نقولا ناصيف
لخصت مصادر دبلوماسية واسعة الاطلاع ومعنية بدول الترويكا الأوروبية التي أجرى وزراء خارجيتها، الفرنسي، الإيطالي والإسباني، محادثات في بيروت تناولت مصير الاستحقاق الرئاسي، نتائجها في المعطيات الآتية:
1 ـ أكد الوزراء برنار كوشنير وماسيمو داليما وميغل أنخل موراتينوس لمحاوريهم اللبنانيين أنهم لا يفكرون في السيناريوات البديلة، وأخصّها سيناريوات المواجهة، ويحضّونهم على ملاقاة المبادرات القائمة والاتفاق على إجراء انتخابات رئاسية في أسرع وقت ممكن. يرون في انتخاب رئيس جديد للجمهورية بنصاب النصف الزائد واحداً حلاً مفضّلاً، وكذلك التلويح بالفوضى وتأليف حكومة ثانية. واعتبروا أن أياً من هذين الخيارين غير مقبول على الإطلاق. وأكد داليما لرئيس المجلس نبيه بري أن من الضروري الاستفادة من كل الوقت المتبقي من المهلة الدستورية لأنه بات ضيقاً ويمر بسرعة.
2 ـ تجنب الوزراء الخوض في موضوع النصاب القانوني لجلسة الانتخاب، وحاذروا وهم يتسلمون مذكرة المعارضة في هذا الشأن مناقشتها، مشيرين إلى أنهم غير معنيين بالمسائل الدستورية المطروحة بين اللبنانيين ولا بتفسيرها. وما دامت مثار جدال لبناني، فإنهم لن يطرقوا هذا الباب.
3 ـ في اللقاء الذي عقده الوزراء الثلاثة مع أركان الحوار الوطني في قصر الصنوبر على دفعتين، أولى استمرت أقل من ساعة حول طاولة مستديرة، وثانية إلى بوفيه استقبال الزعماء اللبنانيين، لاحظ الوزراء الأوروبيون فروقاً واسعة وحادة بين طرفي النزاع. ومع أن الشخصيات اللبنانية الـ14 التي تناوبت على الكلام حول الطاولة المستديرة لم تسهب في عرض كل آرائها نظراً إلى اكتفاء كل منها بخمس دقائق فقط، لاحظ الوزراء الأوروبيون أن أياً من الطرفين لم يستخدم لغة التهديد ومفرداتها على جاري مواقفهم الإعلامية. لم يقل ممثلو قوى 14 آذار إنهم ذاهبون إلى انتخاب رئيس بنصاب النصف الزائد واحداً، ولا لوّح ممثلو المعارضة بتدابيرهم الاحترازية وبتأليف حكومة ثانية. قالت الغالبية بتأييدها التوافق، لكنها اعتبرته صعب التحقيق بسبب استمرار الاغتيالات السياسية ووجود 40 نائباً محاصرين في فندق، وهو أمر مناف للحياة البرلمانية والديموقراطية، فيما عزت المعارضة المشكلة إلى محور واحد هو النصاب القانوني لجلسة الانتخاب.
وبدا أن كلاً من الفريقين تهيّب الموقف في مخاطبة الوزراء الثلاثة بما يمثلون. إلا أن الوزير مروان حمادة ورئيس الهيئة التنفيذية للقوات اللبنانية عبّرا ضمناً عن خطة فريقهما: الأول بقوله إن حلفاءه سيتحمّلون مسؤولية عدم حصول فراغ دستوري في رئاسة الجمهورية، والثاني إنه لا يعرف الأسباب التي تحمل المعارضة على استخدام الشارع والاعتصام في وسط بيروت على نحو غير شرعي لعرقلة إجراء الاستحقاق الرئاسي. وركّز الموالون على تشبّثهم بانتخاب رئيس جديد للجمهورية، وأنهم يريدون أن يمر هذا الانتخاب عبر البرلمان ووفق الأصول الدستورية.
واستخلص الوزراء الأوروبيون بعد اللقاء، تبعاً للمصادر الدبلوماسية الواسعة الاطلاع، أن التشنّج بين طرفي النزاع لا يزال على حاله رغم الهدوء الذي طبع اللقاء، فلم يخفوا قلقهم من أن الاستحقاق الرئاسي يقيم في دائرة الخطر، نظراً إلى انعدام الثقة بين قوى 14 آذار والمعارضة والذي يصطدم، في رأي الوزراء الثلاثة، بجدار الاغتيالات. على أنهم وسموا اللقاء بتفاؤل عزوه إلى أن اجتماع الشخصيات الـ14 يشكل في حدّ ذاته إنجازاً في ضوء القطيعة القائمة بينهم منذ أكثر من سنة.
