بسام القنطار
لأول مرّة في لبنان والشرق الأوسط، يُعمل على دراسة المكونات الجوّية البيولوجية، وخاصة اللقاحات المتأتية من الأشجار والأعشاب بعدما لوحظ في الآونة الأخيرة تزايد حالات الحساسية عامة، والأنفية خاصة في لبنان ضمن جميع الفئات العمرية

«اعتاد اللبنانيون تصنيف عوارض سيلان أو انسداد الأنف والعطس... بأنها عوارض رشح بسيطة، إلا أنها قد تخفي حساسية في الأنف وقد تستمر عوارضها أو تتفاقم على فترات موسمية أو بشكل مستديم خلال السنة». الكلام للدكتورة رويدا الدانا التي تعمل في قسم الأبحاث في شركة «شيرينغ بلاو»Schering Plough التي أطلقت بالتعاون مع وزارة الصحة اللبنانية وأخصائيين فرنسيين من الشبكة الوطنية للمراقبة الجوية Réseau National de Surveillance Aérobiologique France وأخصائيي الجمعية اللبنانية لأمراض الحساسية والمناعة، دراسة هي الأولى من نوعها في المنطقة تهدف إلى تحديد تأثير اللقاحات النباتية على الإصابة بالحساسية الأنفية في لبنان.
وبحسب الدانا فإن الحساسية يمكن أن تُؤثر على نشاط المريض وقدرته على النوم في الليل أو التركيز على عمله أو دراسته خلال النهار، ما قد يؤدي إلى غياب عن العمل أو الدراسة كما يزيد المصاريف الطبية الاستشفائية والدوائية.
وتشير الدراسات إلى أن واحداً من خمسة أشخاص في العالم يعانون يعاني حساسية في الأنف. وتتوقع الإحصاءات المستقبلية للحساسية عامة، بحسب دراسات منظمة الصحة العالمية، تحسس شخص من أصل اثنين في عام 2020.
وفي حديث خاص بـ«الأخبار» توقعت الدانا استمرار دراسة تأثير اللقاحات النباتية على الإصابة بالحساسية الأنفية في لبنان لمدة ثلاث سنوات، سيتم خلالها نشر النتائج بشكل دوري وكشف كثافة اللقاحات بحسب المناطق، من خلال نشر تقارير تفصيلية عنها تباعاً.
وقد أظهرت بعض النتائج الأولية للدراسة في بيروت وجود أكثر من عشرة أنواع من اللقاحات على الأقل خلال السنة، وأغلبها ناتج من الأشجار، وبالأخص شجر الزيتون الذي كانت أعلى نسبة انتشار للقاحه في شهر نيسان.
البارز في تلك الدراسة أن اللقاحات علت نسبتها في أواخر الخريف وأوائل الشتاء، ما يؤكد ضرورة متابعة الموضوع على مدار فصول السنة، إذ بدا أن الربيع لم يعد حكراً على انتشار اللقاحات. فنتيجة للاحتباس الحراري، الذي بات يشكل الظاهرة البيئية الأكثر خطورة في العالم، فإن لقاحات الأشجار تنمو في غير أوقاتها المحددة، الأمر الذي لا يجعل من خريف لبنان «صيفاً ثانياً» بحسب المثل الشعبي الشهير، بل «ربيعاً ثانياً»، حيث يمكن ملاحظة تفتح أزهار اللوز وغيرها من الأشجار المثمرة في بداية شهر تشرين الثاني.
لذلك، يمكن الجزم بأن الاحتباس الحراري العالمي أثّر في اختلاف مدة بروز حبيبات الطلع وموعدها مقارنة بالنتائج منذ عشرين سنة، وبالتالي زاد من عوامل إصابة الناس بالحساسية، حيث تشير التقديرات إلى أن 20ـــــ30% من اللبنانيين مصابون بالحساسية.
وبحسب الدكتورة كارلا عيراني، الأخصائية في أمراض الحساسية والربو والمناعة، والمسؤولة عن مركز مراقبة حبيبات الطلع في مستشفى حمود في صيدا، فإن النتائج التي ستُعلَن في نهاية العام الحالي من شأنها أن تحدد الكثير من العوامل التي تؤثّر في صحة الناس وتسبّب لهم الأمراض. وذلك من شأنه أن يشكل نقطة انطلاق الإجراءات التي تتخذ لمصلحة الصحة العامة والطب الوقائي.
وتؤكد عيراني أن «عملية رصد حبيبات اللقاح المنتشرة في مختلف المناطق اللبنانية يساعد الأطباء في التشخيص والعلاج، بل وفي تنبيه المرضى وتقديم الوسائل الوقائية، وبالتالي خفض التكلفة العلاجية. وتختلف نسب حبيبات اللقاح كلّ سنة عن التي سبقتها، ويختلف كلّ بلد عن الآخر باختلاف أنواع الأشجار ومواسم تلقيحها. فما من روزنامة عالمية محدّدة لحبيبات الطلع».
وتضيف: «اليوم أصبح الطاقم الطبي يضمّ عشرة تقنيين وأخصائيين يعملون على جميع الأراضي اللبنانية من الجنوب حتى الشمال برعاية وزارة الصحة وبالتعاون مع الأخصائيين الفرنسيين، ونحن نطمح إلى تأسيس شبكة وطنية في لبنان للمراقبة الجوية لكي تعنى بمراقبة الطلع وأثره على صحة الإنسان على غرار مصلحة الأرصاد الجوية التي تعنى بأحوال الطقس».
تجدر الإشارة إلى أن مشروع علم المسببات اللقاحية النباتية للحساسية ينفذ في مستشفى الجامعة الأميركية في بيروت و مستشفى حمّود في الجنوب و جامعة البلمند في الشمال والجامعة الأميركية فرع الزراعة في البقاع على رصد اللقاحات في جميع هذه المناطق من خلال أجهزة متطورة مختصّة. وقد بدأت النتائج تُسجّل على الصعيد الوطني بدأً من أيلول 2007 و سوف يُعمل على نشر تقارير تفصيلية عنها خلال سنة 2008.