نهر البارد ــ نزيه الصديقالبدّاوي ــ عبد الكافي الصمد

الفلسطينيـــون يضغطـــون للعـــودة ويؤكّـــدون «شراكتهـــم» في الانتصـــار

لم يبدُ أمس أن تداعيات أزمة مخيم نهر البارد سيكتب لها أن تنتهي في وقت قريب ومنظور، بعدما برز في الساعات الأخيرة أكثر من تطور قضائي ـــــ طبي وأمني، أعطى إشارات عدة إلى أن ذيول هذه الأزمة التي انتهت يوم الأحد الماضي بانتصار الجيش على تنظيم «فتح الإسلام» وقضائه عليه، لن تكون أقل تعقيداً وإثارة من المرحلة السابقة.
وتمثل التطور القضائي ـــــ الطبي في نتيجة فحص الحمض النووي الذي أُجري على جثة قائد التنظيم شاكر العبسي، التي أتت نتيجتها سلبية، مع أن الفحص أُجري على الجثة مرتين حسب ما كانت قد أوضحت مصادر أمنية لـ«الأخبار» يوم أمس، الأمر الذي أحدث مفاجأة من العيار الثقيل بالنسبة إلى المتابعين، الذين أشاروا إلى أحد احتمالين: الأول أن الجثة لا تعود فعلياً للعبسي، وهو ما يعزِّز الاحتمال القائل بأنه لا يزال فاراً، أو مقتله من غير معرفة زمان ذلك ومكانه.
والاحتمال الثاني، وهو الأخطر، يتمثل في كون من تعرفوا إلى الجثة الموجودة في مشرحة مستشفى طرابلس الحكومي، وهم زوجته وابنته وثلاثة من أعضاء رابطة علماء فلسطين، قد أسهموا بشكل ما، عن قصد أو عن غير قصد، في تضليل التحقيق، ما يكون قد أعطى العبسي ومن بقي معه من المسلحين فرصة للفرار والنفاذ بجلدهم، وخصوصاً بعد شائعات عدة انتشرت عن أن البنت التي عاينت الجثة لم تكن ابنته الحقيقية، الأمر الذي دفع السلطات المعنية على ما يبدو إلى استدعاء زوجة العبسي مجدداً من أجل التحقيق معها، في الوقت الذي غاب فيه أعضاء الرابطة عن السمع، من أجل استيضاحهم في هذه النقطة.
وبانتظار معرفة نتيجة فحص الحمض النووي الجديد، الذي يفترض أنه جرى بعدما طلبت السلطات اللبنانية عينة عائدة لشقيقه المقيم في الأردن، لمطابقتها على الجثة والتأكد منها، استمر الجيش اللبناني في عملية مطاردته وتعقبه للمسلحين الذين فروا من المخيم منذ يوم الأحد الماضي.
فأمس، عند الأطراف الجنوبية لبلدة ببنين في عكار، وفي الخراج الذي يفصلها عن بلدة المحمرة، تمكن الجيش من قتل مسلح يحمل الجنسية السورية، والقبض على اثنين آخرين يحملان جنسية سعودية، بعد حصول اشتباك معهم إثر استدلال امرأة على مكان وجودهم في زريبة حيوانات تقع عند أطراف البلدة.
وفي بلدة وادي الجاموس في سهل عكار، تمكن الجيش من القبض على مسلحَين فارَّين لم تعرف هويتهما بعد، لأنهما لا يحملان أي أوراق ثبوتية، فضلاً عن أن لغتهما غير مفهومة، فيما ألقى عناصر فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي القبض على مسلح فار يحمل الجنسية الجزائرية ويدعى خالد رحماني، في بساتين المنية جنوبي المخيم، سلم لاحقاً إلى مخابرات الجيش بعدما أقر على مكان وجوده المسلح التونسي الآخر بشير محمد الطيب أرمان، الذي أُلقي القبض عليه أول من أمس في محلة القبة بطرابلس.
على صعيد متصل، أفاد مصدر أمني «الأخبار» بنقل جثتين إلى مستشفى طرابلس الحكومي بعد ظهر أمس، إحداهما عائدة إلى جثة المسلح السوري الذي قتل قرب ببنين، والأخرى عائدة لمسلح فلسطيني قتل خلال الاشتباك الذي وقع أمس شمال بلدة العبدة في عكار، والذي أُسر خلاله ثلاثة مسلحين آخرين يحملون وثائق فلسطينية».
في غضون ذلك، استمر الجيش في قيامه بعمليات التمشيط الواسعة لملاحقة المسلحين الفارين، وخصوصاً في محيط مخيم نهر البارد في عكار والضنية والمنية وطرابلس، وصولاً إلى الحدود الشمالية، إضافة إلى قيامه أمس بوضع أسلاك شائكة في محيط المخيم بأكمله، بدءاً بحدوده الشرقية لجهة أوتوستراد المنية ـــــ العبدة الدولي، من أجل «منع المدنيين والإعلاميين والفضوليين من دخول المخيم، أو احتمال فرار مسلح لا يزال مختبئاً داخل المخيم، قبل الانتهاء من عملية تنظيفه من الألغام والفخاخ والمتفجرات، حرصاً على سلامتهم، ومن أجل إنجاز المهمة بلا أي عائق»، حسب ما أوضح مصدر عسكري.
وفي مخيم البداوي، استبق النازحون احتمال أي تلكؤ من الحكومة أو الأونروا، حيال مطلب عودتهم السريعة والآمنة إلى مخيمهم، فأعلنوا قيامهم بسلسلة تحركات تصعيدية ضاغطة ومدروسة، سيكون الاعتصام المرتقب في باحة مدرسة كوكب في المخيم بعد صلاة الجمعة ظهر اليوم، واحدة من مجموعة خطوات أخرى لن تهدأ قبل العودة.
وجاءت هذه التحركات إثر لغط كبير بدأ يدور في أوساط النازحين، وهواجس ومخاوف من أن تكون أغلب الوعود السابقة التي أعطيت لهم من الحكومة والأونروا مجرد ذر للرماد في العيون، بعدما «لعب الفأر في عبّهم»، ولم يلمسوا بعد أي خطوة عملية وجدية في هذا المجال، إذ إن الحكومة وعدتهم على لسان رئيسها فؤاد السنيورة بالعودة إلى المخيم وإعماره من غير أن تضرب لهم موعداً لذلك، والأونروا التي أعلنت سابقاً خطة من ثلاث مراحل للعودة بعد انتهاء المعارك، لم تباشر بعد أي خطوة من المرحلة الأولى من الخطة التي أعلن عنها مدير الأونروا في لبنان ريتشارد كوك، وأهمها فتح ممر آمن إلى داخل المخيم، والمباشرة في رفع الأنقاض وإزالة الردميات ورش المخيم بالمبيدات وتعقيمه.
عضو المكتب السياسي في «الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» ومسؤولها في الشمال أركان بدر أبو لؤي، أوضح لـ«الأخبار» أن «التحرك الجماهيري يهدف لممارسة الضغط على الحكومة والأونروا معاً من أجل تسريع عودة النازحين»، لافتاً إلى أن المطلوب اليوم هو «ترجمة الوعود السابقة أفعالاً، لا الاكتفاء بالكلام وإعطاء الوعود، مع ثقتنا الكاملة بها، وتعاطينا معها بكل إيجابية، وأخذنا لها على محمل الجد، ولأن الجماهير تريد الاطمئنان وتبديد الهواجس وتهدئة الخواطر في موضوع العودة».
في مقابل ذلك، جاء البيان الذي أصدرته فصائل المقاومة واللجان الشعبية في الشمال، بعد اجتماعها أمس في مقر اللجنة الشعبية في مخيم البداوي، ليشير بوضوح إلى هذه الهواجس، من خلال التأكيد على أن «حالة النزوح والمأساة والنكبة لم تعد مقبولة بسبب زوال الأسباب».
وإذا كان البيان قد طالب «بتخفيف الإجراءات المفروضة التي تحد من حرية الحركة لأبناء شعبنا في الشمال، والتي تصل حدود امتهان الكرامة والضرب المبرح والتوقيفات العشوائية، والتعاطي مع الفلسطيني بوصفه متهماً إلى أن تثبت براءته»، فإنه توقف عند «عمليات النهب والسلب وإحراق المنازل والأبنية داخل مخيم نهر البارد، الأمر الذي عمّق من حالة الاحتقان والغضب، لأنه لا يجوز أن يدفع شعبنا ثمناً لجريمة لم يرتكبها»، وهو أمر أشار إليه مصدر فلسطيني لـ«الأخبار» عندما أوضح أن «اتصالات أجريت أول من أمس مع جهات لبنانية، أثمرت وقف إشعال النيران في نحو 20 شقة وبيتاً في الجزء الجديد من المخيم، خلال مطاردة الجيش لفارين احتمل لجوؤهم إلى هذه الشقق واختباؤهم فيها».