طارق ترشيشي
حتى إشعار آخر، كل المعطيات والمواقف تشير إلى أن جلسة انتخابات الرئاسة المقررة في 12 من الشهر المقبل، سيكون مصيرها كسابقتيها في 25 أيلول و23 من الجاري، وأن الانتخابات قد لا تحصل أبداً ليبقى كل شيء على حاله لبضعة أشهر حتى يتبيّن الخيط الأبيض من الخيط الأسود من فجر ما يجري في المنطقة من تطورات وأحداث ومفاوضات فوق الطاولة وتحتها، فإمّا تذهب الأوضاع إلى تدهور على أكثر من جبهة، وإمّا يصطفّ الجميع في تسويات تطلق مرحلة جديدة بين جميع المعنيين العاملين على الساحة الإقليمية.
وفي هذا السياق، يجاري الوزير محمد الصفدي محدثه بأن «فخامة الفراغ» قد يكون المخرج الذي يرى فيه جميع أطراف الأزمة اللبنانية في الداخل والخارج ما يخدم مصالحهم في هذه المرحلة، نتيجة صعوبة حصول توافق على رئيس جمهورية جديد، بين فريقي الموالاة والمعارضة والقوى التي تقف وراءهما.
بل إن الوزير الصفدي يرى أن المشكلة الأساسية هي في الحكومة لا في رئاسة الجمهورية، ويقول إنه قبل البحث في اختيار رئيس للجمهورية ينبغي البحث في مَن سيتولّى رئاسة الحكومة التي ستؤلّف في بداية عهده، فبناءً على شخص رئيس الحكومة ومواصفاته ينبغي اختيار رئيس الجمهورية العتيد، «فإذا كان مطلوباً أن يكون رئيس الحكومة النائب سعد الحريري، وهذا ما أحبّذه، فينبغي الإتيان برئيس جمهورية قادر على التحدث مع سوريا ويحظى بقبول أو على علاقة جيدة مع رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون وكل أطراف المعارضة، حتى يتمكن من تحقيق الوفاق».
وإذ يشير الصفدي إلى المواقف التي يتخذها الحريري من دمشق، فإنه يؤكد في المقابل أنه ينبغي أن ينتخب رئيساً قادراً على التحاور مع سوريا «لأننا في النهاية محكومون بأن تعالج الأزمة التي تعتري العلاقة بينها وبيننا».
ولا يخفي الصفدي أن موضوع الحكومة يثير أزمة في صفوف فريق الموالاة، المنقسم بين مؤيد للحريري ومؤيد لبقاء الرئيس فؤاد السنيورة «المرتاح في هذه الأيام»، ويقول إنه شخصياً يدعم بقوة أن يتولى الحريري هذا الموقع، لكنه يرى أن السنيورة ومعه رئيس «اللقاء الديموقراطي» النائب وليد جنبلاط ورئيس الهيئة التنفيذية لـ«القوات اللبنانية» سمير جعجع لا يحبذون هذا الخيار، ولذا فإنه يعتقد أن الحريري «قد لا يكون قادراً على تحقيق رغبته هذه بسهولة على رغم أن المعارضة لا تعارض هذه الرغبة».
وعلى رغم تلويح فريق 14 آذار باللجوء إلى انتخاب رئيس بنصاب النصف زائداً واحداً من أعضاء مجلس النواب، فإن الصفدي يؤكد أن الحريري لا يؤيد شخصياً هذا الخيار لأنه يدرك جيداً أنه غير دستوري أولاً، وأنه سيؤدي إلى فوضى كبيرة في البلاد لأن لا مصلحة له ولا للجميع في حصولها حيث ستسقط الهيكل على رؤوس الجميع.
ولذا يستبعد الصفدي لجوء فريق 14 آذار إلى انتخاب رئيس بالنصف زائداً واحداً لأنه منقسم في الرأي على هذا الموضوع، ويشير إلى أنه كان السبّاق في إعلان التزام «التكتل الطرابلسي» الذي ينتمي إليه تمسّكه بنصاب الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية من أجل أن يلفت فريق الموالاة إلى خطورة انتخاب رئيس بنصاب النصف زائداً واحداً.
ولا يخفي الصفدي مخاوفه من عدم حصول انتخاب رئيس جديد في الموعد الدستوري، لكنه يستبعد نشوب حرب أهلية في لبنان لإدراك الجميع مدى خطورتها على الجميع، كذلك يستبعد حصول حروب في المنطقة على رغم مراهنة البعض على ما يسمونه «جنون» الرئيس الأميركي جورج بوش واندفاعه إلى استهداف النظامين الإيراني والسوري، وهي مراهنة يراها غير واقعية، مشيراً إلى أن ما يتلقاه من معطيات ومن خلال أصدقاء عن الموقف الأميركي لا يشير إلى أن واشنطن في وارد شن حرب على إيران أو سوريا لإسقاط نظاميهما.
ويعتقد الصفدي أن ما يعقّد الأزمة هو أن أيّاً من الأطراف الإقليمية والدولية ليس مستعدّاً للتنازل عمّا يراه مكتسبات أو «امتيازات» بات يملكها على الساحة اللبنانية، وهو مما يعني أن معالجة الأزمة باتت تتطلب تسوية بين هذه الأطراف، تنعكس تسوية بين أطراف الأزمة الداخلية.
وفي المحصّلة وفي ضوء ما هو قائم، فإن المعارضة ليست في وارد القبول بانتخاب رئيس بنصاب النصف زائداً واحداً، إذ ستكون لها خياراتها المضادة، وإن فريق الموالاة ليس موحّد الرأي أولاً إزاء هذا النصاب، وثانياً إزاء مَن سيكون رئيساً للحكومة، السنيورة أو الحريري أو غيرهما، ولذا على الموالاة أن تختار بين الانقسام حيث سيحصل في البلاد اصطفاف سياسي جديد، وبين أن تبقي على ما هو قائم، ممنّنة النفس ببقاء حكومة السنيورة لأنها في رأيها ستكون «السلطة الشرعية» بعد انتهاء ولاية الرئيس لحود أو البقاء في عين الأزمة.
وفي المقابل، فإن المعارضة قد لا تندفع إلى خيارات جديدة، ولن ترى ضيراً في بقاء الرئيس لحود في سدّة رئاسة الجمهورية بعد انتهاء ولايته إلى حين توافر التوافق المطلوب على شخص الرئيس العتيد.