strong>رشا حطيط
في قرار قضائي غير مسبوق، أصدر القاضي فوزي خميس، بوصفه ناظراً
في قضايا الأحداث، قراراً أوقف بموجبه تنفيذ حكم صادر عن محكمة شرعية، معتمداً على إطلاقية قانون حماية الأحداث، وعلى تقارير طبية علمية

في خطوة قضائية هي الأولى من نوعها، أصدر القاضي المنفرد الجزائي في بيروت، الناظر في قضايا جنح الأحداث، القاضي فوزي خميس قراراً، أول من أمس، أوقف بموجبه تنفيذ حكم صادر عن المحكمة الشرعية السنية العليا يقضي بنقل فتاة قاصر من عهدة والدتها إلى والدها. وقضى قرار الرئيس خميس بوضع الفتاة تحت مراقبة اختصاصي نفسي بإشراف مندوبة الأحداث الاجتماعية، وتقديم تقرير دوري له.
القرار الأخير أتى مصادقاً لقرار سابق مماثل صادر عن القاضي خميس يوم 11/9/2007، ويقضي بوقف تنفيذ حكم المحكمة الشرعية العليا الصادر يوم 21/2/2007. وكان والد الفتاة قد تقدّم يوم 8/10/2007 بطلب رجوع عن القرار المذكور، عارضاً أن المحكمة الشرعية السنية العليا أصدرت حكماً نهائياً وقطعياً قضى بإلزام الأم سوزان ح. بتسليمه ابنتهما القاصر في نهاية حزيران 2007. وأدلى الوالد في طلبه «بأن محكمة الأحداث غير مختصة للنظر بأية مشكلة تنفيذية تتعلق بحكم المحكمة الشرعية، وأن قرار وقف التنفيذ يعدّ مخالفاً لأحكام القانون. وطلب الوالد وقف تنفيذ القرار الصادر عن القاضي خميس يوم 11/9/2007 لعدم الاختصاص، ولانتفاء الضرر الممكن حدوثه للطفلة.
وكان القاضي خميس قد عيّن طبيباً اختصاصياً في الطب النفسي لمعاينة الفتاة وتقديم تقرير مفصّل عن حالتها. ويوم 11/11/2007، قدّم الطبيب تقريره مدرجاً حالة القاصر في خانة «اضطراب قلق الانفصال مع حال اكتئاب». وذكر القاضي أن الفتاة «تترجم خوفها من الابتعاد عن والدتها بالبكاء المتواصل والقلق والغضب والاكتئاب والإحباط والحزن الشديد».
ونقل القرار القضائي عن تقرير الطبيب النفسي «أن الطفلة القاصر تجد الراحة النفسية والطمأنينة والاستمرار في منزل والدتها، ولم يثبت وجدود أي ضرر أو خطر يصيب الطفلة أثناء وجودها في كنف والدتها، بل إن هذه الاخيرة تبذل كل ما بوسعها لتوفير البيئة الصحيحة لنشأة طفلها، وتربيبتها، فضلاً عن أن العوارض النفسية السيئة التي تتعرض لها الطفلة ناتجة بوضوح من خوفها من الانتقال الى منزل والدها».

في القانون

من الناحية القانونية، رأى القاضي خميس أن المسألة تدخل في نطاق اختصاص القاضي الناظر بقضايا الأحداث، والمنظم بموجب قانون حماية الأحداث (422/2002)، لا سيما في ما يتعلق بطلبات حماية الحدث المعرّض للخطر مهما بلغت سنه، حيث وسّع القانون صلاحيات قاضي الاحداث بوضوح، إلى حد بات بإمكانه أن يتحرك تلقائياً من دون أي شكوى أو إخبار ليتخذ التدبير الملائم بحق أي حدث معرض للخطر والذي تفرضه العجلة الملحة والضرورة الأكيدة للحماية والوقاية. وأكّد القاضي أن قانون حماية الأحداث يعدّ قانوناً خاصاً يجب التقيد بأحكامه وتغليب نصوصه على أي نص عام آخر إذا وقع التعارض، وقد راعى مصلحة القاصر على أية مصلحة اخرى، وفاضل اعتباره على أي اعتبار آخر.
وأضاف خميس في تعليل قراره، أن السلطات القانونية الواسعة لقاضي الأحداث «لا يمكن تقييدها اعتباطياً ودون وجود مستند قانوني صحيح، وذلك لأن النص المطلق يفسّر على إطلاقه، فيكون بالتالي لقاضي الأحداث ـــــ بموجب سلطته التقديرية في هذا المجال ـــــ أن يتخذ أي تدبير يصبّ في مصلحة القاصر ويحميه من الظروف التي تعرّضه للخطر.
وبالتالي، فإن «صدور حكم نهائي وقطعي عن المراجع الدينية المختصة لا يقيد إطلاقاً قضاء الاحداث، ولا يشكل أي عائق بوجه انعقاد الاختصاص للقاضي الناظر بقضايا الأحداث لاتخاذ التدبير المتوافق مع حالة القاصر المعرض للخطر، وذلك بغض النظر عن وجود حكم شرعي قطعي قضى بالحضانة لأحد الوالدين». ورأى القاضي خميس «أنه لا يكون في هذا الوضع ثمة تضارب في الصلاحية ولا أي تعارض في الاختصاص، لأن اختصاص قاضي الأحداث في نطاق حماية القاصر المعرض للخطر هو محصور به بالذات دون سواه».
ورأى القاضي خميس وقف تنفيذ حكم المحكمة الشرعية «تدبيراً واقياً وحامياً لمصلحة القاصر من البيئة التي تعرّضها للخطر، انطلاقاً من أن انتقال القاصر المفاجئ من منزل والدتها الى منزل والدها يشكل في ظل معطيات هذه القضية بالذات، وضعاً خطراً على حياتها النفسية والجسدية على حد سواء ويسبب لها اضطرابات جمة». وفي الوقت عينه، شدّد القاضي على أن تنظيم شؤون الولاية الشرعية والقانونية على القاصر يبقى اختصاصاً حصرياً للمحاكم الشرعية.
تقرير الطبيب النفسي اعتبره القاضي مرسّخاً لقناعته القانونية. وبناءً على ذلك، قرر رد طلب الاب لعدم القانونية، والتأكيد على القرار السابق الصادر عنه وإبقاء الطفلة القاصر في منزل والدتها. واشترط القاضي في قراره أن تخضع الطفلة لجلسات علاج نفسي متتابعة ومتسلسلة ومنظمة، تحت إشراف مندوبة الاحداث الاجتماعية، التي عليها تقديم تقرير دقيق ومفصل عن مدى تغير وضعية الطفلة وحالتها تبعاً للعلاجات الطبية اللازمة.