طرابلس ـ عبد الكافي الصمد
احتجاجاً على ما تعرّض له موقوفون إسلاميون في سجن رومية قبل أسبوعين، من حلقٍ للحاهم ورؤوسهم، وما تناقله البعض من تعرّض مقدسات إسلامية للانتهاك من عناصر أمنية، اجتمع أمس عدد كبير من الشخصيات والحركات الإسلامية، في اعتصام جمع بعض من كانوا حتى أمس قريب يعدّون «أضداداً» في الساحة الإسلامية


نفّذ أمس عشرات الإسلاميين اعتصاماً في باحة مسجد طينال، في محلة باب الرمل بطرابلس، تلبية للدعوة التي وجّهها «حزب التحرير ـــــ ولاية لبنان»، ضد ما سمّاه «سجن رومية وسجن اليرزة، غوانتانامو لبنان».
وقد شارك في الاعتصام رئيس التيار السلفي الوسطي، الشيخ داعي الإسلام الشهال، وممثل عن حركة «التوحيد»، إضافة إلى ممثلين لحركات إسلامية بارزة.
وتجدر الإشارة إلى أن أكثر من 120 إسلامياً موقوفاً ومحكوماً في سجن رومية، ينفّذون إضراباً عن الطعام، منذ أكثر من أسبوعين. ويطالب هؤلاء بإقالة أحد ضباط السجن، بعد حملة التفتيش التي جرت لزنازينهم، وما رافقها من حلقٍ لرؤوسهم ولحاهم.
توتر وإجراءات مشددة
غير أنّ الاتصالات والتطوّرات المتلاحقة، يومي الأربعاء والخميس وحتى قبل ظهر أمس، أرخت جوّاً من التوتّر الشديد على عاصمة الشمال، بعدما أصرّ الحزب على تنفيذ اعتصامه، برغم ما قيل عن ضغوط مورست عليه من جهات أمنية وسياسية لإلغاء الاعتصام أو تأجيله أو نقله إلى مكان آخر، أو عن ضغوط حاول البعض ممارستها على مسؤولي المسجد.
لكنّ أجواء التوتّر لم تقف عند هذا الحدّ، بل رافقها قيام مناصرين لـ«تيّار المستقبل» في طرابلس، بتعليق ملصقات في اليومين الماضيين موقّعة باسم «أفواج طرابلس»، كُتب عليها: «لبّيك سعد الدّين في الحرب والسلم»، و«نحن أسياد لا عبيد»، و«لبّيك يا بيروت». وتحدثت شائعات ضجّت بها عاصمة الشمال طيلة قبل ظهر أمس، أنّ مناصرين للتيّار، وتحت اسم «الأفواج» نفسه، يُهيِّئون أنفسهم للقيام بتحرّك ميداني لإفشال الاعتصام، وهو ما اتّضح عدم صحته. وقد انعكس التوتر في طرابلس على الإجراءات الأمنية التي بدأت أول من أمس، حين طالبت فصيلة باب الرمل في قوى الأمن الداخلي المواطنين، عبر ملصقات وزعتها، بضرورة «إزالة سيّاراتهم من محيط مسجد طينال، اعتباراً من السّاعة 6 من صباح أمس وحتى 3 ظهراً».
وقبل موعد صلاة الجمعة أمس، سدّ عناصر من الجيش وقوى الأمن الداخلي كلّ الطرق المؤدّية إلى المسجد، وفتشوا كلّ المتوجّهين إليه، الأمر الذي دفع عدداً كبيراً من المصلين إلى تحويل وجهتهم باتّجاه مساجد أخرى، ما أثار استياء عدد من المشاركين في الاعتصام. وانتشرت على أسطح الأبنية المحاذية للمسجد أعداد كبيرة من العناصر الأمنية. وداخل المسجد، قام عناصر «الانضباط» في الحزب بتنظيم الأمور، كما شوهد انتشار كثيف لعناصر أمنية رسمية بثياب مدنية.

