نقولا ناصيف
لم توصد المواقف الأخيرة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، وردود الفعل عليها من قوى 14 آذار، أبواب التوصّل إلى انتخاب رئيس جديد للجمهورية قبل 21 تشرين الثاني الجاري. في الساعات التالية لخطاب نصر الله في «يوم الشهيد»، أجرى رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري أكثر من مكالمة هاتفية برئيس المجلس نبيه بري، تناولت مضمون الخطاب وأصداءه. وكان هذا الموضوع مدار اجتماع بري بالسفير السعودي عبدالعزيز خوجه، الذي زاره للإعراب عن قلقه هو الآخر. كان الجميع يسعى إلى إطفاء ما حصل.
وتركز حوار بري والحريري على الآتي:
1 ـــــ رأى رئيس تيار المستقبل أن كلام نصر الله يستهدف الحوار الذي يجريه مع رئيس المجلس للتفاهم على انتخاب رئيس توافقي. فكان ردّ بري أن الأمين العام للحزب لم يقل إنه ضد التوافق، ولا أظهر رغبة في تعطيل التوصّل إلى هذه الصيغة لانتخاب رئيس جديد، بل لفت إلى الأخطار التي قد تترتب على عدم بلوغ هذا التوافق. وبري يأخذ من موقف نصر الله تمسكه بالتوافق وبالسعي إلى إجراء انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولا يعترض على مخاوفه من آثار الفراغ الدستوري. والأصح في ذلك، أن ثمة الكثير يجمع بري ونصر الله في موقفهما من الاستحقاق، سواء حيال التشبّث برئيس توافقي، ورفض انتخاب رئيس بنصاب النصف الزائد واحداً، والتمسك بالثلثين نصاباً لجلسة الانتخاب، ومعارضة تنفيذ الشق الباقي من القرار 1559، والمقصود به سلاح المقاومة.
2 ـــــ كان رئيس المجلس يفضّل لو لم يعلن نصر الله مواقفه في هذا الوقت، كي لا يستغلها الفريق الآخر لإطلاق النار، تحديداً على المبادرة الفرنسية التي يدعمها الزعيمان الشيعيان، وكي لا تفسح في المجال لربط هذه المواقف بالرغبة في تعطيل الانتخابات الرئاسية. وهو فحوى ما لمسه بري من ردود فعل قوى 14 آذار على خطاب نصر الله لتبرير لجوء هذه القوى إلى انتخاب رئيس للجمهورية بنصاب النصف الزائد واحداً، من خلال إقفال أبواب المبادرات والتحرّكات الخارجية، وحصر الخيار بما تريده قوى 14 آذار أولاً وأخيراً. على أن رئيس المجلس أبلغ الحريري أنه يرى في مواقف نصر الله ما يبرّرها، ويراها رداً على ما يطلقه بعض حلفاء الحريري بدعوتهم إلى الاستئثار بانتخاب رئيس للجمهورية بنصاب النصف الزائد واحداً. وحين انتقد الحريري مناشدة نصر الله الرئيس إميل لحود اتخاذ خطوة إجرائية لإنقاذ الوضع الداخلي والحؤول دون الفراغ الدستوري، كان رأي بري أن هذا الموقف يلاقي سعي قوى 14 آذار إلى مخالفة الدستور بنصاب النصف الزائد واحداً. وقال رئيس المجلس لرئيس تيار المستقبل: كما أحمل حلفاءك، عليك أن تحمل حلفائي.
وفي واقع الأمر، على غرار موقفه السلبي من الحكومة الثانية ومعارضته تأليفها في تموز وآب المنصرمين تبعاً لرغبة رئيس الجمهورية حينذاك، يرى رئيس المجلس ألا تعطى قوى 14 آذار ذريعة تتسلّح بها تجاه المعارضة في تحديد الخيارات البديلة، بل أن يكون موقف المعارضة ردّ فعل على فعل الموالاة، سواء عزمت هذه على الذهاب إلى نصاب النصف الزائد واحداً أو ذهبت إليه فعلاً أو سوى ذلك.
