أنطوان سعد
مهما يكن من أمر التبريرات التي أعطيت لتأجيل زيارة رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» العماد ميشال عون والوزير السابق سليمان فرنجية إلى الصرح البطريركي، أمس، ولو لبضع ساعات، فإن الضرر قد وقع. وإذا كان تأجيلها بالطبع خيراً من إلغائها، فإن «رهجة» الاجتماع قد تبددت، بعدما رافق التأجيل صمت من جانب الكرسي البطريركي والتيار الوطني الحر، أو تبريرات «تقنية»، غذّتها تحليلات وتسريبات عن وجود أسباب سياسية وراء قرار عون المفاجئ بعدم التوجه إلى بكركي صبيحة أمس.
هكذا بدل أن تُشغَل الأوساط السياسية بمعرفة ما دار في الاجتماع بين البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير وأساقفته من جهة، وبين عون وفرنجية من جهة ثانية، شُغل المراقبون بأسباب التأجيل، ومن ثم بتأثيره على مجرى الحوار في الاجتماع المسائي. وفيما أكد النائب إبراهيم كنعان، الممسك بملف العلاقات بين بكركي والرابية، أن «ليس هناك أي عامل سياسي وراء التأجيل الذي تسببت به عوامل تقنية متعلقة بالأمن وترتيبات عملانية»، مستنداً إلى واقعة حصول الاجتماع بعد ساعات من دون أيّ مداخلات أو مفاوضات متعلقة بمضمونه، أشار بعض المصادر المطلعة إلى وجود عوامل سياسية.
وقد لفتت المعلومات إلى أن رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» اطّلع صباحاً على أجواء مفادها أن سيد بكركي سيطلب إليه مباشرة عدم مقاطعة جلسة الانتخاب وتأمين النصاب فيها مع احتمال أن يحمّله مسؤولية الفراغ الرئاسي إذا حصل. فاستاء الجنرال، وتعكر مزاجه، وارتأى عدم الذهاب إلى بكركي حتى لا يصطدم بسيدها إذا قال له هذا الكلام، مفضّلاً تأجيل الموعد، ولو لمدة ساعات. وجرى الاتصال بالوزير فرنجية الذي كان قد ترك مكان إقامته متوجهاً إلى كسروان كي يعود أدراجه. ومن ثم اتصل مكتب الجنرال بأمانة سر البطريركية لإبلاغها عدم إتمام الزيارة في الموعد المحدد بعد ساعات. غير أنه لم يطل الأمر حتى اقتنع الرئيس عون برأي معاونيه بوجوب الاجتماع مع البطريرك صفير في اليوم نفسه.
بالعودة إلى المبادرة البطريركية التي فاجأت الأوساط السياسية، والتي لا تقوم على مجموعة نقاط محددة بقدر ما هي دعوة إلى جميع الأطراف السياسية المؤثرة في عملية الانتخابات الرئاسية لكي تتحمل مسؤولياتها في هذا المنعطف الخطير من تاريخ لبنان، فإن الأوساط القريبة من بكركي تؤكد أنها جاءت استجابة لعشرات المراجعات اللبنانية وغير اللبنانية، السياسية وغير السياسية للتدخل والمساهمة في عملية التوصل إلى اتفاق حول الاستحقاق الرئاسي. وقد قرر البطريرك الماروني التحرك على مراحل، وتمثّل الجولة الأولى من الاجتماعات مع مسيحيي المعارضة ومن ثم مع الموالين منهم الحلقة الأولى من هذا التحرك. ومن المقرر أن تشهد عرضاً من سيد بكركي لدقة الظروف وخطر الفراغ الرئاسي على وجود الجمهورية اللبنانية ودور المسيحيين فيها بالاستناد خصوصاً إلى تجربة الفراغ سنة 1988.
وتشير المصادر المطلعة القريبة من بكركي إلى أن البطريرك صفير أعد مذكرة مهمة سيقرأها في الاجتماعين أمام الحاضرين أو سيعرض أبرز أفكارها في حضورهم. وفيها سيُعرب عن قلقه من المنحى الذي أخذه التنافس بين المعارضة والموالاة الذي يهدد بإطاحة الاستحقاق الرئاسي ومعه بالجمهورية برمتها، وسيضعهما أمام المسؤولية التاريخية بعدم المساهمة في الوصول إلى الحائط المسدود حيث لا يعود ينفع تقاذف الاتهامات. لذلك لم يكن البطريرك صفير شديد التمسك بفكرة عقد اجتماع واحد لكل الفاعليات لأنه لا ينتظر من الجولة الأولى أن تُذلَّل كل العقبات بل أن تُمثّل مناسبة لوضع القيادات السياسية أمام مسؤولياتهم. وإذا لمس سيد بكركي التجاوب اللازم لدى هذه الأطراف للمضي قدماً في اتجاه توافق بينهم، فإنه على استعداد لمتابعة مبادرته والانتقال إلى خطوة متقدمة بعد أن ينال تعهداً منها ومن غيرها بالتعاطي بجدية وانفتاح مع دور البطريركية المارونية.
أمّا إذا خرج البطريرك صفير بانطباع بأن هذه الأطراف غير مستعدة للتجاوب أو غير قادرة نتيجة التزامات سابقة قامت بها، فإنه سيتشاور من جديد مع مجلس المطارنة الموارنة، والأمر الأكيد أنه لن يقبل بدور المتفرج الذي تريده الأطراف السياسية له إذا لم تكن رؤيته منسجمة مع طموحاتهم ومع المكاسب الشخصية أو الفئوية التي يمكن أن يجنوها هم أو حلفاؤهم المحليون أو الإقليميون من استحقاق «المنصب الكبير».