«ولو كانت عمامته تصل إلى قبرص»

الدّاعون للاعتصام لم يسلموا من انتقادات شديدة وجّهها إليهم إمام المسجد وخطيبه الشيخ محمّد إبراهيم، الذي، وإن بدأ الخطبة بالإشارة إلى أنّ «كلّ من يتغافل عن استغلال أوضاع المسلمين سيُعاقب، ولو كانت عمامته تصل إلى قبرص!». وأكّد إبراهيم أنّ داخل الأجهزة الأمنية عناصر «عندهم غيرة كبيرة على دينهم»، داعياً إلى «عدم تكفير كلّ الناس وجلب الفتنة إلى هذا البلد، وإلى عدم تحويل المساجد إلى أماكن للنزاعات والخلافات، وإلى عدم تصديق كلّ ما يقال عمّا حصل أخّيراً، وخاصةً أنّ دار الفتوى نفت ما نُشر في بعض وسائل الإعلام عن هذا الموضوع». واتهم إبراهيم بعض الحركات الإسلامية من غير أن يسميها، بأنّها «تقبض أموالاً من السفارات الأجنبية لأهداف لا تخدم الإسلام»، متسائلاً: «لماذا تحدث هذه الأمور في طرابلس والشّمال فقط؟ وهل ما يحصل يهدف إلى كسر شوكة أهل السنّة في لبنان؟».
بعد الصلاة، اندفع عشرات الرجال والشبّان باتجاه المكان المخصص للاعتصام في باحة المسجد الجنوبية، بمشاركة عدد كبير من النساء من ذوي الموقوفين، وهم يرفعون رايات "حزب التحرير" السوداء، إضافة إلى لافتتين كُتب عليهما: «البعض يوقف ساعتين، وأبناؤنا يقبعون سنتين»، و«إعفاء اللحية سنّة نبيّنا، من أهانها أهان شعائرنا». وسبق إلقاء الكلمات تنبيه عريف الاعتصام من «وجود مدسوسين بين المشاركين».
المسؤول الإعلامي في «حزب التحرير» أحمد القصص، ألقى كلمة دعا فيها إلى «فتح تحقيق في هذه الظواهر التي لا تليق بأشدّ البلاد تخلّفاً وهمجية»، مشيراً إلى أنّ «هذا العهد يشهد انتهاكات وتجاوزات لم يعرفها النّظام الأمني السابق». وتحدث الشيخ عبد القادر الزعبي، باسم أهالي الموقوفين، فعدّد مطالبهم، واستنكر عدم وقوف مفتي الجمهورية الشيخ محمّد رشيد قباني «ضدّ ما حدث في سجن رومية»، مشيراً إلى أنّ «لجنة من دار الفتوى أكدت ثبوت تدنيس القرآن».

الشهال: من جماعة لحد إلى لحود

ثم ألقى الشيخ داعي الإسلام الشّهّال كلمة رأى فيها أن التحرك يأتي «انتصاراً لحرمات الله وشرعه، وللحق والمظلومين. ويؤسفنا أنّ الجميع يجترىء أو يشارك في اضطهاد وإيذاء السّاحة الإسلامية، والسنّية خصوصاً»، داعياً إلى «رفع الظلم وكفّ التمييز، من جماعة لحد إلى لحود، إلى الأحزاب القومية والشعوبية، إلى التدريبات الجديدة المتعدّدة والمتنوعة». ثم ألقى الشيخ عمّار شعبان كلمة باسم حركة «التوحيد الإسلامي»، والشيخ وليد عبّاس باسم جمعية «الاتحاد الإسلامي».

ميرزا: توقيف من تثبت مسؤوليته

من ناحية أخرى، أعلنت المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي أن المدير العام اللواء أشرف ريفي زار بعد ظهر أمس المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، و«أطلعه على سير التحقيقات الجارية حول عملية التفتيش التي جرت في سجن رومية منذ أيام، والمضبوطات والممنوعات التي عثر عليها أثناء ذلك».
وأكّد بيان صادر عن شعبة العلاقات العامة في المديرية «أن حملة التفتيش المذكورة أدّت إلى اتخاذ إجراءات بحق من سهّل إدخال الممنوعات وأحيل البعض موقوفاً أمام القضاء».
وأضاف أن ريفي أطلع ميرزا «على التحقيقات الجارية في ما نسب لبعض العناصر عن تجاوزات تطال المقدسات، وأشار ميرزا بتوقيف من تثبت مسؤوليته». وأكد ريفي لميرزا «أنه لا يمكن التهاون أو التساهل في اتخاذ الإجراءات القانونية والمسلكية المشددة بحق كل من يثبت ارتكابه أية مخالفة أو تجاوز لقانون أو أي استغلال للسلطة أو إساءة في المعاملة خاصة إذا كان الأمر يتعلق بمقدسات أو بشعائر دينية أو بكرامة الإنسان».