strong> غسان سعود
صادف أول من أمس مرور شهر على اغتيال النائب أنطوان غانم وشغور مقعده النيابي في دائرة بعبدا عاليه. وهذا يعني أن الأيام الثلاثين انقضت من دون أن ترفع الحكومة مرسوم دعوة الهيئات الناخبة إلى رئيس الجمهورية، فيما العرف يقضي أن يتم هذا الأمر قبل شهر من موعد الانتخابات الفرعية، التي ينص الدستور على إجرائها خلال مهلة شهرين من تاريخ شغور المقعد.
إلا أن غياب «الإجراء الدستوري»، لا يعني عدم الاستعداد لملء المقعد الشاغر في دائرةٍ إذا ما حصلت فيها الانتخابات الفرعية، سيكون ما حدث في المتن نقطة في بحرها، وخصوصاً أنها منطقة كانت سبباً رئيسياً في وقوع الطلاق بين العماد ميشال عون وقوى 14 آذار، وكانت أرضها المدخل الشعبي للتفاهم بين التيار و«حزب الله»، إضافة إلى ما تختزنه من ذكريات أليمة عن الصراع العسكري المسيحي ـــــ الدرزي، والمسيحي ـــــ الشيعي، والمسيحي ـــــ المسيحي، وذلك نظراً لما تتميز به من تنوع طائفي كبير وغنى سياسي. إذ يبلغ عدد الناخبين الدروز فيها قرابة 70000، والموارنة 51000، والشيعة 33000، والأرثوذكس 11000.
ولعل هذا التنوع، يوضح سعي معظم الأفرقاء لتجنب المعركة، رغم ما يحكى عن إصرار النائب وليد جنبلاط وقائد «القوات اللبنانية» سمير جعجع على التحضير لخوضها، وإن بعد الانتخابات الرئاسية مباشرة، لسبب لا يراه أحد المتابعين «بريئاً». إذ يرى أن الإصرار على معركة انتخابية غير محسومة، «يسمح لصقور الأكثرية بإيجاد الأرضية الهشّة التي يبحثون عنها منذ أشهر»، مشيراً إلى «أن سيناريوهات كثيرة رُسمت أخيراً لمواجهات مسيحية ـــــ شيعية قد تكون فرعية بعبدا ـــــ عاليه الوسيلة الأسرع لتحقيقها. وبالتالي خطف التأييد المسيحي للعماد عون لمصلحة الزعماء المدافعين عن الوجود المسيحي المهدد من الطائفة الشيعية».
ولترجمة هذا الكلام، يلفت إلى «تكثيف بعض أحزاب الأكثرية تحضيراتها منذ لحظة اغتيال غانم لخوض الانتخاب الفرعي، فيما تسترخي ماكينات المعارضة، كما سبق أن فعلت في المتن الشمالي. علماً بأن الموالاة تمسك بورقة مهمة هي تحديد الساعة الصفر لموعد المعركة».
وتضيف مصادر في المعارضة، إلى ذلك، أن «الأكثرية، لن تدعو الهيئات الناخبة قبل اطمئنانها إلى فوزها في المعركة أو تحقيقها على الأقل خرقاً مسيحياً كبيراً يثبت كلامها عن تراجع شعبية العماد عون، كما لن تقدم على هذه الخطوة قبل اتفاق أقطابها على مرشح يخوض المعركة باسم 14 آذار مجتمعة».
وعلى غرار ما حصل في «فرعية» المتن، يؤكد القيادي الكتائبي العريق جوزف أبو خليل أن الحق بتسمية المرشح يعود لحزب الكتائب وحده، مشيراً إلى تنسيق الحزب مع حلفائه، وإصراره على ترشيح أحد الكتائبيين من أبناء المنطقة. ويعزو سبب تلكّؤهم في المطالبة بدعوة الهيئات الناخبة إلى «ازدحام الاستحقاقات، وعدم الرغبة بمشكلة إضافية تعمّق الشرخ القائم».
وفيما يبرز وسط كتائبيي المتن الجنوبي اسم ناجي بطرس، الذي طرح اسمه بقوة في الانتخابات النيابية الماضية، قبل أن يحسم الرئيس أمين الجميل بالتنسيق مع رئيس النائب وليد جنبلاط أمر ترشيح غانم، وبموازاة الحركة الكتائبية التي ما تزال خجولة رغم تأليف الكتائب لجنة لمتابعة هذا الموضوع، وإيعاز قيادة الحزب إلى لجان البلدات ببدء التحضير للانتخابات، تبدو ماكينة «القوات اللبنانية» أكثر نشاطاًً. ويتحدث «القواتيون» في ما بينهم عن حقّهم بترشيح نادي غصن، ابن منطقة الشياح، تعويضاً لخسارتهم مقعد النائب السابق إدمون نعيم لمصلحة التوافق على النائب بيار دكاش.
وتبدي ماكينة «القوات» حماسة استثنائية وسط تأكيد الناشطين على رغبتهم بخوض المعركة «وخصوصاً أنها ستكون ضد مناصري حزب الله ومؤيديه، سواء في الضاحية والشياح، أو في بعض البلدات المسيحية، حيث ينتشر العونيون». ولا يرى بعض القواتيين أن ترشيح «قواتي» سيسبب إشكالاً مع حزب الكتائب «الذي خرج منهكاً من انتخابات المتن»، قائلا إن الأمر «سيجري بالتنسيق مع الكتائب».
وبموازاة ذلك، تُظهر ماكينة الحزب التقدمي الاشتراكي جديّة أكبر في التعاطي. إذ أنجز التقدميون لوائح المغتربين «الذين تهمهم زيارة أهلهم خلال أسبوع الانتخابات»، كما بدأوا جمع الأوراق لتجهيز البطاقات الانتخابية لمن فقدها أو ينتخب للمرة الأولى». ويصرّ أنصار التقدمي على أن الكلمة الفصل لهم في اختيار مرشح الموالاة. وكشف بعضهم أن «وليد بيك» يتمسك بترشيح النائب السابق صلاح حنين.
في المقابل، تبدو ماكينات المعارضة غارقة في نوم عميق. ويؤكد ناجي غاريوس، مرشح التيار الوطني الحر عام 2005، أن الخيار ينحو باتجاه التوافق مع حزب الكتائب، «آخذين في الاعتبار حساسية المرحلة ووجود استحقاقات أهم من ملء مقعد نيابي شاغر».
كذلك تبدو ماكينة «حزب الله» غير معنية بالمعركة، ولكن لسبب آخر، هو أنه إذا قرر حليفه المسيحي خوض المعركة من دون أن يوقّع رئيس الجمهورية مرسوم دعوة الهيئات الناخبة، كما حصل في انتخابات المتن، فسيكون أمام مفارقة حقيقية بعد امتناعه عن المشاركة في انتخابات بيروت الفرعية بذريعة أن الرئيس لم يوقِّع مرسوم الدعوة إلى إجرائها.
ولكن الأمر المحسوم في كل ذلك، هو المرشح السابق عن مقعد بعبدا بيار الحشاش، الذي أبلغ المعنيين إصراره «على منع التوافق»، كما فعل إثر وفاة النائب نعيم والتوافق حينها على بيار دكاش، ما يعني أن أي توافق آخر لن يلغي المعركة.