بسام القنطار
التغيرات المناخية أبرز التحديات العالمية والنزاعات المسلحة مصيبة المنطقة العربية

يطلق برنامج الأمم المتحدة للبيئة والجامعة الأميركية في بيروت اليوم تقرير توقعات البيئة العالمي جيو ـ 4 تحت عنوان «البيئة من أجل التنمية».
وقد تم اختيار بيروت من بين 40 مدينة من مختلف أنحاء العالم والمدينة الثانية في المنطقة لإطلاق التقرير، حيث تم أمس إطلاق التقرير في مدينة أبوظبي، على أن يتم إطلاقه من دمشق في الثامن والعشرين من الشهر الجاري.
ويعدّ هذا التقرير من التقارير الهامة التي يصدرها برنامج الأمم المتحدة للبيئة عن حالة البيئة العالمية، وهو تقويم الحالة الراهنة للمناخ العالمي والأرض والمياه والتنوع البيولوجي.
ولقد أعد تقرير التوقعات البيئية العالمية جيو ـ 4 نحو 390 خبيراً، وراجعه أكثر من 1000 خبير آخر في شتى أنحاء العالم، واستغرق إعداده سنتين. كما شارك في إعداده 159 خبيراً حكومياً يمثلون 48 دولة.
الدكتور رامي زريق، مدير برنامج العلوم البيئية في الجامعة الأميركية في بيروت الذي ترأس الفريق اللبناني المشارك في إعداد التقرير أكد لـ«الأخبار» أن الفريق عمل على الفصول العامة في التقرير التي تعنى بمختلف قضايا البيئة، مع التركيز على القسم المتعلق بمنطقة غرب آسيا، وعقد على مدى سنتين اجتماعات دورية».
ونوّه زريق بتميز جيو ـ 4 عن التقارير السابقة من خلال ربطه بين التنمية ورفاهية الإنسان والبيئة باعتبارها الحاضن لكل الأنشطة البشرية، وتشكل حمايتها واستدامة توازنها وتنميتها أساس استمرار الإنسانية».
ورأى زريق «أن المسار الطويل والمعقّد لصياغة التقرير ومراجعته وإقراره يضمن الخروج بمعلومات علمية وذات جودة من الناحية المعرفية. ولكن من سلبيات هذا المسار أنه يجعل هذه المعلومات في بعض الأحيان خارج النسق الزمني لوقوع الأحداث». ويعطي زريق مثالاً على ذلك «عدم شمول التقرير كارثة التسرب النفطي التي حلت بشاطئ البحر المتوسط جراء العدوان الإسرائيلي في تموز 2006 وذلك لأن الفريق اللبناني أنهى العمل على التقرير قبل ذلك التاريخ».
ويأتي نشر تقرير جيو ـ 4 بعد عقدين من نشر اللجنة العالمية المعنية بالبيئة تقريرها الشهير (تقرير برونتلاند) المعروف باسم «مستقبلنا المشترك» الذي شكل الخطوة الأولى باتجاه «وضع التنمية المستدامة على جدول أعمال الحكومات وأصحاب المصلحة». ويقدر تقرير جيو ـ 4 الطلب على الموارد الطبيعية الآن بنحو 22 هكتاراً للشخص الواحد. في حين أن القدرة الاستيعابية البيولوجية لكوكب الأرض تتراوح بين 15 و16 هكتاراً للشخص الواحد. ويشير التقرير إلى أن هناك اختلافاً كبيراً وواضحاً لـ«البصمة البيئية» بين الدول في مختلف أنحاء العالم وحتى بين الدول داخل الإقليم نفسه.
ومن التحديات التي تناولها التقرير، والتي يمثل بعضها أهمية للبنان والمنطقة، أن أكثر من مليار شخص في آسيا بات معرضاً الآن إلى مستويات تلوث الهواء في الهواء الخارجي أعلى من المبادئ التوجيهية التي حددتها منظمة الصحة العالمية والتي ترتبط بالتسبب بالوفاة المبكرة لحوالى 500 ألف شخص سنوياً.
وبحسب التقرير، انخفضت كمية المياه العذبة المتوفرة في غرب آسيا للشخص الواحد في السنة من 1700 متر مكعب في الثمانينات إلى حوالى 907 أمتار مكعبة. ومن المتوقع أن ينخفض إلى 420 متراً مكعباً بحلول عام 2050 بالإضافة إلى أن الحروب والصراعات قد زادت أعداد اللاجئين والمشردين داخل غرب آسيا إلى نحو أربعة ملايين.
ويلفت التقرير إلى أن نحو 64 في المئة من مساحة آسيا هي أراض جافة ومعرضة للتدهور. وتتم زراعة ما يزيد بالكاد على 8 في المئة من الأرض. وبالنسبة للغابات، يشير التقرير إلى أنها تشغل 1.34 في المئة (5.1 ملايين هكتار) من مساحة إقليم غرب آسيا، وهو ما يقل عن 0.1 في المئة من إجمالي مساحة الغابات في العالم.
