صور ــ آمال خليل
بعد 7 سنوات على انسحاب الجنود الفيجيين المشاركين سابقاً في اليونيفيل، والمتمركزين على شاطئ القليلة والناقورة ضمن نقاط مراقبة، لم تتنفّس السلاحف البحرية الصعداء بعد في جنوب لبنان، لأنّ خطراً واحداً زال عنها، فيما لا تزال أخطار أخرى محدّقة بها لا أمل قريب بزوالها

يدخل الساحل اللبناني ضمن لائحة سواحل البحر المتوسط المستقبلة للسلاحف البحرية، التي تضع أعشاشها على شاطئه كل سنتين خلال موسم الصيف. وإذا كانت سواحل تركيا واليونان وقبرص وليبيا وفلسطين المحتلة ومصر وتونس تستقبل السلاحف السوداء (Caretta)، فالشاطئ الجنوبي يستقبل النوع الأخضر النادر منها (Chelonia) الذي يعود سبب ندرته في العالم إلى اصطياد بعض الشعوب له، اعتقاداً منهم بأن تناول دمه أو لحمه يجعلهم أقوياء مثلها (السلاحف).
وأظهرت الدراسات التي قامت بها جمعيات أجنبية متخصصة، بالتعاون مع وزارة البيئة اللبنانية منذ عام 2001، أنّ أعشاش السلاحف البحرية موزعة على الساحلَين الشمالي والجنوبي الذي يتميز بالتنوع أكثر من غيره، لجهة وجود النوعين فيه، وغيابه عن خارطة السكن والتنمية الاقتصادية والبشرية لعقود طويلة بسبب الاحتلال الإسرائيلي وغياب الخطط الحكومية بشأنه.
هذه الظروف المحيطة، جعلت من شواطئ رملية كالبقبوق في العباسية وصور والقليلة والمنصوري مكاناً آمناً ومثالياً كي تفد السلاحف بانتظام إليها لتضع أعشاشها بين الرمال مرّتيْن في الموسم، في توقيت بين العاشرة ليلاً والثالثة صباحاً، وتعود إلى البحر، قبل أن تلحق بها صغارها التي تحتاج إلى 4 حتى 60 يوماً لتكتمل وتخرج من البيض.
وفي إطار مشروع المحافظة على الحياة البحرية في لبنان، الذي قاده لخمس سنوات في المنصوري خبراء من وزارة البيئة، ولسنتين في شاطئي العباسية وصور حتى عام 2005، واستناداً إلى نشرة المجموعة البريطانية للسلاحف الخضراء، تبين أنّ السلاحف السوداء تضع ما معدله بين 37 إلى 70 عشاً في الموسم الواحد، فيما تضع الخضراء ما يصل إلى 16 عشاً. كما تؤكد الملاحظات الميدانية أنّ شاطئ المنصوري الممتد حتى 1,4 كلم، هو الأفضل الذي تضع فيه السلاحف البحرية أعشاشها، بسبب بعده عن المناطق السكنية وابتعاد السابحين والمتنزّهين عنه. وكذلك شاطئ البقبوق الممتد بطول 1,67 كلم، ومحمية صور الطبيعية الممتدة بطول 1,71 كلم جنوباً، إضافة إلى جزيرة الأرانب في طرابلس.
لكن ما يعطي شاطئ المنصوري ميزته، ليس عوامله الطبيعية فحسب، بل البشرية أيضاً، لوجود المتطوعة الصورية منى خليل التي بدأت اهتمامها بالسلاحف البحرية منذ عام 1999،حين قرّرت العودة نهائياً من هولندا والاستقرار في المنصوري، حيث تملك أسرتها بيتاً مجاوراً للبحر. تقول منى (59 عاماً) التي تعمل وحدها، «إنّ رؤيتها المفاجئة لإحدى السلاحف الضخمة التي كانت متوجهة إلى الشاطئ لتضع بيضها كان كافياً لتركع أمامها وتقرّر تسخير كل وقتها للعناية بها».
ويعود الفضل لمنى في توجيه الأنظار العالمية والمحلية على السواء في عام 2001 إلى وجود السلاحف على الساحل الجنوبي، بعدما اتصلت بوزارة البيئة والجمعيات العالمية المختصة لمشاركتها في حمايتها.
يبدأ يوم منى في الفترة بين حزيران وتشرين الأول منذ الفجر، حين تتوجه إلى الشاطئ بعد انتهاء السلاحف من وضع بيضها وعودتها إلى البحر. تقوم منى وزميلتها حبيبة السيد بكشف يومي على طول الشاطئ بحثاً عن الأعشاش المدفونة في الرمال، فإذا وجداها تحفران حولها، وتضعان فوقها سقفاً حديدياً مثقوباً لحمايتها من الكلاب الشاردة التي تأكلها، إلى أن يحين موعد تفقيسها لتتوجه بعد يوم واحد إلى البحر، فيما ترسل إشارات مغناطيسية لتحفظ هذا المكان، لأنها ستعود بعد 20 إلى 30 عاماً إلى المكان نفسه لتضع هي الأخرى بيضها حيث ولدت.
تشير منى إلى «أنّ عدواً جديداً استجدّ بوجه السلاحف البحرية خلال عدوان تموز، وهو الثعالب التي هربت من الوديان والقرى المهددة ولجأت إلى الشاطئ، ووجدت طعاماً جاهزاً لها، ما جعلها إلى الآن تتردد إلى المكان لتبحث عن البيض».
في السابق، وبعد رحيل الجنود الفيجيين في عام 2000، فقد الصيادون مورداً إضافياً بعدما كانوا يقبضون 10 دولارات على كل سلحفاة يصطادونها ويبيعونها للفيجيين التابعين لقوات حفظ السلام الأممية، الذين كانوا يكشفون بدورهم على الأعشاش ويأخذون البيض. والأعداء الحاليّون، إضافة إلى الثعالب على البر وقلة المعرفة والتمدد الاستثماري على الشواطئ الرملية، التلوث في البحر وشباك الصيادين والأسماك الكبيرة، ما يسمح لـ 10 في المئة فقط من بين المئات التي تولد سنوياً أن تنجو. ولإنقاذ الضعفاء منها، تفكر منى في إنشاء قسم للعناية الخاصة، سوف تتدرّب على تقنياته في إيطاليا، قبل أن تقوم بحملة لتأمين التمويل في لبنان والعالم.

