149; الحريري يزور بكركي وعون يجدّد ترشّحه ويحذّر الحكومة «اللاشرعيّة» من اغتصاب دور الرئاسة
مع أن الاحتمال كان وارداً بنسبة 160%، فإن عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية «فاجأ» اللبنانيين، بل بدا كأنه غَدَر بالمسؤولين الذين كانوا يتوقّعون ــ ربما ــ أن «يخجل» الاستحقاق ويُنجِز نفسه بنفسه وفي موعده المحدّد


حصل ما كان يعمل له الجميع، فتأمّن النِصاب وغاب التوافق. الجميع شدّد على الموعد الدستوري، وعلى الرغبة في التوافق، والتحذير من الفراغ. لكن الموعد خان الدستور، والتوافق خذل الرغبة ـــــ والعكس أصح ـــــ والفراغ سخِر من التحذير الى درجة بدا معها كأنه: فراغ التحذير من معناه.
خلال حوالى سبع ساعات، أُرجئت جلسة انتخاب رئيس جديد للجمهورية، واستبق رئيس الجمهورية العماد إميل لحود موعد نهاية ولايته برمي جمرة الأمن ومسؤولية البلاد والعباد على الجيش، الذي كان قد بدأ التنفيذ منذ ليل الخميس ـــــ الجمعة. وسارع رئيس الحكومة فؤاد السنيورة إلى نفي «صلاحية» لحود بإصدار هذا التكليف، موحياً بتسلّم السلطة على الأقل حتى الموعد المعلن للجلسة المقبلة لمجلس النواب.

«الحكومة ستغتصب دور الرئاسة»

وكانت التطورات المسائية قد بدأت عند الساعة الثامنة بإعلان النائب ميشال عون أن مبادرته «أسقطوها عن سابق تصور وتصميم»، مشيراً إلى انتهائها اعتباراً من العاشرة ليلاً، وعودته الى الترشّح «وغداً سيكون أمر آخر»، وتمنّى على المعارضة «أن يتعاملوا مع الآخرين على أساس أنني مرشّح ومرشّح ثابت في المعادلة الجديدة».
وذكر أن الموالاة اتخذت قراراً «بأن حكومة السنيورة ستتولّى تصريف الأعمال»، معتبراً ذلك «عملاً تمويهياً، أنبّه أصدقاءنا في المعارضة من الحيل التي يستعملونها دائماً لتثبيت أمر واقع».
وإذ رأى أن الحكومة «اعتباراً من غد، ستزيد لا شرعيتها باغتصاب دور الرئاسة، وهذا ما يرتب مسؤولية قضائية وجزائية في المستقبل على الجميع، وأتمنّى على الوزراء أن يفهموا الاستنتاج المناسب»، دعا الذين أبدوا أمس «انفتاحاً وحباً للحوار وللسلّم الأهلي»، إلى «أن تقترن هذه الأقوال بخطوات عملية سياسية وبخيارات واضحة، أما أن نقف في الصف نفسه ونكرر هذا الكلام فهذا من باب توزيع الأدوار».

