عرفات حجازي
ما زال الوسط السياسي يتابع بكثير من الاهتمام زيارة رئيس تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري إلى الولايات المتحدة، ويتسقّط الأخبار عن النتائج التي أدّت إليها، والتي أجمع المراقبون على أهميتها وتميّزها في الشكل والمضمون والتوقيت، وبكونها عنصراً أساسياً و مقرراً في مسار الاستحقاق الرئاسي ووجهة سيره عشية جلسة الانتخاب المقررة في 23 الجاري.
وتفيد المعلومات التي تجمّعت لدى المتابعين، على ندرتها، بأن واشنطن لم تحسم على ما يظهر خيارها النهائي من الاستحقاق الرئاسي. فالتصريحات التي أدلى بها الرئيس جورج بوش ووزيرة خارجيته كوندوليزا رايس لم تخرج عن نطاق العناوين والخطوط العريضة وتأكيد إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية، مع تحذير حازم إلى دمشق بعدم التدخل في هذا الاستحقاق، من دون أن تصدر عنهما أي إشارة أو تعليق على مسألة النصاب والتوافق اللبناني على الرئيس المقبل، بخلاف ما يظهره الموقف الأوروبي من دعم واضح للتوجّه الوفاقي في انتخابات الرئاسة.
لكن السؤال المهم الذي لم تتوافر إجابات وافية عليه هو طبيعة النقاش الذي جرى في اللقاءات المنفردة بين الحريري وصنّاع القرار في الإدارة الأميركية، والتي يشارك فيها أعضاء الوفد اللبناني، وعمّا إذا كانت واشنطن أبلغت رئيس تيار المستقبل الطريقة التي ستتعاون بها مع الاستحقاق الرئاسي في اتجاه تسهيله وعمّا إذا كانت قد حثّته على السير قدماً في حوارات التسوية والتوافق التي بدأها مع الرئيس نبيه بري أم حضّته على عدم تقديم تنازلات والتمسك بمرشح من صفوف 14 آذار والسعي لإيصاله إلى سدة الرئاسة؟
لكن هذا المستور من النقاشات قرأته المعارضة من خلال وجود نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري إلى جانب الحريري في لقاءاته، وهو المكلّف ترؤس جلسة انتخاب النصف الزائد واحداً فيما لو عجزت لقاءات عين التينة عن الوصول إلى تسوية بشأن الرئيس التوافقي، وهو خيار لم يستبعده مكاري إذا طلبت منه قوى الرابع عشر من آذار ذلك، معلناً من واشنطن أنه لن يتأخر عن ترؤس هذه الجلسة إذا لم يلبّ الرئيس بري هذا الواجب. كما تلفت المعارضة في قراءتها لتداعيات زيارة واشنطن إلى التغيير الجذري في مواقف الحريري الذي طالب من واشنطن بانتخاب رئيس من قوى 14 آذار، مخالفاً بذلك الأجواء الإيجابية التي كان يشيعها في إفطاراته الرمضانية في قريطم، وما سبق أن أعلنه من رغبة في الإتيان برئيس إجماع أو شبه إجماع، وهو ما أسهم في رفع سقف التوقعات بشأن عملية التوافق الجارية على الرئيس الجديد.
على أن مقرّبين من تيار «المستقبل» لا يجارون المعارضة في ما ذهبت إليه من نتائج وخلاصات لزيارة العاصمة الأميركية، ويؤكدون أن الحريري لم يذهب إلى واشنطن لأخذ كلمة السر كي يبني عليها مواقفه، وهو الذي كان السبّاق في إطلاق سياسة الجسور المفتوحة ومد يده إلى الفرقاء الآخرين من أجل الحوار والتوافق، مؤكداً أن هذا الانفتاح ليس مجرد خيار بل قرار اتخذ عن قناعة وهو دافع عنه أمام الرئيس بوش وكبار مساعديه، إيماناً منه بأن إنجاز الاستحقاق الرئاسي بالتفاهم يخدم المصلحة الوطنية ويجعلنا نتفادى الانقسام وعدم الاستقرار، ويبعد لبنان عن صراعات المحاور وعدم استخدامه ساحة لتصفية الحسابات.
ويضيف هؤلاء أن الحريري «ثابت في موقفه لجهة أن يكون الرئيس صناعة لبنانية ويحمل المشروع السيادي، وهذا لا خلاف عليه مع أحد، والرجل لم يقطع الأمل بعد في الوصول إلى تسوية، وهو على تواصل مع شريكه الآخر في الحوار، الرئيس بري، وقد تواعدا في اتصال بالأمس على اللقاء بعد عطلة عيد الفطر لبذل المزيد من الجهود للتوافق على مرشح تسوية، والوقت ما زال متاحاً لذلك».
وبين القراءتين المتناقضتين لزيارة واشنطن، ثمة قراءة تقدّمها أوساط محايدة تقلّل من أهمية الموقف الذي أطلقه الحريري في واشنطن واعتبرته المعارضة خروجاً على مبدأ التوافق. فرئيس تيار «المستقبل» لم يقل إنه مصرّ على انتخاب مرشح من صفوف 14 آذار، بل قال إنه يتطلع، وهو كلام يحمل الوجهين، وبالتالي لا يصح القول إن هناك تراجعاً وعودة إلى نقطة الصفر. وتردد هذه الأوساط أن زيارة واشنطن أعطت جرعة دعم قوية لفريق 14 آذار، وأعادت التماسك إلى صفوفه، وأكسبته صلابة معنوية، وهو ما أوحى بتبدّل المناخ الداخلي، وأقلق المعارضة من احتمالات الإقفال على الحوار وتشجيع خيار الرئيس بالأكثرية المطلقة.
وتلفت هذه الأوساط إلى أن أياً من القوى الأساسية في المعارضة لم تنتقد زيارة الحريري إلى واشنطن، وخصوصاً أنه لم يأت على ذكر سلاح المقاومة، ولم ترد عن الأميركيين أي عبارة بهذا المعنى. فالتركيز كان على جملة ملفات لا تثير جدلاً، من تسريع قيام المحكمة إلى تسليح الجيش وإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها الدستوري.
في أي حال، وبانتظار عودة شريكَي الحوار من الخارج، فإن صورة المشهد السياسي العام ما زالت ضبابية تتنازعها التوقعات والانطباعات المتناقضة. ومع ذلك يبقى التفاؤل النسبي حاضراً، لأن أحداً لم يقفل باب الحوار، ولأن الجهد العربي والدولي ما زال يدفع باتجاه التوافق، ويؤمل بأن تتحول حركة المشاورات بعد الفطر إلى مؤتمر حوار متواصل ومفتوح على مدار الساعات والأيام الفاصلة عن جلسة الثالث والعشرين من من الشهر الجاري.