أنطون الخوري حرب
لا تقتصر التساؤلات حول «رابطة سيدة إيليج» على البعيدين عن الأحزاب والحركات المسيحية، بل إن الرأي العام المسيحي، والمتابع أكثر من غيره لأصول هذه الأحزاب وفروعها، لا يملك أجوبة كافية عن مؤسسي الرابطة ودورهم، وهل هم مجموعة منشقة عن «القوات اللبنانية»، أم أن لهم مشروعاً سياسياً غير معلن، ولا سيما أنهم لا ينشطون تماماً إلا في تواريخ وأوقات محددة.
المحطة الرئيسية التي تلفت الانتباه الى الرابطة هي القداس السنوي الذي تقيمه لـ«شهداء المقاومة اللبنانية»، وكأنها بذلك تعبّر عن حال كل مقاتل مسيحي خرج من الميليشيات بعد الحرب خائباً وناقماً على مجتمع تنكّر لتضحياته، ولقيادات تناست ما بذله، شاعراً بأنه دفع دمه في زمن الحرب ثمناً لمصالحة حصد منها البؤس أيام السلم، فيما القادة يتربعون في القصور وينعمون بالثروات ونعيم السلطة.
ويشرح أحد هؤلاء حال شبان «تركوا أعمالهم ودراستهم، وقاتلوا كل أعداء القوات اللبنانية، وتحمّلوا وزر ممارسات جهازي الأمن والضرائب المالية (الخوّات) التي فرضتها قيادتهم على المجتمع المسيحي، ووقفوا مع سمير جعجع حتى آخر يوم في سجنه. وبعد خروجه ابتعد عنهم، فابتعدوا عنه وعن كل السياسييين المسيحيين، ملتجئين الى الالتزام الريفي وحياة الزهد والتجرد، في جنوح واضح نحو مصالحة مع الذات والمجتمع، مترافق مع شعور وجداني تجاه ماضيهم وحاضرهم». ويرى أن «هذه الحالة من الهوس الإيماني التي تصيب عادة العائدين من الحروب من دون انتصار، ترجمت نفسها في السلوك الديني عن طريق تكريم الشهداء، وكأن أعضاء الرابطة مؤتمنون على تضحيات من بذلوا دماءهم في سبيل قضية آمنوا به، كي لا تمحوهم السياسة من ذاكرة التاريخ».
ويقول مسؤول رفيع في الرابطة: «الكثير منهم لم يكن حزبياً، وقاتل مثلنا، بعد سماعهم قرع أجراس الكنائس يدعوهم إلى الدفاع عن مناطقهم. نحن لم نعد قوات لبنانية ولن نعود إلى القوات أو إلى أي حزب آخر». ويوضح أن فكرة تكريم الشهداء «انطلقت كرد على نظام الوصاية السوري السابق على لبنان، من أجل رفع المستوى المعنوي لناشطي التيار السيادي المسيحي حينذاك، بالاستناد إلى دراسة قانونية قدمها النائب غسان مخيبر عن عدم صلاحية السلطة بمنع قيام أي تجمع ذي طابع علني إذا أعطي العلم والخبر من الوزارة المختصة».
ويضيف: «عندما أراد محامي الرابطة تسجيل العلم والخبر لدى أمين السجل في وزارة الداخلية، رفض الأخير تسجيله، فأعيدت المحاولة بعد تأكيد الطلب لدى الكاتب العدل. لكن الرابطة لم تحصل على العلم والخبر حتى اليوم، ولم يصدر بلاغ التأسيس بعد في الجريدة الرسمية».
وعن التسمية وسببها، يقول إن الرابطة «اختارت سيدة إيليج لممارسة نشاطها، لأن قبو الدير مليء بمدافن القواتيين الذين سقطوا في الحرب، ولأن سيدة إيليج تدعى «سلطانة الشهداء»، ولأن الموقع هو الوحيد الذي يحوي أسماء كل الشهداء، مضافةً إليهم أسماء طوني فرنجية، وخليل كنعان وعائلته، والياس الزايك وإيلي حبيقة وداني شمعون وعائلته بطبيعة الحال».
وذكر أن الرابطة تقوم «بغرس شجرة أرز في الموقع عن اسم كل شهيد، وتطمح إلى جمع أسماء شهداء المردة والوعد والأحرار وحراس الأرز والكتائب والتنظيم والجيش وجيش لبنان الجنوبي وكل الشهداء المدنيين المسيحيين الذين سقطوا في الحرب، حتى الذين سقطوا منهم خلال حرب تموز الإسرائيلية على لبنان عام 2006»، مضيفاً: «نحن نشاهد صور كمال جنبلاط وحسن خالد مرفوعة بعضها بجانب بعض، فما المانع أن ترفع صور القادة المسيحيين الشهداء مجتمعين، ونحن نملك الجرأة لفعل ذلك، فلقد وعدنا شهداءنا بذلك ولن نخذلهم». وأشار الى إنشاء منصّة للبطاركة الموارنة الثمانية عشرة الذين مرّوا على سدة البطريركية في ميفوق.
ويقام النشاط الأبرز للرابطة، أي القداس السنوي عن أرواح الشهداء، صباح يوم الأحد الذي يلي ذكرى ارتفاع الصليب «ومن أجل الحفاظ على روحية المناسبة، أقسمت مجموعة إيليج على عدم تعاطي السياسة أمام الشواهد المقامة في غابة أرز إيليج لتذكير المسيحيين بتاريخهم بكل جوانبه المأسوية».
قصة شباب «رابطة سيدة إيليج» ليست غريبة عن واقع التجمعات المسيحية العام، إن من حيث الردّة الدينية أو من حيث الاصطفاف التمردي على القيادات المسيحية «التقليدية»، لكن ما يميّز هذه المجموعة أنها بعد انتخابات عام 2005 اتخذت قراراً تاريخياً ونهائياً بعدم العودة إلى العمل السياسي بالمطلق، وخصوصاً في «القوات اللبنانية». وهذا ما يفسر عدم انضمامهم إلى أي تجمع سياسي مسيحي كـ«جبهة الحرية» أو «الاتحاد من أجل لبنان». والتحدي الذي يواجهون به أنفسهم يكمن في مدى نجاحهم بفصل تكريم الشهداء على المستوى الإنساني، عن السياق السياسي الذي سبق أن أعقب استشهادهم، فهل يحافظون على ذلك أم تفسد السياسة ما أصلحه الموت؟



توضيح

أوضح القياديان السابقان في «نمور الأحرار» بوب عزام وجان عيد «أن حرب المئة يوم لم تبدأ بعد مجزرة القاع في 30 حزيران حيث شملت المعارك كل مناطق الانتشار السوري المسيحية، وكان للكوادر الكتائبية كمسعود الأشقر وفؤاد أبو ناضر دور أوّلي وأساسي فيها، بل بدأت إثر معركة الفياضية بين الجيش السوري والجيش اللبناني في 9 شباط 1978، وكانت لـ«نمور الأحرار» فيها جولتان منفردتان في عين الرمانة قبل أن تتسع رقعة المعارك».


غداً: «حراس الأرز»