غسان سعود
توقّعات بـ {وقع مدوّ} للقاء مع جنبلاط والاجتماع مع الحريري يخاطب {حسّه التوافقي}

ما هو سرّ هذه السرعة القياسية في إعادة وصل ما انقطع بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب العماد ميشال عون مع أكثر من فريق وقطب في الموالاة. وتؤكد تؤكد المعلومات أن الرئيس أمين الجميل لم يكن أولهم، ورئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري لن يكون آخرهم؟ وكيف انفتحت فجأة الأبواب المغلقة ولانت المواقف وحلّ الانفتاح على الوفاق والمصالحة مكان اللوم والعتاب والتشنج وتبادل التهم؟
المطلعون على مجريات الأمور، يرفضون كلمة «فجأة»، ويشرحون أن «السر» هو بكل بساطة ماكينة التيار الوطني الحر التي استطاعت خرق الجمود القائم في العلاقات السلبية بين عون ومعظم أقطاب الموالاة، بعدما عملت «بدأب استثنائي على التحضير لما حصل بسرعة فعلاً».
و«القطبة المخفية» في ذلك، بحسب هؤلاء، هي محافظة التيار رغم الحملة الشرسة عليه إثر تفاهمه مع «حزب الله» على قنوات اتصال «جدية رغم هامشية بعضها» مع معظم الأفرقاء. فمع حزب الكتائب، مثلاً، كان آلان عون وميشال دو شادرفيان من التيار قد عملا وجوزف أبو خليل وكريم بقرادوني من الكتائب، على صياغة ورقة تفاهم مشترك شبيهة بتلك التي انتدب التيار جبران باسيل وزياد عبس لإنجازها مع «حزب الله»، لكن توقيع الأخيرة أزّم العلاقة بين التيار والكتائب انسجاماً من الأخير مع حملة «الأكثرية» النيابية ضد هذا التفاهم.
ورغم التصعيد المتبادل، حافظ آلان عون على اتصاله الوثيق ببقرادوني، ونجحا بعد اغتيال الوزير بيار الجميل في الحد من التشنج، عبر دفع الرئيس أمين الجميل صوب تصريحه الشهير الذي دعا فيه إلى التهدئة. ثم اجتمع في مؤتمر سان كلو، ممثلا «التغيير والاصلاح» النائب إبراهيم كنعان وسيمون أبي رميا مع ممثلي الكتائب النائب الراحل أنطوان غانم وسليم الصايغ. وبدا واضحاً في مداولات المجتمعين التقارب الكبير في وجهات النظر بين الكتائبيين والعونيين، وخصوصاً في اقتراحهما المشترك حول «الضمانات المتبادلة»». ومهد هذا التلاقي لاجتماع بعد انتخابات المتن الفرعية في منزل كنعان ضم إليه، آلان عون والصايغ وأحد أفراد عائلة الرئيس الجميّل، ونتج عنه اجتماع سري بين الأخير وآلان عون في منزل سامي مارون، وهو صديق للجميل ويحظى بثقة العماد عون أيضاً، تم خلاله الاتفاق على نقاط عدة، ثُبِّتت لاحقاً في حضور كنعان والصايغ و«شيخي صلحة» إضافيين.
... كل هذه اللقاءات السرية جداً مهدت للقاء الشهير بين عون والجميل، علماً بأن «فاضحي الأسرار» يؤكدون أن المجتمعين انتهوا الأحد الماضي إلى الاتفاق على انتداب شخصين يكثفان التداول بمختلف الملفات للوصول إلى مزيد من النقاط المشتركة. وتعهد المجتمعون بأن يحافظ «مهندسو التفاهم» على السرية المطلقة في العمل من منطلق أن معرفة بعض الفرقاء بتفاصيل العلاقة بين الكتائب والتيار ستدفعهم إلى بذل كل جهدهم لإعاقة التلاقي ودفع الأمور صوب التصادم مجدداً.