حضور ولقاءات وخلوات وجرس فتأجيل

أمّا التطور النهاري، فبدأ صباحاً بتوجّه النواب الى ساحة النجمة، يواكبهم حوالى 300 صحافي لبناني وعربي وأجنبي، وسط إجراءات أمنية مشددة، وفاق عدد الحضور نصاب الثلثين بـ21 نائباً، أي بزيادة 45 عن النصف زائداً واحداً، لكن من دون أن يفلح ذلك في تجنيب البلاد «كأس الفراغ»، والوصول الى وضع لا يبدو أن أحداً يقدِّر عواقبهوإذ توزّع النواب جماعات وثنائيات في الردهة ومكاتبهم يتبادلون الأحاديث الودية، كان القرار المخرج يُطبخ في مكتب الرئيس نبيه بري الذي التقى نواباً من كتل مختلفة، ثم عقد خلوة مع النائب وليد جنبلاط، وثانية مع النائب سعد الحريري، حضر جانباً منها النائب بطرس حرب. وبدأت النتائج تظهر عند الأولى والدقيقة الخامسة، بقرع الجرس ودخول نواب الأكثرية الى القاعة العامة، ليصدر بعد 25 دقيقة بيان عن الأمانة العام للمجلس يعلن تأجيل الجلسة الى يوم الجمعة المقبل لمزيد من التشاور توصلاً الى التوافق. وقال بري: «إذا حصل التوافق قبل ذلك، نقرّب الجلسة».
واتصل بري بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى ووزير الخارجية المصري أحمد أبو الغيط، والمنسق الاعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا. كما تلقى اتصالاً من رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان.
وفور الإرجاء نحّى النواب «ودّ الردهة» وعادوا أمام الصحافيين الى سلاح المواقف، وتميز بينهم زعيما الأكثرية جنبلاط والحريري، بتأكيد الأول الحرص على التوافق الذي «يعني الوصول الى رئيس يحفظ البلاد واستقلالها وسيادتها ودستور الطائف، معلناً الاتفاق مع بري على «حقنا الدستوري للانتخاب، لكن من دون الخروج على التوافق». وقال الثاني: «أتينا لنقول نحن موجودون بكل ديموقراطية، ونحن مع التوافق ونريد أن ننتخب رئيس جمهورية لمدة 6 سنوات، وليس لكل واحد أن يفسر الدستور كما يريد»، خاتماً «أن لا تسوية على حساب الشهداء».
وفي ما عدا هذين الموقفين، قفزت الى الواجهة كلمة سر سرعان ما بدأ السجال حولها، وهي «الدعوة المفتوحة» التي ظهرت جماعياً باسم نواب الأكثرية في بيان تلاه نائب رئيس المجلس فريد مكاري، وتدرّج فيه من عدم التخلي عن «الحق والواجب الدستوري»، الى التحذير من المقاطعة لجلسات الانتخاب، فإعلان الالتزام بعدم اللجوء «إلى أي خطوة يمكن أن تضع البلاد في المجهول» مع عدم التخلي عن «الأكثرية المطلقة»، مروراً باعتبار «رحيل الرئيس إميل لحود عن الرئاسة، هو زوال كابوس عن كاهل اللبنانيين»، وأن «أي إجراء أو عمل يمكن أن يعلنه يساوي بالمعنى الدستوري والقانوني صفراً مكعباً»، وصولاً إلى القول إن النواب مدعوون «ومن دون دعوة، بحكم القانون والدستور، الى ممارسة الحق بل الواجب المنصوص عنهما في الدستور».
وفردياً، قال النائب جورج عدوان «المجلس النيابي بعد اليوم، ليس بحاجة الى دعوة أو تحديد تاريخ للدعوة، فهو منعقد حكماً وفوراً (...) حتى ننتخب رئيساً للجمهورية».
وفي المقابل، اتهم النائب علي حسن خليل، مكاري، بـ«جهل» الدستور، وبأن «تجربته محدودة لم يستطع معها أن يكمل درس نصوص الدستور وأن يكمل وعي وفهم حقيقة الممارسة الديموقراطية الصحيحة»، معتبراً أن حالة انعقاد المجلس حكماً لا تنطبق على انتهاء ولاية الرئيس. وأشاد بموقف جنبلاط من دون أن يسميه، قائلاً إنه تحدث «بمنطق إيجابي».
وكان النائب ايلي كيروز قد استبق إعلان التأجيل بشنّ هجوم عنيف على «حزب الله»، معتبراً أنه «مصدر الخطر الحقيقي على الدولة اللبنانية وعلى الكيان اللبناني وعلى الصيغة اللبنانية». ما استدعى ردّاً من النائب حسين الحاج حسن، ذكّر فيه بالاجتياح الإسرائيلي عام 1982، «وهو يعرف من كان يتعاون مع القوات الإسرائيلية ويعرف أن الذي حرر لبنان هو المقاومة بكل أطيافها».
كما ردّ النائب ابراهيم كنعان، بطريقة غير مباشرة، سائلاً عما إذا كان الكلام عن «أن هناك طرفاً لبنانياً غير مقبول، ينسجم مع المبادرات الوفاقية؟». وقال إن «الذي يريد المحافظة على السيادة والاستقلال (...) لا يأخذ أصوات «حزب الله»، ويرفضه
بالسياسة».

