إعداد مهى زراقط
ندوة “الأخبار” - الموضوعية على المحك - اليوم الثاني

انتهت أمس أعمال المؤتمر الذي نظّمته «الأخبار» بالتعاون مع «لوموند ديبلوماتيك» الفرنسية و«انفورماسيون» الدنماركية بتوصيات يمكن وضعها في إطار النصائح المهنية... نصائح لم تتبنّ «الموضوعية» حلاً للمشاكل والعوائق المهنية التي عرض لها المؤتمرون في جلسات العمل السبع التي عقدت خلال اليومين الفائتين. فقد طالب الأستاذ الجامعي لاسيه جنسن الصحافيين بالتحصّن بالمعرفة والتزام المعايير الأخلاقية في أي عمل. فيما نصح الصحافي آلان غريش الصحافيين وتلاميذ الجامعات على القيام بنقد إعلامي يمكنه أن يطوّر المهنة. نصائح كان يمكن أن تغنيها مشاركة من رئيس تحرير «الأخبار» جوزف سماحة الذي لم يغب تماماً

نحو منتدى للنقد الإعلامي يطوّر الأداء المهنياللافت أن عدداً من الطلاب الذين حضروا أعمال المؤتمر قدموا عدداً من الملاحظات النقدية على أداء الإعلاميين ومنها وصف مراسلة إذاعة «بي بي سي» ندى عبد الصمد، في إطار تقرير كانت تذيعه أمس، لجريدة «الأخبار» بأنها مقرّبة من «حزب الله» ما دعا بجاني إلى الإجابة عن هذا الشق بالقول إن «هذا الوصف يعدّ تطوراً بعدما كانت الجريدة توصف بأنها مقرّبة من سوريا أو ايران» لكنها أوضحت أن «الأخبار مقرّبة من المقاومة وهو أمر تفتخر به ولا تعتبره سلبياً بخلاف ما يعتقده الراغبون في الـاكيد على هذه العلاقة».

كيف تحولت مدوّنات مصر إلى بديل إعلامي؟لذلك جاءت هذه الجلسة غنية بالمعلومات التي قدمها كل من رانيا المالكي، دينا حشمت ووائل عباس. المالكي عرضت لولادة ظاهرة المدوّنات في مصر عام 2004، «ساعد المدوّنون على إيصال صوت حركة «كفاية» وأخبار معتقليها، وقاموا بتغطية مميزة للانتخابات التشريعية نهاية عام 2005 ومواجهات القضاء مع الحكومة، فأعطوا الصورة الصادقة عما كان يجري في الشارع»، متسائلةً إن كان يمكن التدوين تغيير الحياة السياسية في مصر، وخصوصاً أنه يساهم في إحراج النظام والإعلام الرسمي ... سؤال يبقى من دون إجابة لكنه لا يلغي المشاكل التي يتعرّض لها المدوّنون في مصر وإن كان تحت حجة المشاركة في التظاهرات لا التدوينوقدمت حشمت ورقة عمل تشرح دور الصحافة المستقلة والمدوّنات في معالجة الفتنة الطائفية في مصر. إذ كثيراً ما تجاهلت السلطة الموضوع واقتصرت الإضاءة على الأقباط في مصر بالحديث عن الحرص على الوحدة الوطنية وتحية «الإخوة الأقباط».
وتحدّث عباس، الحائز جائزة عن مدوّنته (الوعي المصري)، عن تجربته في التدوين ودورها في كشف الانتهاكات، وفي دفعها وسائل الإعلام الأخرى إلى متابعة قضايا معيّنة عارضاً المشاكل التي تعرّض لها «فرغم أنها لا تزعم أنها نوع من الصحافة أو أنها ستقدّم خدمة خبرية إلا أنها تواجه بعنف من النظام المصري»... وهناك مشكلات أخرى منها الهجمات على الموقع نفسه الذي قد توقفه عن العمل لأيام. كما تطرّق إلى لغة المدوّنات «التي اختارها قريبة من الشباب لأن مدوّنتي كانت تتوجه إليهم».

قيود المراسلين ... ودور صفحات الرأيإليغارد، الذي عمل مراسلاً حربياً لسنوات طويلة، وعرض اختلاف طريقة التعامل معه، في الدول العربية مثلاً، بعد أزمة رسوم الكاريكاتير المسيئة للنبي محمد والحرب على العراق «فقد ولّى زمن اعتبار الصحافيين مراقبين حياديين».
هذه الملاحظة «الشخصية» كانت تؤثر في عمله كمراسل على الأرض، لكنه أضاف إليها ملاحظات مهنية أتاحت له تقديم جملة من النصائح إلى المراسلين أهمها «المعرفة» إذ لا يمكن أي صحافي أن يقدّم تغطية جيدة من دون أن يكون مطّلعاً على الموضوع أو البيئة التي سيكون فيهاتشايسي عرض معوقات عمل المراسل في غزة، التي قد تكون السبب في غياب الصحافة الغربية اليوم عن المدينة المحاصرة. فتساءل عن إمكان تحقيق الموضوعية، أو حتى التزام الحياد مع المحاولات الإسرائيلية لجعل الصحافيين يتعاطون مع المحتلّ كضحية. وأشار كلايسي إلى ضغوط تعرّض لها زميله خلال إعداده وثائقياً كان من شروطه عدم استخدام مصطلح «الأراضي المحتلة» في وصف الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أمّا عبد الفتاح، فتحدث عن الطريقة التي يُعامَل بها الصحافي في مصر (الدولة البوليسية كما وصفها) وكأنه جاسوس أو عميل، ما يجعل الوصول إلى المعلومة أمراً بالغ الصعوبة بما أن «سعر كيلو البطاطا يكاد يوازي بأهميته (خطورته) صحة رئيس الجمهورية».
صفحات الرأي والدور الذي تضطلع به كانت محور عمل الجلسة الثانية التي شارك فيها مسؤول صفحة الرأي في «السفير» حسامعيتاني والمسؤولة عن صفحة مماثلة في «انفورماسيون» الدنماركية ماتي نيلسون، وأدار الجلسة عبد الوهاب بدرخان. الأخير عرض أسباب الاهتمام المتزايد بصفحات الرأي ومنها «الهزّة» التي أثارها غزو العراق للكويت على صعيد القناعات والأفكار، هزة لا تزال تشهد ارتدادات بفعل الأحداث المتلاحقة منذ ذلك التاريخ. وأشار بدرخان إلى أن الذاتية التي تطبع عادة صفحات الرأي لا تعفي الكاتب من مسؤولية الركون إلى معلومات دقيقة سيدعم بها حجته.
بدورها أكدّت نيلسون أهمية هذا النوع من العمل الصحافي الذي لم تستطع أن تملأه وسائل أخرى مثل المدوّنات... وأكدت أن الموضوعية يمكن تحقيقها في صفحات مماثلة لأنها هي من يوازن الصحيفة وهي من يقدّم وجهات النظر المختلفة «وإذا لم تكن هناك صفحات رأي فعلينا أن نخلقها».
مداخلة عيتاني جاءت أكثر إشكالية في مقاربتها لعمل هذه الصفحات «التي تمثّل مكاناً للعلاقات العامة للجريدة»، والتي طالت أيضاً مضمون ما ينشر فيها «حيث يمكن معرفة ما سيرد في أي مقالة من مجرد قراءة مقدمتها بما أنها لا تقدّم أي جديد»، رافضاً المراهنة على الجيل الجديد «الذي يستخدم ما وفّرته له دراسته الأكاديمية للإمعان في الثبات على مواقف من سبقوه». ورأى أن «النقد (الذي نفتقر إليه) هو ابن العم اليتيم للموضوعية».


جلسة أنس مع «أبو الزوز»

صباح أيوبلم يؤثّر تغيّب ضيفين من «مكرِّمي» جوزف سماحة في آخر حلقات المؤتمر على مسار الحلقة الخاصة التي أرادتها «الأخبار» تكريماً و«جلسة ودّ وأُنس» بين أصدقاء مؤسسها ومحبّيه. فأصدقاء سماحة كُثر وتجربتهم الحياتية معه لا تنضب، وهو ما سمح لصديقين آخرين لسماحة هما نهلة الشهّال وبيار أبي صعب بالحلول مكان الضيفين اللذين اعتذرا عن الحضور وهما فوّاز طرابلـسي وحسن داوود.
فكانت جلسة ذكريات، ووداع متأخّر، وحزن ممزوج بابتسامة ارتسمت على وجوه الجميع حين «ظهر» سماحة على الحاضرين عبر مقتطفات من فيلم مصوّر. «أراد سماحة أن يفعل شيئاً لم ينجزه بعد في حياته المهنية، فكانت «الأخبار» هكذا تحدّث أبي صعب عن الجريدة التي وصفها بـ«التركة» التي «شغلنا بالعمل على الاستمرار بها من بعده، لدرجة لم تسمح لنا بالمشاركة في وداعه»، مضيفاً أنّ «سماحة لا يزال حاضراً في كل اجتماعات التحرير في الجريدة».
أما الشهّال فقد انتقت زاوية من مقال لها نشر مسبقاً بعنوان «جوزف سماحة: سيرة ذاتية جماعية»، أرادت من خلاله التحدّث عن جوزف «كواحد منّا» وعن بدايات صداقتهما منذ 1972، في «زمن اليسار والثورات في العراق ومصر ولبنان» حيث كانت هموم المنطقة وأزماتها «في قلب اهتمامات سماحة» اذ كان هو، مثل آخرين من ذلك الجيل، يواجه أحداث تلك الفترة «بصفة شخصية».
كذلك تحدّثت الشهّال عن «حلم سماحة الذي ظلّ متّقداً فيه لآخر لحظة، وهو حلم طوباوي «يوتوبي» وأمل بالمقاومة والنصر». ثم جاء سماحة، بنفسه، ليحدّث المجتمعين عن اليسار «الذي لم ينته بسقوط جدار» وعن «التجربة اللبنانية في الدفاع عن القضية الفلسطينية» وعن «عدم تقديم أي طائفة من الطوائف اللبنانية بعد مشروعاً جدّياً للبلد» وذلك ضمن جلسة مصوّرة مع زياد الرحباني وابراهيم الأمين في فيلم (من تصوير ماهر أبي سمرا) يعود تاريخه الى آب 2003.
بعدها ختم صاغيّة، بكلمة مؤثّرة، ضمّنها تفاصيل عن حياة جوزف وشخصيته وأفكاره وحركاته وكلماته، لا يعرفها عنه سوى الصديق المقرّب منه والذي رافقه في مختلف مراحل حياته. فتذكّر صاغيّة مشواره مع «أبو الزوز» مذ كان هذا الأخير لاعباً رياضياً «محبوباً» أيام الصبا حتى اللحظة التي وجده فيها جثّة هامدة في منزله في لندن في شباط الماضي.