3 ـــــ في تقدير رئيس المجلس أن تصاعد نبرة السجال المتشنج في الساعات المنصرمة لن يضرب حواره مع الحريري، ولن يعرقل المرحلة الجديدة من المبادرة الفرنسية مع وصول وزير الخارجية برنار كوشنير إلى بيروت مساء أمس، وسيستقبله بري قبل ظهر اليوم. وما يبدو جلياً في تقويم رئيس المجلس للخطوات الجديدة أن كوشنير متمسك بآلية انتخاب الرئيس التوافقي، التي هي من صنع باريس، عبر اضطلاع البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير بدور رئيسي في وضع لائحة بمرشح أو أكثر، ممّن تطابق مواصفاتهم التوافق، كي يعمد الفريق الآخر ـــــ أي بري والحريري ـــــ إلى تزكية المرشح الأوفر حظاً. وسيكون على الوسيط الفرنسي عندئذ تسهيل اتخاذ الخطوات اللازمة والسريعة لإطلاق عجلة الاتفاق على الرئيس المقبل، في سياق ما تسعى إليه باريس، وهو وضع انتخاب الرئاسة في وعائها اللبناني، والحؤول دون أي تدخّل خارجي من أي جهة أتى. بذلك تضع باريس المبادرة في عهدة البطريرك بالتفاهم مع الشخصيات المارونية المعنية.
ويلاحظ رئيس المجلس أن هذه الآلية هي الخيار الأكثر ملاءمة لإمرار الاستحقاق الرئاسي على نحو طبيعي وبلا عراقيل، وخصوصاً أن المبادرة الفرنسية تحظى بدعم دولي، أسهب الأمين العام للرئاسة الفرنسية كلود غيار، عندما زار بيروت الجمعة الفائت (9 تشرين الثاني)، في إطلاع بري عليه، وتحديداً في ما يتعلق بالتعاون السوري حيال الاستحقاق الرئاسي اللبناني من جهة، وما يتعلق بالأبواب المرشحة لأن تفتح بلا تحفظ في العلاقات الفرنسية ـــــ السورية بعد انتخاب الرئيس اللبناني الجديد من جهة أخرى.
ويبدو، بحسب المعطيات المتوافرة لدى بري، أن تقدّماً بالغ الأهمية قد طرأ على صعيد ملف العلاقات الفرنسية ـــــ السورية، الأمر الذي يُشعره بجدية المرحلة الجديدة من المبادرة الفرنسية حيال الاستحقاق الرئاسي.
ويعبّر عن حجم الاهتمام الفرنسي أيضاً ما ذكرته معلومات دبلوماسية عن أن عضو الوفد الرسمي الفرنسي برئاسة غيان، وهو مستشار وزير الخارجية كريستوف بيغو، لم يغادر بيروت مع غيان بعد محادثات الأخير الجمعة، بل لزم السفارة الفرنسية، وتابع الملف الرئاسي عن قرب، بغية إطلاع إدارته على تطوراته الأخيرة، فضلاً عن إجرائه اتصالات بعيدة عن الأضواء في السياق نفسه.
بدوره، العضو الثاني في الوفد، وهو المستشار التقني لشؤون الشرق الأوسط بوريس بوالون، وصل إلى بيروت بعد ظهر أمس، مستبقاً وصول كوشنير مساءً.
4 ـــــ مع أن يوم 21 تشرين الثاني هو الموعد الجديد للجلسة الرابعة لانعقاد مجلس النواب وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، يرى بري أن من الضروري حصول الانتخاب قبل هذا التاريخ، على الأقل في ساعاته السابقة، كي يُقدّم البرلمان إلى اللبنانيين انتخاب رئيسهم الجديد، التوافقي، هدية ذكرى الاستقلال، ومن أجل فتح صفحة جديدة في الحياة السياسية للبنان. ويعتقد بذلك أن 21 تشرين الثاني هو يوم الحد الأقصى لإجراء الانتخاب، لأنه في الساعات التالية لـ21 تشرين الثاني، ولعيد الاستقلال، قد لا يعود في وسع أحد التكهّن بما سيكون عليه الشارع في لبنان، من هذا الفريق أو ذاك. وعندئذ تصبح رئاسة الجمهورية في مهب الريح والفوضى.