نصائح بالجملة وتحذير من «كارثة»

ومع الإرجاء، استؤنفت المساعي والتحذيرات، فزار الحريري البطريرك الماروني نصر الله صفير، وقال «أبلغته أنني سأكمل ولن نترك البلد وندعه في الفراغ».
ووصف الحريري يوم أمس بـ«التاريخي»، وقال: «إنّ رئاسة الجمهورية ليست ملكاً لحزب أو لتيّار أو لشخص، بل من حقّ جميع اللبنانيين أن يكون لديهم رئيس للجمهورية، وليس رئيساً لجهة من اللبنانيين فقط». وطمأن إلى أن التوافق «لا يزال ممكناً»، مضيفاً أن النصف زائداً واحداً «خيار دستوري، ولم نستعمله لأننا نريد التوافق». وعزا عدم التوافق على أسماء لائحة صفير إلى «بعض الخلافات السياسية من قبل بعض الأحزاب». وعن مبادرة عون، رفض تجزئة ولاية الرئيس، ووافق على تخليه «عن الرئاسة».
وكان صفير قد تلقى اتصالاً من الأمين العام لرئاسة الجمهورية الفرنسية كلود غيان، فيما أملت الناطقة باسم الخارجية الفرنسية باسكال اندرياني نجاح الانتخاب في الجلسة المقبلة. وتحدثت عن وجود مأزق، موحية بمسؤولية سوريا عنه بالقول إن فرنسا تواصل «تذكير دمشق والجميع بأن الهدف هو عدم وضع عراقيل أمام العملية». وفيما أسِف الاتحاد الأوروبي لـ«عدم التمكن من انتخاب رئيس جديد»، دعا الى الاستمرار في الحوار لتحقيق ذلك «في أقرب وقت ممكن» و«الامتناع عن أي تحرك من شأنه تعكير النظام العام».
وحذر نائب وزير الخارجية الإيرانية عباس عراقجي من أن «لبنان قريب جداً من الحرب الأهلية». وقال: «إذا لم يتفق اللبنانيون سريعاً على اختيار رئيسهم المقبل أتوقع حصول كارثة».
وليلاً خيّم القلق على اللبنانيين، في ظل انتشار غير مسبوق للجيش، الذي أعرب الرئيس نجيب ميقاتي عن ثقته بأنه «سيتعامل مع الواقع الجديد وسيتعاون مع الحكومة في تنفيذ حفظ الأمن والنظام»، قائلاً: «سنتجاوز الشكليات لأن الأهم أن نحفظ الوطن». كما أبدى جنبلاط، في اتصالي تهنئة بالاستقلال مع وزير الدفاع الياس المر وقائد الجيش العماد ميشال سليمان، ثقته بحرص الجيش على حماية الوطن والمؤسسات والاستقرار.
وبادر الرئيس أمين الجميل الى دعوة «جميع الكتائبيين والمناصرين والمواطنين، الى التحلّي بروح الالتزام بالسلم الأهلي، والارتفاع الى مستوى المسؤولية، عبر التعاون الكامل مع الجيش وقوى الأمن الداخلي».



الكتاب الأخير

في آخر تعميم معلن قبل انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود، وجّهت المديرية العامة لرئاسة الجمهورية، كتاباً إلى الأمانة العامة لوزارة الخارجية والمغتربين، طلبت فيه إبلاغ سفراء الدول المعنية بالمؤتمر الدولي للسلام في الشرق الأوسط في مدينة أنابوليس، واستناداً إلى توجيهات الرئيس العماد إميل لحود، موقف لبنان المبدئي تجاه الأخطار المحدقة في حال توصل المجتمعين في هذا المؤتمر إلى اعتماد قرارات تعوق الجهود المبذولة لتحقيق السلام العادل والشامل، وتشديد الرفض لـ«كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة».