عمر نشابة
إن طرح هذا السؤال يفتح المجال واسعاً أمام أصحاب نظريات المؤامرة لاستعراض أجوبة مطوّلة ومعقّدة ومنطقية إلى حدّ ما. لكن الهدف هنا مغاير، فهذا التقرير يعرض الوقائع الموثّقة، ويطرح بعض الأسئلة عن مهنية تعامل قوى الأمن والجيش مع مجموعة من الإرهابيين المحاصرين في مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين منذ 21 أيار الماضي.
وكان قد صدر أمس عن قيادة الجيش، مديرية التوجيه بيان جاء فيه: «فجر اليوم، هاجم مسلّحو «فتح الإسلام» مراكز الجيش في محاولة يائسة للفرار من مخيم نهر البارد، تصدت لهم قوى الجيش وأوقعت في صفوفهم عدداً كبيراً من القتلى والأسرى، وتتابع قوى الجيش مهاجمة معاقل ما تبقى من المسلحين وملاحقة الفارين منهم خارج المخيم». وأضاف البيان: «تطلب قيادة الجيش من المواطنين الاتصال بأقرب مركز عسكري فور الاشتباه بأحد الفارين».
يشير البيان إلى تمكّن بعض مسلّحي «فتح الإسلام» من الفرار من المخيم قبل سقوطه بيد الجيش. يستدعي هذا الأمر في «دولة المؤسسات» التي ينبغي أن يتضمّن نظامها آليات المساءلة والمحاسبة، تحقيقاً عسكرياً بحثاً عن سبب فرار أشخاص مطلوبين للعدالة، وخصوصاً بعدما أعلن وزير الداخلية حسن السبع إثر انعقاد مجلس الوزراء في 13 آذار الماضي أن إرهابيي «فتح الإسلام» هم الذين وضعوا متفجّرات في حافلتين عموميتين في المتن، ما أدى إلى استشهاد عدد من المواطنين وجرح آخرين.

محاولة محاصرة المحاصر

فرض الجيش اللبناني حصاراً برياً وبحرياً على مخيم نهر البارد لمنع خروج المسلحين منه، ولدفعهم إلى تسليم أنفسهم تمهيداً لإحالتهم إلى القضاء المختصّ. وانتشرت وحدات من الجيش تدعمها آليات عسكرية على مداخل المخيم وفي الأحراج المحيطة به، كما انتشرت زوارق حربية في البحر لمنع الدخول إلى المخيم أو الخروج منه.
رغم ذلك تمكن عدد من المسلحين من الفرار من داخل المخيم أمس. كيف حصل ذلك؟ علمت «الأخبار» أن سيارة من نوع مرسيدس نقلت عدداً من المسلّحين الموالين لـ«فتح الإسلام» من خارج المخيم إلى محيط نقطة للجيش على مشارف المخيم في منطقة المحمّرة. وشنّ المسلحون هجوماً على الجيش تزامن مع هجوم ثلاث مجموعات من «فتح الإسلام» من داخل المخيم على مواقع الجيش في ثلاثة محاور مختلفة. استشهد خلال الاشتباكات ضابط في الجيش وعدد من الجنود، كما قُتل ما يزيد على 30 مسلّحاً من «فتح الإسلام»، غير أن عدداً من مسلحي «فتح الإسلام» وزعيم التنظيم شاكر العبسي تمكنوا من الفرار.
لا شكّ في أن نيران المسلحين الموالين لـ«فتح الإسلام» الذين هاجموا الجيش من خارج المخيم حوّلت ـــــ ولو لبعض الوقت، وعلى نطاق محدود ـــــ المحاصِر إلى المُحاصَر. وليس مستغرباً أن يكون ذلك قد خلق صعوبة قتالية لدى الجيش الذي تمكّن من صدّ الهجوم المزدوج، لكنه لم يتمكّن من القبض على كل مسلحي «فتح الإسلام» الذين نجح عدد منهم في الفرار.
السؤال الأساسي هنا هو: كيف تمكّنت سيارة فيها مسلّحون من الوصول إلى مشارف المخيم من دون أن توقفها حواجز الجيش وقوى الأمن المنتشرة في الشمال، ودون أن تعلم بتحرّكها المخابرات العسكرية وفرع المعلومات؟

اتصالات دون رقيب

منذ أكثر من شهرين نقل بثّ مباشر لإحدى القنوات الفضائية مكالمة هاتفية مع شهاب القدور المعروف بـ«أبو هريرة»، الرجل الثاني في تنظيم «فتح الإسلام» أثناء حصار مخيم نهر البارد. وناشد أبو هريرة مناصريه عبر القناة الفضائية العربية مساعدة المحاصرين في البارد. المستغرب أن القوى الأمنية اللبنانية والجيش لم يعطّلوا الاتصال الهاتفي المباشر الذي قام به أبو هريرة من داخل المخيم المحاصر. كما استمرّ المتحدّث باسم «فتح الإسلام» أبو سليم طه والمسؤول العسكري شاهين شاهين في التواصل مع الصحافيين عبر الهاتف من داخل المخيم المحاصر.
ولا بدّ من أن يكون المسلّحون الموالون لـ«فتح الإسلام» الذين قاموا بالهجوم على موقع الجيش فجر أمس قد تواصلوا مع زملائهم في المخيم عبر الهاتف لتخطيط الهجوم المتزامن على الجيش وعملية تسهيل فرار زعيمهم شاكر العبسي.
والسؤال الأساسي هنا هو: لماذا لم تتنصّت الاستخبارات العسكرية وفرع المعلومات في قوى الأمن على المكالمات الهاتفية التي يقوم بها مسلحو «فتح الإسلام» من داخل المخيم؟ ألم يكن ذلك ممكنناً لحماية الجيش وصدّ الهجوم وتحديد الموالين لـ«فتح الإسلام» خارج المخيم والقبض عليهم؟

إرشادات ناقصة

مع غياب أجهزة التنصّت والمراقبة والرصد الفعّالة لدى القوى الأمنية اللبنانية والجيش في مخيم نهر البارد والمنطقة المحيطة به، طلبت مديرية التوجيه في الجيش من المواطنين «الاتصال بأقرب مركز عسكري فور الاشتباه بأحد الفارين». لكن البيان لم يحدّد أرقام الهاتف التابعة للجيش في الشمال أو عناوين المراكز العسكرية. كما أن القيادات الأمنية لم تعمّم على وسائل الإعلام المحلية إرشادات واضحة ومفصّلة لكيفية مساعدة المواطنين في عملية البحث عن المسلّحين الفارّين من نهر البارد.
فور ورود نبأ سيطرة قوى الجيش اللبناني على مخيم نهر البارد أمس، سمعت طلقات نارية في محيط مخيم نهر البارد. وتبين لاحقاً أن مسلحين وعسكريين يطلقون النار في الهواء ابتهاجاً بالنصر. كما ظهر على شاشات التلفزيون المحلية والفضائية التي كانت تبثّ مباشرة من الشمال صوراً لأشخاص بلباس الجيش اللبناني يطلقون النار في الهواء. وصدر لاحقاً عن مديرية التوجيه في الجيش بيان يدعو «المواطنين الكرام إلى عدم إطلاق النار ابتهاجاً».