طارق ترشيشي
لم يبق من المهلة الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية العتيد إلّا يومان، والتوافق المطلوب ما زال رهين ما يدور في كواليس الداخل والخارج، لذا فإن ما يُعلن شيء وما يُضمَر شيء آخر، إلى أن ينكشف ما هو مضمور في ربع الساعة الأخير، وعندها إمّا يكون للبنان رئيس، وإمّا الفراغ الذي لن تملأه الخيارات التي سيعتمدها فريقا الموالاة والمعارضة في مواجهة هذه الحال.
فوزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير المتقلّب المزاج لا يزال يصرّ على احترام لائحة الترشيحات الرئاسية التي قدمها البطريرك الماروني الكاردينال مار نصر الله بطرس صفير احتراماً للآلية التي اتفق عليها قبل الطلب من سيد بكركي تقديم لائحته. لكنه في الوقت نفسه يعيش هاجس «الفركشة» الأميركية للمبادرة الفرنسية، وكاد أن يتورط علناً باتهام «حزب الله» ورئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون بـ«عرقلة» التوافق لو لم يسارع إلى زيارة الأخير ويعلن أنه ليس مشكلة، بل جزء أساسي من الحل.
ومع أن صفير فتح المجال للمعنيين بالتصرف خارج لائحته والاتفاق على رئيس توافقي من خارجها، فإن كوشنير يشعر بأن هذا الأمر قد يُفقد الفرنسيين المبادرة لأنهم شاركوا بطريقة غير مباشرة في اختيار أسماء اللائحة البطريركية التي قال صفير إن قسماً ممّا تضمنته أُعلن، وإن قسماً آخر لم يُعلن، وهذا ما أنعش حظوظ الوزير السابق ميشال إده، بعد استبعاد «زميليه» في اللائحة النائب روبير غانم وميشال بشارة الخوري، نتيجة «الفيتوات» وخلافه...
وفي الوقت الذي يسعى فيه إده جاهداً لـ«كسح» بعض الاعتراضات على ترشيحه، مستعيناً بسيرته وعلاقاته المتوازنة مع الجميع، ومقدّماً ما يمكن اعتباره «ضمانات» أو تعهدات حول المستقبل الآتي ودوره في حالة تولّيه سدّة الرئاسة، فإن الجميع تذكروا مقولة الموفد الأميركي السابق ريتشارد مورفي الشهيرة عام 1988: «إمّا مخايل الضاهر وإمّا الفوضى»، وبدأوا يردّدون: «إمّا ميشال إده، وإمّا الفوضى». فيومها جُبه ترشّح الضاهر باعتراضات قيادات مسيحية بارزة، فيما إده يواجه الآن اعتراضات بعض القيادات المسيحية وتيار «المستقبل»، لعلّه نجح في تذليل بعضها، وهو يسعى لتذليل ما بقي، وخصوصاً أن فريق المعارضة الذي يقف خلف ترشّح العماد عون أو مَن يرشحه إذا قرّر الانسحاب من معركة الانتخابات الرئاسية، والبعض قال إن عون قد لا يمانع في دعم ترشيح إده، وخصوصاً إذا صحّ ما يقال من أنه قد يُنتخب لفترة انتقالية لمدة سنتين، أو يستقيل بعد سنتين يكون قد أدار خلالها ورشة إقرار قانون انتخابي جديد وانتخابات نيابية تنتج مجلساً نيابياً جديداً.
وفيما المعروف أن البطريرك صفير لا يحبّذ انتخاب رئيس جمهورية لسنتين من شأنه أن يُحدث سابقة في الانتخابات الرئاسية يمكن أن تتكرر في زمن آخر، فإن بعض المشتغلين في الورشة السياسية للانتخابات الرئاسية يقولون إن صفير ومعه قيادات مسيحية قد لا يمانعون بهذا «الحل الانتقالي» الذي يبقى أفضل أولاً لحماية موقع رئاسة الجمهورية ودور المسيحيين في القرار الوطني من خلالها، وثانياً لأنه يبقى أفضل من الفراغ أو من تولّي حكومة الرئيس فؤاد السنيورة صلاحيات رئاسة الجمهورية، فيما المعارضة لا تعترف بشرعيتها، رغم اعتراف كثير من القوى الدولية بها، وعلى رأسها الولايات المتحدة.
وسواء انتخب إده رئيساً لولاية كاملة أو لفترة انتقالية، فإن ما بعد الانتخاب هو الأهم، بل المهم، في ضوء السؤال عن كيفية تعاطي القوى السياسية في الموالاة والمعارضة معه، وعمّا إذا كان سيواجه التهميش أو «العرقلة» من البعض كما يواجه الرئيس إميل لحود، وهذا ما يفرض أو يستوجب أن تكون الحكومة الجديدة حكومة وحدة وطنية متوازنة التمثيل، من شأنها أن تحصّن موقع الرئاسة الأولى ويفعّل دورها، وبغير ذلك فإن ذلك لن يمنع هذا الفريق السياسي أو ذاك من التعاطي مع رئيس الجمهورية على أساس أنه آيل للرحيل بعد مدة إذا تقرر أن تكون رئاسته لسنتين فقط، أو على أساس «التجاهل»، وخصوصاً إذا لم يلبِّ الرغبات التي يمكن أن تُطلب منه خدمة لمصلحة فئة دون أخرى أو على حسابها.
في أي حال، فإن حظوظ إده هي المتقدمة حتى الآن على ما عداه من مرشحين، لكن بعض أركان المعارضة يشتبه باحتمال العرقلة أو اندفاع فريق الموالاة إلى انتخاب رئيس من صفوفه بمَن حضر في ربع الساعة الأخير من المهلة الدستورية، بغية منع الرئيس لحود من اتخاذ أي إجراء دستوري.
وتشير مصادر معارضة إلى أن لحود قد أعدّ العدّة للخطوة التي سيتخذها في حال تعذُّر انتخاب رئيس جديد، وهذه الخطوة قد تكون حكومة من عشرة وزراء أقطاب من الوجوه المدنية والعسكرية المتقاعدة، وهو سيستند في هذا التدبير إلى نظرية ملء الفراغ واستمرار المؤسسات. وفي هذه الحال يبقى الجيش محافظاً على الأمن، ولا يُزجّ في أي انقسام داخلي.