تمارة قبلاوي
أكتب إليك كمواطنة لبنانية تشغل بالها هموم ملحة. ففي 27 تشرين الأول، ذهبت مع عشرة طلاب من الجامعة الأميركية في بيروت في رحلة إلى نهر البارد شمالاً. قصدنا المكان بهدف القيام بحملة تنظيف لبيوت اللاجئين العائدين. وما رأيناه في المنازل شوّش عقولنا.
كانت البيوت التي عملنا فيها تقع في ما يُسمّى المخيم الجديد، وهي فيلات في معظمها تحوي كل واحدة منها غرفتي نوم أو ثلاثاً. طبعاً، كانت أمكنة ضمت عائلات كبيرة منذ أمد غير بعيد. وجدنا على الأرض أحذية صغيرة من ماركة ريبوك ودمىً وألعاباً. وجدنا بساتين وأشجار ليمون. لكن أحذية الريبوك الصغيرة كانت ممزقة وبالية، والدمى مقطوعة الرؤوس والأوصال، وما كانت البساتين خضراء ولا حملت أشجار الليمون ثمارها. وجدنا جبالاً من الدبش حيث كان يجب أن توضع ثلاجات. وجدنا مساحات بيضاء ممهدة حيث يجب أن تقوم مواقد وطاولات وأسرة وأرائك، سيدي السنيورة. وجدنا جدران غرف الأولاد مليئة بتعابير وشعارات معادية للفلسطينيين قذرة لدرجة أنني أعجز عن نقلها على الورق. عندما وصلنا إلى باب المخيم، قيل لنا إنّ إدخال آلات التصوير ممنوع، وفُتشنا بدقة بحثاً عنها. لم أفهم السبب أولاً، لكنني أدركه الآن، لأنني أشعر بخيبة أمل وبغضب، وأعرف أنه لو رأى سائر العالم ما رأيت أنا وزملائي في هذا اليوم، لشعر أيضاً بخيبة الأمل وبالغضب.
سيدي السنيورة، أوّد أن أعرف لماذا سُمح بكل هذا القدر من السلب والتخريب المتعمد على مرأى من جيش دعمه البلد بكامله خلال الأشهر الأربعة الماضية. أود أن أعرف ذلك لأنني كنت واحدة من مئات الآلاف الذين وقفوا في ساحة الشهداء في 14 آذار عام 2005 منادية بلبنان سيد ديموقراطي. كنت واحدة من مئات الآلاف الذين طالبوا بالديموقراطية، والديموقراطية، وفق ما أعرفها، تعني أن كل الخاضعين لحكم الدولة يُعاملون بمساواة وعدل. ما شهدناه اليوم، زملائي وأنا، ينسف ذلك المفهوم بالذات. ففلسطينيو نهر البارد الذين نتحمل مسؤولية حمايتهم نحن الذين ندّعي الديموقراطية جُرِّدوا من ممتلكاتهم، والأهم جُرِّدوا من كرامتهم لأمر لم يتحملوا مسؤوليته يوماً. وأنت، سيدي السنيورة، كنت أول من قال هذا الكلام. ماذا جرى لعلاقة الأخوة اللبنانية الفلسطينية التي دافعت عنها في رسالتك إلى المجتمع الفلسطيني في الأسبوع الأول من أزمة نهر البارد؟ ماذا حلّ بالديموقراطية؟ لم أرَ أثراً لها اليوم، وأشعر بأسى عميق لأنني اعتقدت فعلاً أننا سنصبح ديموقراطية في 14 آذار 2005، حين كان يُفترض أن تولد أمة.
إن الظلم الأكثر من ملموس بحق المجتمع الفلسطيني في نهر البارد مورس باسمي كمواطنة لبنانية، وهذا أشدّ ما يحزنني.
سيدي السنيورة، هذا ليس تهجماً على الحكومة ولا على الجيش. فبالنسبة إليّ، الحرب في نهر البارد ضباب غامض؛ فاندلاعها ونهايتها التي طالت، وكل ما بين الاثنين يطرح أسئلة كثيرة في رأسي، ولن أثير الموضوع. ما أعرفه هو ما رأيته اليوم، وقد أزعجني بشكل لا يُصدَّق. ولهذا أسألك، كمواطنة تسأل مسؤولاً حكومياً، أن تدقق في المعاملة الحالية التي يلقاها اللاجئون، وأن تضع حداً للظلم في نهر البارد. أطلب منك أن تأتينا بالديموقراطية التي وعدتنا بها.