الجبين ـ آمال خليل
لم يستأنس أهل الأسير المحرر حسن عقيل به بعد؛ فبعد زيارته مسؤول منطقة الجنوب في حزب الله الشيخ نبيل قاووق عاد متأخراً إلى المنزل قبل أن يستفيق باكراً على سؤال الإعلاميين عنه. طوال اليوم التصويري الطويل في بلدة الجبين الهادئة والمشغولة بأقصى ما تملكه، مواسم الزيتون والتبغ، بدا حسن أكثر من مرة على وشك الصراخ بوجه الحاضرين لكنه كان يلتزم الصمت الغاضب المخيف. كان يستجيب «لأوامر العدسات» فيجلس متى شاءت ويتحرك كما يحلو لها في زوايا بيته المتواضع و«السطيحة» أمامه حيث اقتاده الجنود الإسرائيليون الذين فوجئوا بصموده بعد أسابيع من العدوان، لكنه بدا غريباً عن أولاده الأربعة وزوجته وأمه وإخوته الذين انتظروا أن ينطق بكلمة واحدة لكن الصمت كان أقرب إليه. لم يتحدث عن المعتقل أو لم يسمح له بذلك لذا لا شيء واضحاً بشأن تجربته أو عودته إلى العمل حتى الآن سوى أنه سيخضع لفحوص طبية مكثفة لاستئناف علاج المشاكل الصحية والعقلية التي يعانيها. اضطرابات بدت أنها السبب الأول لامتناعه أو منعه من الكلام عن ظروف الاعتقال والتحقيق والإفراج. في كل الأحوال، يدرك الناظر في عيني حسن كم أن العدو جبان وغبي ليحتفظ به أكثر من عام رغم تأكيد الصليب الأحمر الدولي سوء حالته الصحية.
لكن الحياة والحرية وأشياء أخرى كانت تحقق ذاتها على بعد قرى حدودية من الجبين. إلى الطيري، يعود محمد عسيلي (29 عاماً) شهيداً وممتلئاً نشوة كما تمنّى بخلاف المرات التي عاد فيها حزيناً وبائساً لأنه فشل في الشهادة فيما نالها رفاقه. له اليوم أن يبتهج طويلاً وعليه أن يتجاهل، إن استطاع، دموع أمه التي لم يشركها في خياره السعيد، لأنها جد حزينة وخائبة من الأمل الذي علّلت بها نفسها منذ 21 تموز 2006 حينما تبلغت رسمياً نبأ استشهاده في مواجهات مارون الراس. تجهش بالبكاء تارة في بيت العزاء الذي انتصب أمام منزل الشهيد وتنظر تارة أخرى إلى طفله الصغير علي الهادي (سنة و4 أشهر) الذي ولد قبل أيام من انشغاله بالمواجهات ولم يهنأ به.
وفيما افتتح أهل عسيلي مواكب الشهداء العائدين «بفرحة ناقصة» بحسب شقيقه، يعيش ذوو الشهيد سامر نجم من الطيبة أصعب لحظاتهم بانتظار التأكد من فحص الحمض النووي الجاري في مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل حيث سُجي الجثمانان، للتأكد من أن الجثة المتشوّهة هي لابنهم.
وعلى التلة المقابلة في عيناتا، تقسّم أم الشهيد مروان سمحات وقتها بين قطاف الزيتون والصلاة بالنصر القريب الذي يأتي على لسان السيد نصر الله في خطابه. تتمنى أن يعود «الشهيد مروان حياً لأن التمنّي على قدر المحبة. ولولا أنها علمت متأخرة بالأنباء والأسماء الواردة من الناقورة، لكانت توجهت إلى المكان منتظرة احتمال عودته».
في عرس الشهداء المقبل، حصة العروس عيناتا كبيرة. من بين 14 شهيداً، ثلاثة عرسان من البلدة هم الشهداء موسى خزعل ومروان سمحات وزيد حيدر، إضافة إلى حسن فحص الذي استشهد معهم. العرس قريب برأي الأهالي الذين شعروا بأن «تشييع أحدهم، هو تشييع لجميع الشهداء الأسرى في غربتهم».
تجدر الإشارة الى أن حزب الله سيُشيّع عند الساعة الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم الشهيد المجاهد محمد يوسف عسيلي انطلاقاً من أمام مستشفى الشهيد صلاح غندور في بنت جبيل الى مثواه الاخير في بلدته الطيري.
والشهيد محمد يوسف عسيلي (ذو الفقار)، هو من مواليد الطيري 1978، التحق بصفوف المقاومة الإسلامية عام 1997، وخضع للعديد من الدورات العسكرية، وشارك في العديد من العمليات الجهادية. متزوّج وله ولد، استشهد في مواجهات مارون الراس بتاريخ 20/7/2006.
إلى ذلك أصدر اتحاد بلديات بنت جبيل بياناً دعا فيه إلى المشاركة في التشييع جاء فيه: «مرة جديدة تكون المقاومة على موعد مع انتصار جديد، يضاف الى سجلها الحافل بالانتصارات على غير صعيد، من خلال إتمام عملية التبادل واستعادة جثماني شهيدين ليحتضنهما تراب بذلا من أجله روحيهما، وتحرير أسير وعودته الى ربوع الوطن لينضم إلى ذويه». وأضاف البيان «نبارك لسماحة الامين العام السيد حسن نصر الله ولأبطال المقاومة هذا النصر الجديد، والإنجاز الذي يلتحق بركب الإنجازات المتعددة والكبيرة للمقاومة، والذي لن يكون الاخير».