strong>طوني الخوري حرب
• الرئيس لن يوقّع مرسوم حكومة ثانية وقد يعلن حال الطوارئ ويرحل

يشهد القصر الجمهوري في بعبدا خلال الأيّام الباقية من ولاية الرئيس إميل لحود حركةً تقليديّة تجري في نهاية كل عهد، والسيّدة أندريه تشرف على ترتيبات الانتقال من الإقامة في قصر بعبدا إلى منزل آل لحود في بعبدات

يستعدّ الرئيس إميل لحود لمغادرة قصر بعبدا. المهمّة لا تتطلّب جهداً كبيراً من اللبنانية الأولى. فالأغراض الخاصة بزوجها وعائلتها لا تتعدّى الملابس والحاجيات الخاصة بأفراد العائلة الذين لم يبقَ من يقيم منهم في القصر، بعد زواج النجل الأصغر رالف، إلا هي والرئيس، وإن كانت العائلة بأكملها لا تكاد تنفصل في هذه الفترة.
برنامج الرئيس لحود اليومي لم يطرأ عليه أيّ تبديل: من السباحة الصباحيّة، إلى جدول الاستقبالات العامة، إلى موعد الغداء، ومن ثمّ العودة إلى الاستقبالات الخاصّة واجتماعاته مع معاونيه، قبل أن يتابع أمور حياته الشخصيّة كما في الأيّام العاديّة. وكأنّ كلّ صدى القصف السياسي الذي تعرّض وسيبقى يتعرّض له حتى اليوم الأخير من ولايته، يقف عند مدخل القصر الذي لا يعرف أحد مصيره بعد رحيل سيّده.
والرئيس لحود، منذ دخل قصر بعبدا، حوّله إلى حلبة صراع سياسي في وجه كلّ أخصامه اللبنانيين والسوريين والإقليميين والدوليين، حتى أضحى يشبه المتراس الأخير الباقي لرئيس مسيحي ماروني يدافع عن موقعه حتى اللحظة الأخيرة، ويستند في كلّ مواجهاته إلى ثقة كبيرة لديه بإنصاف التاريخ له وتكريمه لما فعله قبل تمديد ولايته وبعد هذا التمديد.
يشخّص الرئيس الواقع السياسيّ في أيّامه الأخيرة على شكل تساؤلات عن الأدوار التاريخية التي منها ما ظهر ومنها ما كان يجب أن يظهر لدى القادة المسيحيين واللبنانيين لإنقاذ الوضعين الحكومي والرئاسي من العواقب المؤلمة التي ستصيب اللبنانيين جرّاء انهيارهما. فالفراغ الرئاسي سينتج بقاء سلطتين يقاطعان بعضهما بعضاً، بين رئيس الحكومة غير الشرعيّة ورئيس المجلس النيابي الذي يرفض أن تضرب أيّ حكومة ميثاق العيش المشترك. ذلك أنّ لجوء الرئيس إلى تأليف حكومة ثانية مقابل حكومة السنيورة أمر لم يعد مطروحاً لدى الرئيس لحود، وهو لن يوقّع أيّ مرسوم بهذا الشأن. وجلّ ما قد يفعله هو إصدار أوامره بإعلان حال الطوارئ والرحيل إذا فشلت كلّ المساعي الآيلة إلى التوافق على الاستحقاق
الرئاسي.
وفي المقابل، تعرب مصادر رفيعة في المعارضة عن اتّصالات تجري بين أطرافها بغية عقد مؤتمر للمعارضة لتخرج منه بقرار من اثنين: إمّا الاتفاق على حكومة انتقالية، وإمّا توجيه نداء إلى رئيس الجمهورية كي لا يسلّم السلطة الى حكومة غير شرعية، وبالتالي عدم تسليم القصر الرئاسي أو الرحيل عنه قبل انتخاب رئيس توافقي يحلّ محلّه ويمارس السلطة. وتعتقد هذه المصادر أنّ لهذا النداء بعداً مسيحيّاً يحرص على إبقاء التوازنات الطائفيّة قائمة في المؤسّسات الدستورية. ولذلك، فمن غير المقبول أن يحلّ محلّ الرئيس لحود إلا رئيس جمهورية أو رئيس حكومة ماروني. أمّا البديل، فهو أن يرتبط رحيل الرئيس لحود برحيل حكومة السنيورة، فتحلّ الأزمة الدستورية في البلاد بشكل كامل. ولن يكون عندها من احتمال لانتخاب رئيس جمهورية لبناني جديد بنصاب غير دستوري يفجّر الوضع.