4 ـ تفادى الوزراء الأوروبيون التكلم عن سوريا في محادثاتهم مع المسؤولين اللبنانيين وأركان الحوار الوطني، لكنهم أوضحوا لمحاوريهم اللبنانيين أنه بعد انقضاء 30 عاماً من الاحتلال السوري للبنان فإن من الطبيعي أن تكون ثمة آثار له، وأن على اللبنانيين أن يدركوا أن القرار في أيديهم وكذلك مصير بلادهم. وأسهب كوشنير في تناول هذا الجانب، مؤكداً أن فرنسا وإيطاليا وإسبانيا مستعدة للقيام بكل ما هو مطلوب منها من أجل انتخاب رئيس جديد للبنان.
إلا أن اجتماع وزراء الترويكا برئيس المجلس بدا حيوياً، وأثار برّي انتباههم واعتبره أحدهم «ظريفاً بين أصدقاء» عبر الحوار الذي دار بينه وإياهم. ورداً على سؤال وزير الخارجية الفرنسي عمّا يحمله إلى قوى 14 آذار، قال بري: «التوافق، التوافق والتوافق». لكن الوفد الأوروبي أكد لرئيس المجلس والشخصيات السياسية التي التقاها أن ثمة تلاعباً بالكلمات في معرض تعريف كل من الفريقين للتوافق، وقال الوزراء إنهم مع انتخاب رئيس في ظل أوسع توافق وطني ممكن ما داموا يعرفون أن من المتعذّر التوصل إلى إجماع كامل عليه. لكن الحديث عن التوافق، في رأيهم، ينبغي ألا يعني عرقلة إجراء الانتخابات الرئاسية من أي طرف أتت هذه العرقلة، بل بذل جهود مشتركة في سبيل إنجازها.
5 ـ لفت الوزراء الأوروبيون إلى أنهم متيقنون من أن رئيس المجلس ليس وحده صاحب قرار انتخاب رئيس جديد للجمهورية، على أهمية الدور الذي يضطلع به، لكنهم شددوا في المقابل على ضرورة حصول تقدّم في المشاورات التي تجريها بكركي، واعتبروا أن الحل يصير أكثر إمكاناً إذا نجح مسعى الكنيسة المارونية لدى الزعماء الموارنة لتحديد موقف موحّد من الاستحقاق. على أن بري أبلغ إليهم أن الحوار الذي يجريه مع رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري مستمر وينتظر نتائج جهود بكركي كي يتقدّم أكثر وينتهي. وعزا التباطؤ في التوصل إلى التوافق إلى أنه، والحريري، لا يريدان أن يبدوَا كأن المسلمين هم الذين يقررون بدلاً من المسيحيين استحقاق رئاسة الجمهورية. بدورهم، الوزراء الثلاثة أوضحوا أنهم ينظرون إلى انتخابات الرئاسة اللبنانية من خلال مبادرتي رئيس المجلس (وحواره مع الحريري) ومشاورات بكركي، ويعتبرانها أساساً لتحقيق التوافق الداخلي.
6 ـ أبلغ الوزراء إلى السياسيين اللبنانيين استعدادهم لمجيئهم مجدداً إلى بيروت في تشرين الثاني المقبل إذا طلبوا منهم ذلك لتشجيعهم على التوصل إلى الاتفاق. إلا أنهم لم يقدموا إلى محدثيهم اللبنانيين أفكاراً محددة تتصل باستكمال المبادرة الأوروبية. وبدا كوشنير، بحسب المصادر الدبلوماسية الواسعة الاطلاع، متشدداً في كلامه إلى أركان الحوار الوطني، مجتمعين ومنفردين، بالقول إن على المعارضة ألا تكتفي بالمطالبة بالتوافق، وكذلك على الغالبية أن لا تكتفي بالقول إن لها الحق في انتخاب مَن تريد لرئاسة الجمهورية، بل ينبغي للطرفين العمل على مواصلة الحوار والتفاهم.
واستناداً إلى ما لاحظته المصادر الدبلوماسية ذاتها، لم يخفِ الوزراء الثلاثة لاحقاً انزعاجهم من اضطرارهم إلى مخاطبة السياسيين اللبنانيين كما لو كانوا أطفالاً يتلقّون دروساً، إذ ألحّوا عليهم، مراراً، بتحمّل المسؤولية تفادياً لإغراق لبنان في الفوضى. وأكدوا لهم ضرورة أن يتحمّل فريق 14 آذار والمعارضة معاً المسؤولية، كلٌّ من موقعه، وإيجاد الحل الملائم للتوافق.