ويشير التقرير إلى بعض النجاحات في المنطقة، ومنها سن التنظيمات البيئية والانضمام إلى الاتفاقات البيئية المتعددة الأطراف، إضافة إلى تجارب ناجحة وخصوصاً في مجال إدارة الموارد وإعادة تأهيل مستنقعات وادي الرافدين في العراق والحفاظ على أنواع القمح المحلي في الأردن وسوريا.
ويبرز التقرير التوقعات البيئية بالنسبة لإقليم غرب آسيا التي اعتبرها التقرير «حقائق أساسية» وذلك في مجال الغلاف الجوى، التلوث، الغذاء، التنوع البيولوجي والمياه.
وذكر التقرير أن هناك دليلاً واضحاً على آثار تغيير المناخ وتوافقاً في الرأي على أن الأنشطة البشرية كانت حاسمة في حدوث هذا التغيير. وأن متوسط درجة حرارة العالم ارتفع بحوالى 0.74 درجة منذ عام 1906. وأفضل تقدير للارتفاع في هذا القرن من المتوقع أن يتمثل في زيادة أخرى تتراوح بين 1.8 و4 درجات مئوية.
وعن التلوث، ذكر التقرير أن هناك أكثر من 50 ألف مركب كيماوي مستخدمة تجارياً، وتضاف إليها مئات أخرى سنوياً. والمقدر أن يزيد الإنتاج الكيماوي العالمي بنسبة 85 في المئة في العشرين سنة المقبلة. ويسبب التعرض للمخاطر البيئية نحو ربع الأمراض جميعها. ويقدر أن أكثر من مليوني شخص على النطاق العالمي يموتون قبل الأوان في كل عام من جراء التلوث داخل المباني وفي الهواء الطلق.
ويقدر التقرير الخسارة في الإنتاج الزراعي العالمي الإجمالي من جراء آفات الحشرات بنحو 14 في المئة. ويتسبب استخدام الأراضي غير المستدام في تدهورها وهو تهديد في مثل خطورة تغيير المناخ ونفاد التنوع البيولوجي وهو يؤثر على ما يصل إلى ثلث سكان العالم من خلال التلوث وتآكل التربة، ونضوب المغذيات، وندرة المياه والتملح واضطراب الدورات الإحيائية.
ويؤكد التقرير أن نحو 90 في المئة من خدمات النظم البيئية التي جرى تقويمها تعتبر متدهورة أو تستخدم بطريقة غير مستدامة، كما انخفضت أعداد فقريات المياه العذبة في المتوسط بنحو 50 بالمئة من 1987 إلى 2003 على نحو أسرع كثيراً من الأنواع البرية والبحرية.
وبالنسبة للمياه فإن نحو 3 ملايين نسمة يموتون سنوياً في البلدان النامية بسبب الأمراض التي تنقلها المياه، معظمهم دون الخامسة من العمر. ويقدر أن 26 مليار نسمة يفتقرون إلى خدمات الصرف الصحي المحسنة. وبحلول عام 2025 من المتوقع أن ترتفع بنسبة 50 في المئة في البلدان النامية و18 في المئة في العالم المتقدم.
ويعترف تقرير جيو ـ 4 بأن التكنولوجيا يمكن أن تساعد في تقليل معاناة الناس من الضغط على البيئة، لكنه يشير إلى أن هناك حاجة أحياناً إلى «تصحيح نموذج التنمية المتمركزة على التكنولوجيا».
ويركز تقرير جيو ـ 4 على موضوع التغيرات المناخية وما نتج عنها من كوارث عالمية ملموسة، حيث إنها أصبحت تشكل أبرز التحديات البيئية التي يعانيها العالم في هذه الفترة.
كما يفند التقرير التغيرات البيئية التي حصلت في كل من أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ وأوروبا وأميركا اللاتينية والبحر الكاريبي وأميركا الشمالية وغرب آسيا، وصولاً إلى المناطق القطبية. وفي القسم الخاص بغرب آسيا، يلفت التقرير إلى أن النزاعات والحروب تركت آثاراً واضحة على البيئة في المنطقة. ولكن من الملاحظ أن التقرير يتجاهل تماماً الاحتلال الإسرائيلي باعتباره من الأسباب الرئيسية لاستمرار النزاع في المنطقة. ويصف التقرير العدوان الإسرائيلي على لبنان بعبارة «نزاع 2006» دون أي إشارة إلى إسرائيل.
ويصدر تقرير التوقعات البيئية العالمية مرة كل خمس سنوات.
وقد تم إصدار ثلاثة تقارير متسلسلة لتوقعات البيئة العالمية. الإصدار الأول تم طرحه في عام 1997. أما التقرير الثاني «توقعات البيئة العالمية 2000» فقد تم طرحه في عام 1999. والتقرير الثالث تم طرحه عام 2002 وذلك قبيل القمة العالمية للتنمية المستدامة التي عقدت في مدينة جوهانسبرغ.