صيدا ــ خالد الغربي
في أحد أزقة مخيم المية ومية، أو معسكر الشهيد كمال جنبلاط، شرق صيدا، رصد أحمد خليل الصالح، ابن العشرة أعوام، أفعى صغيرة، فنادى عدداً من أترابه، وبدأت مطاردة لم يكلّوا منها أو يملّوها إلا بعد حشر الطريدة في زاوية وقتلها.
هذه الواقعة دفعت الكبار الى الأمل في أن تقتدي القيادات بأحمد ورفاقه، وتعمل على وأد فتنة يستشعرون أنها تحاك ضد المخيم الذي طالما اتسمت الأوضاع فيه بالهدوء حتى الفترة الأخيرة حين بدأت تتكرر الإشكالات والتوترات، وكان آخرها فجر أمس عندما وقع اشتباك محدود بالأسلحة الرشاشة، بين عناصر من حركتي فتح وحماس، أدى الى جرح الفلسطيني منير حسنين الذي نقل الى مستشفى الهمشري، وإصابة اللبناني كميل قطان برصاصة طائشة في بلدته مغدوشة البعيدة مسافة ثلاثة كيلومترات خط نار عن المية ومية، ونُقِل الى مركز لبيب الطبي، وتضرر عدد من المنازل والسيارات.
وقد تسارعت الاتصالات لإعادة الهدوء وعدم تطور الأمر في اتجاه الأسو. وسُحب بالفعل المسلحون. وأدت قيادة «أنصار الله» دوراً لافتاً في تهدئة الأمور ووقف التصعيد. إلا أن سكان المخيم أبدوا خشيتهم من تكرار ما حصل، ورأى الكثيرون منهم أن «ثمة ما يُحضَّر للمية ومية»، وخصوصاً أن التوتر بقي مسيطراً، في ظل دوريات راجلة لعناصر «فتح» التي تميل كفة ميزان القوة إليها، وانتشار آخرين مدججين بالسلاح ولا سيما أمام مقر الحركة الذي تنتشر في محيطه شعارات «فتح نور لمن اهتدى والعاصفة نار لمن اعتدى»، وأخرى مؤيدة لأبو مازن وللقيادي محمد دحلان اختلطت مع لافتة محل «ملك الفول.. الدبوس». وكان المقاتلون الفتحويون، وهم ينتظرون قبل ظهر أمس وصول قائدهم وأيديهم على الزناد، يخبرون الإعلاميين ما حصل ليلاً وكيف أنهم أمطروا مركز حماس بوابل من النار: «طخيت لشبعت» يقول أحدهم، بينما يشير آخر الى مركز حماس قائلاً «هناك نجمة داوود»، واكتفى ثالث بالقول «والله نحن نحرم التقاتل الفلسطيني».
في الضفة الأخرى، وفي أحد أحياء المخيم، تجمع عدد من الموالين لحركة حماس وعناصرها وكوادرها، في مركز «نادي الأقصى»، وبدا أن النعاس قد تسلل الى عيونهم، «إن شاء الله قطوع ومر.. ونحرص على أمن المخيم والجوار»، يجيب مسؤولهم على اتصال هاتفي من مسؤول لبناني.
وكما في كل الحوادث المماثلة، تتعدد الروايات ويبدأ تقاذف المسؤوليات. فبعدما قال «أبو محمد»، مسؤول حماس في المخيم، «منذ أحداث غزة، كان لدينا هاجس أن تنقل الفتنة الى هنا»، تحدث عن «تصرفات مشبوهة من قبل أسماء معروفة اسماً اسماً، حيث تم سابقاً أكثر من اعتداء على «إخوة» لنا ومزقت لافتاتنا وطليت شعاراتنا، لكن ما جرى أمس خطوة خطيرة حيث حاول عناصر من حركة فتح، وبشكل متعمد، دهس أحد الإخوة بالسيارة وانهالوا عليه بالسباب والشتائم. وقام عدد من مسؤولي فتح باستيعاب الموضوع وتفهمه وأكدوا لنا أن من قام بالعمل إنما أساء لنا ولكم وعليه الاعتذار».
أضاف: «وعندما توجهنا الى مكان الاعتذار والمصالحة، قامت عناصر فتح بتوجيه شتائم الى كوادرنا وحصل تعارك بالأيدي ليتطور الى إطلاق نار على عدد من منازل أعضاء في حركتنا وعلى مسجد عمر بن الخطاب وتحطيم نوافذ السيارات التابعة لحماس، وبعد إطلاق النار علينا وعلى نادي الأقصى قام عناصر حماس بالرد على المهاجمين».
وختم بأن حماس لا تمتلك سلاحاً في لبنان «لكن عناصرها جزء من الشعب الفلسطيني الذي يملك على نطاق فردي أسلحةً حربيةً».
ونفى مسؤول فتح إبراهيم الرز «أبو خليل»، رواية حماس عن الاعتداء على قيادي فيها، قائلاً «إن خلافاً فردياً حصل مع موظف في شركة مولدات كهربائية، فهل أصبح هذا قيادياً»، وأضاف: «لا توجد نية مبيّتة للتصادم مع أحد، ولدينا تعليمات من القيادة السياسية بوجوب ضبط النفس ومعالجة الأمور والعمل على التهدئة»، خاتماً بتأكيد «حرمة الدم الفلسطيني والتقاتل الفلسطيني».
ولا يتوقف أهالي المخيم أمام أي من الروايتين، فما يعنيهم ليس المسبب لأي إشكال بل أمنهم ورزقهم، وخصوصاً أن التجارب في المخيمات الأخرى علّمتهم أن تعدد الإشكالات مقدمة لما هو أكبر. وهذا الأكبر تختصره الحاجة أم محمد بقلق: «هل يريدون نقل فتنة غزة الى هنا؟؟».