وعن نتائج «لقاء القمة»، يرى أحد قياديي الكتائب أنه يعطي ضمانة داخلية لتجنيب المجتمع المسيحي أي توتر إضافي ويمهد لمرحلة جديدة بين التيار والكتائب، مشيراً إلى إقرار الكتائب بأن ثمة تهميشاً مستمراً للمسيحيين يفترض إيقافه. ورأى أن اللقاء في جانبه السياسي طبيعي، وسط جهود الجانبين منذ سنتين ليكونا في موقع وسطي يقاربان منه ملفات العلاقة اللبنانية ـــــ السورية و«حزب الله» والتعاطي مع القرارات الدولية. لافتاً إلى وجود رأي عام كتائبي ضاغط يرفض دفع الحزب ثمن سياسات غيره، دون أن يجني شيئاً في المقابل.
وبدوره، يوضح كنعان أن الاجتماع كرّس قناعة الفريقين بأن استعادة دور المسيحيين لا يمكن أن تبدأ إلا باستعادة المسيحيين لدورهم الفاعل من خلال الرئاسة الأولى عبر رئيس قوي لديه قاعدة تمثيلية شعبية ونيابية كبيرة. وأمل في تطور التفاهم بين التيار والكتائب لصياغة رؤية مشتركة للقضايا السيادية (القرارات الدولية، الملف السوري، المخيمات الفلسطينية، سلاح حزب الله) ووضع رؤية مسيحية لإعادة إنتاج سلطة ديموقراطية.
وفيما يتجنب قياديو التيار والكتائب القول بأن اللقاء قطع الطريق على استفادة قوة مسيحية ثالثة من التشنج القائم بينهما لتعزيز وضعها فيما هما يتقاتلان، يرى القيادي الكتائبي أن المشترك بين الكتائب والتيار أكثر بكثير مما هو بين الأخير و«القوات»، والقواعد الكتائبية ـــــ العونية مستعدة له أكثر من القواعد العونيّة ـــــ القواتية بكثير أيضاً. ويكشف هذا الكتائبي المحنك عن سر يسهِّل التفاهم بين عون والجميل ويعوقه بين عون ورئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع «عنوانه رئيس تيار المردة سليمان فرنجية. فالجميل عكس جعجع مستعد للجلوس مع فرنجية الذي لا يذهب التيار إلى أية نقاشات جدية من دون موافقته المسبقة».
وفي سياق الانفتاح العوني على أقطاب الأكثرية، بدعم وتشجيع من معظم أقطاب المعارضة، نجح الفريق العوني المكلف التنسيق مع قياديي الحزب التقدمي الاشتراكي في تحقيق خرق كبير أمس، تقول مصادر في التيار إن أثره سيكون مدوياً في البيان العوني ـــــ التقدمي الذي يفترض توزيعه بعد لقاء زعيمي التيار والاشتراكي قريباً.
وبين اللقاء الذي تم مع الجميل والمنتظر مع وليد جنبلاط، فإن ترتيبات اللقاء بين رئيسي كتلتي المستقبل والتغيير والإصلاح قد انتهت. وكان للنائب السابق غطاس خوري الدور الأساسي فيها من جهة الحريري، فيما كلف عون أقرب القياديين منه وأكثرهم مرونة مهمة التحاور مع «المستقبل». وتقول مصادر التيار إن اللقاء سيغلِّب أولاً مبدأ التلاقي على سياسة التباعد، وسيسمح للقطبين بالتوضيح لبعضهما البعض مخاطر عدم الاتفاق من جهة وفوائد الاتفاق من جهة أخرى. مؤكدة «أن الجنرال، الذي لا يحسن التعبير عبر الإعلام، سيحاكي عن قرب الحس التوافقي عند النائب الحريري بما ينتج ازدهاراً واستقراراً». وتضيف هذه المصادر الموثوقة «ان حوار القياديين خرج عن قلة إنتاجيته المعهودة، ودخل الفرقاء في البحث عن رئيس لديه القدرة على طرح حل وتسويقه».
وفي انتظار انقشاع الصورة أكثر، وبموازاة تكثف الاتصالات السياسية بين التيار ومختلف الأفرقاء، يقول الخارجون من صالون عون في الرابية، إن ثمة ابتسامة داخلية لا تفارق وجهه هذه الأيام، وهو يكتفي بالترداد أمام زواره أن ما يحصل «هو الأمر الطبيعي بعينه، إذ لا يعقل مهما بلغ الاختلاف السياسي أن يصل إلى حد القطيعة». من دون أن ينسى الإشارة إلى المعنيين «أن المطلوب اليوم ترجمة التهدئة السياسية بتهدئة شعبية توقف التقاتل والتزاعل بين المواطنين لأسباب تافهة».