طرابلس ــ عبد الكافي الصمد
دفنت أمس 98 جثة لمقاتلي تنظيم «فتح الإسلام» في مقابر الغرباء في طرابلس. ولا تزال 17 جثة في مستشفى طرابلس الحكومي، بانتظار تسليمها الى ذويهم. وكانت جثة شهاب قدور المعروف بـ«أبو هريرة» قد سلمت الى أهله ودفنت في المقبرة ذاتها


نُقلت جثث مقاتلي تنظيم «فتح الإسلام» من براد المستشفى الحكومي في القبّة بواسطة شاحنة تبريد إلى مدافن الغرباء في حي الزاهرية، وسط إجراءات أمنية مشددة. كانت عناصر من قوى الأمن الداخلي تؤازرها عناصر من فوج التدخل الثالث في الجيش، بإشراف قائد سرية طرابلس في قوى الأمن الداخلي العميد بسام الأيوبي، رافقت الجثث من المستشفى حتى انتهاء الدفن.
وفي هذه الأثناء، كانت البلدية تقوم بحفر القبر الجماعي للجثث، بعدما قطعت القوى الأمنية الطريق التي تقسم المقابر قسمين، ومنعت عبور السيارات عليها طوال فترة بعد ظهر أمس، إضافة الى التراب المنتشر الذي تسبب بقطع الطريق. واضطر المشرفون على العملية الى الاستعانة ببعض العمال لتسريع الدفن لأن أعمال الحفر تأخرت بعض الوقت. ومن ثم نُقلت التوابيت من شاحنة التبريد الى المقبرة بواسطة رافعات وآليات تابعة للبلدية.
وانبعثت روائح كريهة من التوابيت، المقدمة من الهيئة العليا للإغاثة والمغطاة بالدماء والذباب، بعد فتح شاحنة التبريد التي أقلّتهم تمهيداً لإنزالهم منها، الأمر الذي دفع بعض العاملين الى الاستعانة بكمامات خاصة وضعوها على وجوههم. إلى هذا، كان أحد التوابيت سقط من الرافعة على الأرض فانكسر قسم من خشبه، فسارع العاملون الى دفنه. ووضعت الجثث في قبور حفرت الى جانب بعضها ووزعت على أربعة صفوف متوازية، بعدما رُقّمت التوابيت تسهيلاً للتعرف بها ونقلها لاحقاً، في حال طلب شخص أو جهة معينة تسلّم جثة أحدهم. وكان قد حضر العديد من الناس، من بينهم أولاد صغار، لمشاهدة الدفن. واللافت أنه لا يفصل موقع المقبرة الجماعية عن قبر «أبو هريرة» سوى بضعة أمتار.
وأوضحت مصادر أمنية لـ«الأخبار» أن «جثتين بقيتا في براد مستشفى بعبدا الحكومي، إحداهما تعود للقيادي في التنظيم أبو يزن والثانية تعود الى شريف النشار، وكلاهما سوري الجنسية»، من دون معرفة السبب الكامن وراء عدم دفنهما حتى الآن، وإن كانت راجت معلومات عن أنه ستُسلّم الجثتان الى ذويهما.
على صعيد متصل، أوضح الشيخ إبراهيم الترك الذي حضر الى المكان لأداء صلاة الجنازة على الجثث بناء على تكليف من دار الفتوى، أن «ما نقوم به هو واجب ديني بحت، لأن إكرام الميت دفنه»، معتبراً أن «ردة الفعل وأعمال التطرف والإرهاب التي قام بها هؤلاء، وإن كانت غير مبررة لدينا، فإن أسبابها مختلفة، وأهمها الظلم والقهر والانتهاكات التي تمارسها إسرائيل، وبعد ذلك نجد أن هناك من يقول عنها إنها بلد ديموقراطي، الأمر الذي يدفع أمثال هؤلاء الى القيام بأعمال كهذه»، ولافتاً الى أن «مشكلة الإرهاب والتطرف ليست مشكلة لبنانية بحتة، بل هي أصبحت اليوم مشكلة عربية وعالمية».
وتجدر الإشارة الى أنه كانت قد أُعلنت أمس حالة استنفار أمني داخل سجن رومية، وذلك تحسباً لأي ردة فعل من موقوفي «فتح الإسلام» على عملية الدفن. وأُلغيت الزيارات كافة، ومنع الأهالي من زيارة أبنائهم، كما العادة في كل نهار خميس في السجن. وأدى ذلك الى خلق حالة من البلبلة والاضطراب بين المسجونين كافة، احتجاجاً على قرار منع الزيارات.
ومن جهة أخرى، قال إمام مسجد القدس في صيدا الشيخ ماهر حمود في اتصال مع «الأخبار»، إن نساء موقوفي «فتح الإسلام»، ينتظرون داخل دار الأرقم قرار السلطات اللبنانية في ما يتعلق بذهابهم الى سوريا، وقال ان «الموضوع الآن مرتبط بوزير الداخلية، ويجب أن يصدر القرار في أي لحظة». وعن النساء اللواتي منعن من دخول الأراضي السورية، قال الشيخ حمود إنهن أربع نسوة، «اثنتان من أصل فلسطيني سوري والأخريان من أصل أردني». وقال ان المشاكل التي اعترضتهن هي إدارية، «وتتعلق بفقدان الأوراق الثبوتية لأولادهن خلال معارك نهر البارد»، الأمر الذي أخّر الإجراءات. وأشار الى أن الأمن العام السوري «طلب من النسوة استحضار الأوراق الثبوتية لأولادهن المولودين في لبنان». وأكد إمام مسجد القدس أن النسوة سيرحلن الى سوريا بمجرد صدور القرار عن وزارة الداخلية، التي تبلغت بالموضوع من الأمن العام، وقال إن عوائل مقاتلي فتح الإسلام «رفضوا الانتقال الى مكان آخر غير دار الأرقم، بانتظار الرحيل».
وتحدث الشيخ حمود عن الوضع الإنساني والمعيشي للنساء والأطفال الذين يسكنون دار الأرقم منذ خروجهم من مخيم نهر البارد، وقال إن «الوضع جيد، وتُوفّر احتياجات النساء والأطفال بمعظمها». وأخبرنا حمود في ختام حديثه، بأن زوجة المتحدث الإعلامي باسم تنظيم «فتح الإسلام»، الموقوف لدى الجيش منذ 17 أيلول الماضي، أنجبت طفلة صباح الأربعاء، على يد زميلاتها من النساء، وبعد الولادة طلبن طبيباً للاطمئنان فقط على صحة الطفلة.