strong> راجانا حميّة
قد يكون من المفيد طرح «المواطنية السياسية» في هذه الفترة الحرجة التي يمرّ بها لبنان على مختلف الصعد ولا سيّما السياسيّة، وهذا هو عنوان الورشة الأولى التي نظّمها برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي (UNDP)، برعاية وزير التربية والتعليم العالي خالد قباني، في إطار التحضير لإصدار التقرير الوطني للتنمية البشريّة «نحو دولة المواطن».
والواقع أنّ مفهومي الوطن والمواطن لا يزالان دون مرحلة النضج. وقد زاد من تفلّت «المواطنين» في لبنان من مواطنيتهم أمور كثيرة تبدأ بسيطرة الطوائف والطائفيّة على المصير وتنتهي بالقوانين الرسميّة التي تكرّس وتحمي المنطق الطائفيّ والمذهبي. وفي هذا المضمار، تسعى الـUNDP، إلى صياغة «دولة المواطن» على أسس جديدة تخالف ما أرسته ضغائن الحروب التي تعاقبت على لبنان، ليس آخرها حرب الخمسة عشر عاماً الأهلية... و«البروفة» السياسيّة التي تجرى الآن. غير أنّ ما تناسته المؤسّسة الدوليّة في معالجتها للموضوع الوطني أن تجمع، في ظلّ الأزمة الوطنية الحالية، أقطاباً من مختلف الأطراف اللبنانيّة ليأتي التقرير وطنياً، إن وُلد.
بداية، تطرّق الدكتور أحمد بيضون إلى بعض مواد الدستور، لا سيّما المادّة 95 وبحثها في «المرحلة الانتقاليّة» الآيلة إلى إلغاء الطائفيّة السياسيّة، معتبراً أنّ هدف المادّة في تحرير عضويّة مجلسي النوّاب والوزراء وولاية الوظائف العامّة جميعاً من القيد الطائفي لم ينجح في الخروج من الانتقاليّة إلى حيّز التنفيذ رغم مرور 27 عاماً على الاعتراف بها من ضمن الدستور. وكذلك بحث في حريّة المعتقد الديني وحرّية التعليم وقانون الجنسيّة والميثاق الوطني الذي وإن ساهم في شيء، ساهم في توسيع خانة الطوق الطائفي. واقترح بيضون تعزيز القانون المدني والاختياري للأحوال الشخصيّة، إضافة إلى التقسيم الإداري الجديد للبلاد الذي يرفع إلى الضعف عدد المحافظات الحالي ويراعي الحفاظ على الاختلاط الطائفي، وكذلك استبقاء قواعد إقليميّة للطوائف الكبرى، على أن يجري صياغة قانون انتخابي جديد يغيب عنه التوزيع الطائفي للمقاعد وتأتي الدوائر الانتخابيّة مطابقة للمحافظات الجديدة وتعتمد على القاعدة النسبيّة.
ورأت المحامية ماري روز زلزل في مداخلتها عن الهويّة العامّة والخصوصيات ودور الدولة في قوانين الأحوال الشخصيّة أنّ الهويّة الطائفيّة منعت المواطن اللبناني من حريّة الاختيار، منتقدة «الحياد» الذي تمارسه الدولة في قانون الأحوال الشخصيّة. ودعت إلى إقرار النظام المدني وتوحيد القضاء وإقرار محكمة حقوق الإنسان واجتهاد وتعزيز حرّية المعتقد.
أمّا زياد ماجد، فطالب بتكثيف الحملات الوطنيّة حول قضايا محدّدة تنظّمها قوى المجتمع المدني لتشكيل كتلة ضغط واستخدام وسائل الإعلام الوطنيّة والمحليّة لنشر الوعي والمشاركة في عمليّة الضغط، إضافة إلى تشكيل لجان مشتركة في المناطق تضمّ ممثّلي الجمعيات والهيئات والأحزاب ومراكز الدراسات بهدف وضع سياسات عامّة متوازنة وعادلة، وإنشاء المراصد السياسيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، وإعداد البرامج المدرسيّة والأنشطة الجامعيّة من خلال إثارة اهتمام الطلّاب بقضايا الشأن العام.
وسعى سامر فرنجيّة إلى تسليط الضوء على المادّة 95 عبر إعادة العمل على إلغاء الطائفية السياسية وفق الخطة المرحلية، وإلغاء قاعدة التمثيل الطائفي واعتماد الاختصاص والكفاءة في الوظائف العامّة والقضاء والمؤسسات العسكرية والأمنية والمؤسسات العامة والمختلطة وفقاً لمقتضيات الوفاق الوطني، باستثناء الفئة الأولى.
وفي ما يتعلّق بارتباط الإعلام بالديموقراطيّة والمجتمع المدني والمواطنيّة، رأى الدكتور ملحم شاوول ضرورة إلغاء عقوبة الإقفال والسجن من قانون المطبوعات بحق العاملين في الإعلام واستبدالها بالغرامة المالية فقط، وتحديد مهمّة النقل المباشر، للتخفيف من مشاهد العنف التي تغزو الإعلام بقوّة.. أمّا الزميل وسام سعادة فتطرّق إلى لبنان بين الوصايات التي تمارس عليه ولبنان الذي يقف على مفترق الطرق وسط الانهيارات والاغتيالات والانقسامات السياسيّة والتدخّلات
الخارجيّة.