ولا تستغرب أوساط قريبة من الرئاسة أن يكون الفراغ الرئاسي مع بقاء حكومة السنيورة مصلحة مشتركة للحكومة وربما لأقطاب في المعارضة. لكنّها تعتقد أنّه في حال كهذه، سيكون المسيحيّون الضحية الأولى، ممّا يؤثّر على بنية المجتمع السياسي والدولة، وعلى الكيان اللبناني الرسمي كلّه، ويعيد عقارب الساعة الى زمن الفتنة
الأهلية.
بعد بعبدا، سيبقى الرئيس لحود في لبنان بين بعبدات والأشرفية متقاعداً من المسؤوليات السياسية. لكنه سيبقى الى جانب نجله البكر إميل الذي يستعدّ لوراثة مسيرة العمل السياسي مع حلفائه وأصدقائه. وسيبدأ لحود الإعداد لكتابة مذكّراته على يد أصدقاء له. أمّا فريق عمله في الرئاسة فسيغادره المسشارون والمقرّبون، وسيبقى الموظفون التقليديّون في دوائر القصر الجمهوري يزاولون أعمالهم حتى يبتّ شأنهم الرئيس المقبل. ويقول أحد كبار موظفي القصر الجمهوري: «إذا شاءت الأقدار أن يبقى الرئيس لحود في القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته، فسنلازمه حتى لو قطعت عنا الحكومة رواتبنا».
لا شك في أنّ اللبنانيين يختلفون في تقويم عهد الرئيس لحّود. فيسجّل له كثيرون وقوفه إلى جانب المقاومة، ومحاولته الدفع نحو اتّباع سياسات اقتصادية واجتماعية أكثر عدالة. ويسجَّل عليه طغيان تأثير الأجهزة الأمنية على إدارات الدولة، ومنهجيّة الأجهزة الأمنية والقضاء العسكري في التعامل مع الشباب المعارضين للوجود السوري آنذاك، ومعظمهم من المسيحيّين. كذلك يأخذ الكثيرون على لحود قبوله، ولو على مضض، بقانون انتخابات عام 2000. ويتّهمه آخرون بالانصياع التامّ للإرادة السوريّة. ويبقى السجال مفتوحاً حول موقفه من الرئيس الشهيد رفيق الحريري، بين من يرى في هذا الموقف تصدّياً لتفرّد الحريري في الحكم، ومن يرى فيه عرقلة لمشروع الحريري الإعماري.
لكن مهما كان التقويم لتجربة الرئيس لحود في الحكم، فإنّ الثابت أنّ التمديد لولايته جاء في لحظة حرجة محلياً وإقليمياً ودولياً، فشكّل حدثاً لا تزال تداعياته حاضرة. لكنّ القدر اللبناني جعلنا نترحّم على عهود رئاسية كثيرة بعد انتهائها، ولا يبدو أنّ عهد الرئيس لحود سيشذّ عن هذه القاعدة.

أرقام
وتواريخ


في 3 أيلول 2004، جرى تعديل الدستور لتمديد ولاية الرئيس إميل لحود. وفي 1 تشرين الأول، جرت محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة. وفي 14 شباط 2005، اغتيل الرئيس رفيق الحريري.
في 28 شباط، قدّم عمر كرامي استقالة حكومته. وفي 8 آذار، شارك مئات الآلاف في «تظاهرة وفاء لسوريا». وفي 14 آذار، اعتصم مئات الآلاف ضد الوصاية السورية.
وفي 7 نيسان، فُتح تحقيق دولي في اغتيال الحريري. وفي 26 نيسان، انسحب آخر الجنود السوريين من لبنان.
في 19 تمّوز، ألّف فؤاد السنيورة حكومته بعد حصول «المستقبل» وحلفائه على الأكثرية في الانتخابات.
وفي 12 تموز 2006، شنّت إسرائيل حربها على لبنان. وفي 11 تشرين الثاني، استقال نوّاب المعارضة من الحكومة. وما زالت الأزمة مفتوحة...