strong>أكّد قرار محكمة التمييز أن سبب الارتياب المشروع في القاضي الياس عيد هو قسائم المحروقات التي تلقّاها من المديرية العامة للأمن العام، إضافة إلى تعاقد شقيقه مع المديرية المذكورة. من ناحية أخرى، ادّعى اللواء جميل السيد على مجهولين في النيابة العامة التمييزية وتيار المستقبل بجرم التزوير واستعمال المزوّر
«استفادة القاضي عيد بصورة دورية بكمية من المحروقات من المديرية العامة للأمن العام، وما تحقّق من تعاقد بين هذه المديرية وشقيقه الطبيب جوزف عيد»، هما السببان اللذان اعتبرت الغرفة السادسة الجزائية في محكمة التمييز، أول من أمس، أنهما يبرران الارتياب المشروع بالمحقق العدلي القاضي الياس عيد، وبالتالي قررت قبول طلب نقل الدعوى منه إلى قاض آخر. أما الأسباب الأخرى التي كان المحامي محمد مطر قد ذكرها في طلبه نقل الدعوى من عيد، فقد اعتبرت أن جميعها من الأمور التي لا تبرر الارتياب المشروع.
وأمس، تسلّم أفرقاء الدعوى في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري قرار المحكمة القاضي بنقل الدعوى من «القاضي الياس عيد ورفع يده عنها لسبب الارتياب المشروع، على أن يتولى النظر فيها محقق عدلي آخر»، يعيّن وفقاً لما ينص عليه قانون أصول المحاكمات الجزائية. وذكرت المحكمة في قرارها أن أياً من أفرقاء الدعوى لم يقدّم تبريراً موضوعياً يفسّر منحة المحروقات المقررة للقاضي عيد». وأضافت ان «القول بأن الكثير من القضاة يستفيدون من مثل هذه القسائم، فالأمر لا يبدو واقعياً. إذ إن عدد القضاة المستفيدين من قسائم المحروقات التي كان يوفرها لهم المدير العام للأمن العام اللواء جميل السيد منذ عام 1999 حتى عام 2007، وفقاً لما جاء في الجداول المرفقة بكتاب الأمن العام لا يتعدى أحد عشر قاضياً». واعتبر القرار أن «إفادة اللواء السيد للقاضي عيد من قسائم المحروقات تعود أصلاً للأمن العام طوال هذه المدة، وبمعزل عما إذا كانت هذه المنحة لها أهمية مادية أم لا، فهي تفيد عن وجود روابط خاصة بين الواهب والموهوب، تقدّم إما على أسس المصلحة المتبادلة أو على أسس الصداقة بينهما، والأمر في الحالتين، بالنسبة للارتياب المشروع، سواء».
وأضاف القرار أن «عدم استجابة القاضي عيد لبعض طلبات اللواء السيّد المقدّمة في الدعوى المقامة ضده ليس من شأنه أن يبرر زوال الوقائع المبرِّرة لقيام الارتياب المشروع».
وبالنسبة للتعاقد بالتراضي بين شقيق القاضي عيد والمديرية العامة للأمن العام، اعتبرت المحكمة أن «من الغرابة أن يحصل هذا التعاقد تحديداً مع شقيق القاضي عيد في فترة زمنية قصيرة جداً بالنسبة لتاريخ بدء القاضي عيد الاستفادة من قسائم المحروقات المقدّمة من الأمن العام ابتداءً من شباط 2003.
