strong>عبد الرحيم العوجي
قرّرت ساندي شمعون في سنة التخرج مغادرة جامعة خاصة «عريقة» إلى الجامعة اللبنانية لدراسة المسرح حيث يفرض الأساتذة وسيلتهم لا أفكارهم

حظيت الطالبة ساندي شمعون بطفولة رغيدة، بحيث أمّنت لها عائلتها سبل العيش بمختلف جوانبه، وليس بالخبز وحده. ففي الشتاء كانت ساندي تدرس في إحدى المدارس «الهامة» لتعزيز علمها، وفي الصيف كانت تشارك في النشاطات المعدة للأطفال لصقل شخصيتها. لكن ساندي لا تذكر من هذه النشاطات سوى نشاط مسرحي خرجت منه «مسطلة» ـ بمعنى منبهرة ـ فهذا النشاط جعلها تعرف نفسها أكثر، و«من عرف نفسه عرف العالم».
ولأنّ ساندي بدأت تتعرف إلى العالم رغبت في الحصول على أجزاء منه لتحتفظ بها، لذا طلبت من أهلها شراء كاميرا فوتوغرافية لتصويره، وبدأ هذا الشغف ينمو معها حتى تخرجت من المدرسة وقررت قولبة شغفها بدراسة العلوم السمعية البصرية في إحدى الجامعات الخاصة «العريقة» والمعروفة بجدوى شهادتها .
لكن ما ان دخلت ساندي إلى الجامعة حتى شعرت بالإزدواجية، وكأنها انتقلت في ليلة وضحاها من لبنان إلى فرنسا، فالجميع هنا يتكلم ويفكر بالفرنسية، مشاكلهم مشاكل فرنسية، وحتى النكات هي نكات المجتمع الفرنسي، الشيء الوحيد الذي يربط هذه الجامعة بلبنان هو تفشي الطائفية بين طلابها.
شعرت ساندي بالوحدة، فالأصدقاء هنا «يكرهون» كل ما آمنت به هي في حياتها، والأصدقاء هناك «سخيفون وينظرون بفوقية إلى من حولهم (سنوب)، ويفتقدون الحس الفني الذي يمزج بين الذكاء والبساطة». وما زاد الطين بلة «أنّها وخلال سنتين من الدراسة لم تستفد شيئاً، فالمواد هي نفسها تتكرر كل سنة، وهناك العديد من المواد لا علاقة لها بما تدرسه».
كذلك فإنّ الأساتذه، تقول ساندي، لا يهتمون بنواقص التلميذ ولا بتحسينها، هذا طبعا إن حضروا، فبعضهم يتغيب عن الصفوف التي سبق ودفعت ثمنها لكون الجامعة تعتمد نظام «credits»، وإن ذهبت لتشتكي إلى الإدارة فالأخيرة لا تكترث الاّ لدفع الأقساط وحضور التلامذة. لكن أكثر ما كان يزعج ساندي، أنّ الكثير من الأساتذة لا يحترمون أفكار الطلاب ويجبرونهم على تغييرها بدلاً من مناقشتهم بها أو محاولة تحسينها، ما يضع حدوداً للخيال والخيال هو خبز الفنان اليومي، هذا ما جعلها تتراجع فكرياً ونفسياً ويدخلها مرحلة اليأس.
بعد سنتين من الدراسة وصرف آلاف الدولارات وقبل سنة واحدة من تخرجها قررت ساندي ترك الجامعة «العريقة» والبدء من جديد بدراسة المسرح في الجامعة اللبنانية «الأقل رقياً»، وخصوصاً أنّها كانت تدرس في جامعة يحلم الكثيرون من أصدقائها ومحيطها الدخول اليها، وما هي الاّ سنة واحدة وتتخرّج، أما الآن فعليها أن تبدأ من جديد، ثم ماذا عن الآمال والأموال التي وضعها أهلها من اجل مستقبلها». تشعر ساندي بالذنب لكنها تقول لنفسها وأهلها: «إن بقيت هنا سأصبح فاشلة بشهادة عالمية، وعوضاً عن صرف كل تلك الأموال على جامعة لبنانية «مفرنسة» لا تُعلمني شيئاً، سأدرس في جامعة لبنانية وأتخرج لأصرف تلك الأموال على متابعة تعليمي في الخارج».
وتبدي ساندي ارتياحها للأجواء، وإن كان مبنى الجامعة اللبنانية ليس مجهزاً كالجامعة الأخرى فهي تدرس المسرح في مبنى لا مسرح فيه، لكنها تشعر بالرضا عن نفسها، فالأساتذه هنا يعلمون ماذا يفعلون، فهم «يعطونك المعلومات الكاملة ثم يدفعونك إلى المتابعة في الطريق التي تختارها، هم ربما يفرضون عليك الوسيلة لكنهم لا يفرضون أفكارهم». فالمهم، بحسب ساندي، أن تقول رأيك لنفسك، أن تقنع نفسك وتعرفها وترتاح معها قبل أن تكون جاهزاً لمشاطرتها مع العالم. العالم الذي أحبته ساندي، والذي تحتفظ بتفاصيله في ثنايا «كاميرتها الديجيتال» الجديدة، فهي لم ولن تتوقف عن التصوير يوماً حتى لو بدأت بدراسة المسرح.