التدابير الرسمية

يبدو نائب رئيس بلدية صور ورئيس لجنة محمية صور الطبيعية، محمود حلاوي، مرتاحاً لسير الحياة البحرية وحركة السلاحف في البقبوق وصور التي تضم الآن سبعة أعشاش، في كل منها بين 90 و100 بيضة، إضافة إلى تدابير الحماية المتخذة، التي تشمل، بالتعاون مع وزارة البيئة والجمعيات الأهلية، برامج توعية للصيادين خصوصاً، وتدريب بعض العناصر المتطوعة لتولي المراقبة اليومية للشواطئ. ويقر حلاوي بأنّ وجود الخيم البحرية ضمن نطاق المحمية منذ عام 1998، ضيّق على السلاحف تحركها، لكنّه لم يمنعها بالكامل. فمنذ سنتين، تم العثور على عشّين بجوار إحدى الخيم. أما شاطئ البقبوق، المعروف بأعلى نسبة وضع (11 عشاً في الموسم) والذي سيعرف لاحقاً بمحطة تكرير المياه المبتذلة، فإن حلاوي يؤكد أنه «لن يؤثر على حركة السلاحف عليه، لأن المعمل بعيد أكثر من 350 متراً عن الشاطئ، والمياه المكررة والموجهة نحو البحر غير مؤذية».