السيد يقاضي «مجهولين في المستقبل»
من ناحية أخرى، تقدّم اللواء جميل السيد عبر وكلائه القانونيين بدعوى مباشرة أمام قاضي التحقيق الأول في بيروت القاضي عبد الرحيم حمّود «ضد مسؤولين مجهولين في النيابة العامة التمييزية وآخرين في مكتب تيار المستقبل الواقع في محلة عائشة بكار، وكل من يظهره التحقيق شريكاً أو متدخلاً أو محرّضاً في جرم التزوير واستعمال المزوّر، ونسبة جنايات إلى أشخاص لقاء دفع رشى مالية من أجل تنحية المحقق العدلي القاضي الياس عيد لافتراضهم أنّ لديه نيّة بالإفراج عن بعض المعتقلين، ومن بينهم السيد، بعدما برّأتهم معطيات لجنة التحقيق الدولية من ادّعاءات وافتراءات شهود الزور، مما تسبّب باعتقالهم منذ سنتين إلى اليوم». وعرض السيد في دعواه موضوع الدعاوى التي تقدم بها ذوو ضحايا جريمة 14 شباط 2005 ضد المعتقلين في القضية لتنحية المحقق العدلي القاضي الياس عيد، ذاكراً فيها ما تعرّض له كامل ضامن، والد الشهيدة يمامة ضامن، من «خديعة بعد تلقيه اتصالاً للحضور إلى مكتب لتيار المستقبل في عائشة بكار، حيث التقى بشخص مجهول الاسم ومعروف اللقب والشكل، وسلّمه الأخير شيكاً بمبلغ خمسين ألف دولار كهدية عن روح إبنته التي استشهدت في 14 شباط. ثم أعيد الاتصال بضامن في اليوم التالي من المكتب نفسه، وطُلب منه الحضور للتوقيع على الورقة التي ظنها إيصالاً بقبض المبلغ، لكونه يجهل القراءة والكتابة، إلا أنه فوجئ لاحقاً بذكر اسمه في الإعلام بأنّه من المدّعين الشخصيين بحق عيد للتنحي عن القضية».
كما عرض السيد «المخالفة القانونية التي ارتكبت من خلال تسجيل الادّعاء المذكور في قلم التمييز من دون حضور ضامن كصاحب العلاقة أو حضور وكيله القانوني. وكان ضامن قد زار المحقق العدلي وأفاده رسمياً بما حصل معه في مكتب تيار المستقبل، مؤكداً أنّه لم يدّع أصلاً على أحد ولا يرغب بالادّعاء. لكن قلم التمييز قبل الادّعاء المذكور وسجّله رسمياً على أساس أنّه جرى تقديمه من قبل ضامن شخصياً. إلا أنه «تبيّن أنّ السيّد ضامن لم يحضر مطلقاً إلى القلم ولم يتقدّم بأي ادّعاء ضد أحد».
وعليه، طلب السيد التحقيق بتلك الوقائع واعتبارها أفعالاً جرميّة من نوع التزوير واستعمال المزوّر والرشوة وغيرها، بما في ذلك استجواب باقي المدّعين الشخصيين «الذين يمكن أن يكونوا أيضاً قد تعرّضوا لنفس الخديعة، التي وقع ضحيّتها ضامن، من قبل مكتب تيار المستقبل وقلم التمييز ومن تورّط معهما».
واعتبر السيّد أنّ هذا «التزوير الجديد الذي أدّى إلى تنحية المحقق العدلي وخلق الفراغ القضائي لإطالة الاعتقال السياسي للمعتقلين إنّما هو حلقة إجرامية جديدة تكمّل مسلسل التزوير الذي بدأ باختراع شهود الزور، وأن ذلك تحت نظر وإشراف النيابة العامة التمييزية، تجسيداً لاعتراف مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا أمام القاضي براميرتس بأنّ الاعتبارات السياسية لمصلحة السلطة اللّبنانية تمنعه من الإفراج عن بعض المعتقلين، ومنهم اللواء السيد، وتطلب الاستمرار باعتقالهم إلى إشعار آخر، بالإضافة إلى قول أحد المسؤولين بأنّ الإفراج عن المعتقلين في الوقت الراهن، قد يؤدّي إلى انهيار حكومة الرئيس السنيورة».
وقد عبّر السيد عن تحمله للمسؤولية الكاملة عمّا ورد في بيانه، داعياً المدعي العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا «إلى التنحي طوعاً وإلى المثول سويّاً أمام أية هيئة قضائية أو سياسية، أو أمام لجنة التحقيق الدولية بصفتها شاهداً على جزء من هذه الوقائع، وذلك لإثبات صحة تلك الوقائع». وتساءل عمن «يتحمل المسؤولية الأخلاقية والسياسية في وضع حدّ لهذه المهزلة القضائية المشينة».
(الأخبار)