورة لبقائه وعلى الدولة المطالبة بلوائح الخرائط وتحرير الأسرى اللبنانيين في السجون الاسرائيليّة. ويؤكّد المقال أن مزارع شبعا لبنانيّة ويلقي المسؤوليّة على الدولة التي تقاعست عن رسم الحدود مع سوريا من أجل الحصول على اعتراف دولي بلبنانية مزارع شبعا.
ويطالب المقال حزب الله بـ «إعلان موقفه جهاراً تجاه الدولة اللبنانيّة والاحتكام لشرعيّتها، فيسقط بذلك كل محاولة له أو لأي طرف آخر سواه لإنشاء دويلات ومناطق نفوذ خاصة داخل الأراضي اللبنانيّة».