نيويورك ــ نزار عبود
طالب النائب سعد الحريري خلال زيارته الأخيرة لواشنطن بتسريع إنشاء المحكمة الدولية الخاصّة بجريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري والجرائم الأخرى المتلازمة. أين أصبحت عملية تمويل المحكمة وكيف تستخدمها سياسياً فرنسا والولايات المتحدة؟


ظهر خلال زيارة النائب سعد الحريري لنيويورك تباين أميركي ـــــ فرنسي حول المرحلة التي تسبق الانتخابات الرئاسية في لبنان. فالأميركيون ومعهم فريق 14 آذار يرتأون التعجيل في موضوع المحكمة الدولية وزيادة الضغط على سوريا بهدف حملها على الضغط على فريق الثامن من آذار للقبول برئيس من المولاة. فيما تود فرنسا أن تبقى الأمور هادئة حتى مرور الاستحقاق بسلام، وتعتبر أن أي ضغط يهدد بعواقب غير محسوبة العاقبة.
وترغب واشنطن في أن يتركز الضغط من خلال التقرير الذي سيقدمه ناظر القرار 1559 تيري رود لارسن الذي سيناقش في التاسع عشر من هذا الشهر، على تضمينه المزيد من المزاعم عن تهريب السلاح من سوريا إلى لبنان والربط بين تفشي السلاح وتحميل سوريا مسؤولية نشوء عدة تنظيمات وميليشيات مسلحة في لبنان. وسيوظف مثل هذا التقرير في زيادة الضغط على سوريا لكي تبارك اجتماع السلام الدولي في تشرين الثاني المقبل، أو ترضخ لنتائجه مسبقاً.
وسيقوم لارسن بموجب هذه الخطة بربط موضوع السلاح بالتدخل في الانتخابات الرئاسية من طريق التنبيه إلى تأثير عبور السلاح على العملية الديموقراطية في لبنان. ولقد مهدت مذكرة رئيس الوزراء فؤاد السنيورة لبان كي مون لهذا النوع من الرأي الذي انطلق أولاً في اجتماع عقد في 26 أيلول الماضي في الأمم المتحدة ضم وزراء خارجية السعودية سعود الفيصل، ومصر أحمد أبو الغيط، والأردن عبد الإله الخطيب، فضلاً عن عمرو موسى، الأمين العام للجامعة العربية. وجرى الاتفاق خلاله على أهمية التعجيل في موضوع المحكمة.
وحاول الحريري في نيويورك أن يطلب تدويلاً كاملاً في لبنان من طريق توسيع مهمات اليونيفيل لتشمل كل الأراضي اللبنانية وصولاً إلى الحدود الشمالية. لكن برنارد كوشنير، وزير خارجية فرنسا كان معارضاً لهذا الطرح جملة وتفصيلاً. وقال خلال وجوده في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في تصريح خاص لـ«الأخبار»، «دلّونا من أين نأتي لهم ببوليس دولي؟ من سيأتي إلى بيروت لتوفير الحماية؟». ويتفق معه في موقفه الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون القلق على أمن القوات الدولية في الجنوب من مخاطر نشوء وضع شبيه بغزة والضفة الغربية. والأمم المتحدة لم تخف أخيراً قلقها البالغ من اعتبار إسرائيل غزةَ كياناً معادياً. فكيف تستطيع التعاطي مع كيان شبيه معاد قد يحيط بقوات اليونيفيل ويعزلها عن بيروت؟ عدا عن أن الأمين العام يطّلع باستمرار على التقارير التي ترده من مبعوثه غير بيدرسون بشأن حقيقة الوضع في لبنان وتعقيداته الديموغرافية والسياسية والجغرافية. كذلك كان قائد قوات اليونيفيل الجنرال كلاوديو غراتسيانو صريحاً في الحديث عن خشية السقوط في تبعات ازدواجية الحكم في لبنان.
ورأى كوشنير وبان أن الوضع في لبنان بالغ الحرج ومن شأنه أن يفجر حرباً على مستوى المنطقة إذا سمح له بزيادة الاحتقان. وأعرب كل منهما على حدة عن أملهما بأن تتم التسوية والتوافق على مرشح واحد تجنباً لمخاطر لا حصر لها في المنطقة. وارتأى كوشنير بشكل خاص ضرورة ترك موضوع المحكمة إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية لكي لا تتعطل الانتخابات.
ويبدو أن النائب سعد الحريري استوعب قسماً من هذه النصيحة حيث صرح بعد خروجه من مكتب بان كي مون قائلاً إن «موضوع المحكمة ليس بطيئاً ويسير قدماً». وهو التعبير نفسه الذي سبق لنيكولا ميشال أن استخدمه في التاسع عشر من الشهر الماضي عندما ووجه بسؤال عن التذمر من تباطؤ المحكمة، فأجاب قائلاً، «لم أسمع انطباعاً كهذا من أعضاء مجلس الأمن الذين أبدوا ارتياحاً لسير الإعداد للمحكمة». وفيما فهم البعض من تصريح الحريري أنه سيُدبَّر المال الباقي، رأى آخرون أن الحريري يرغب في التريث لكي لا يعطل الانتخابات الرئاسية، ويشدد على أهمية الانتخابات المحورية في هذه المرحلة.
كوشنير لم يكتف بالتعبير عن موقف مخالف للموقف الأميركي، بل حجبت فرنسا أي دعم مالي عن المحكمة الدولية في الظرف الراهن. وبينما قيل إن الحريري حاول تسريع إنشاء المحكمة بالتلميح بأنه مستعد لتمويل العجز من حسابه الخاص، كان رد الأمين العام عليه، وكذلك نيكولا ميشال، مساعد الأمين العام للشؤون القانونية، بأن قبول المساعدات المالية الشخصية منه يضعف صدقية المحكمة، ورُفضت الفكرة من الأساس.
وبدا أن المندوب الأميركي يبحث عن حل لهذه المعضلة عندما قال إنه سيتداول مع الحريري كيفية تغطية العجز المالي لإنشاء المحكمة. فالولايات المتحدة لم تتبرع سوى بخمسة ملايين دولار ولبنان خمسة ملايين أخرى. والمطلوب 80 مليوناً للسنتين الأولى والثانية قبل الشروع في تأسيس المحكمة. وإذا لم تسارع السعودية ودول خليجية أخرى لتمويل الفارق فإن المحكمة ستبقى مؤجلة لإيفاء هذا الشرط. وهنا يبدو الموقف الفرنسي بالغ الأهمية، ذلك أن فرنسا يمكن أن تشجع دولاً أوروبية أخرى على المساهمة في مشروع المحكمة، فضلاً عن دفع مساهمتها إذا ما كان هذا التوجه يصب في مصلحة سياستها الإقليمية.