زبقين ـــ آمال خليل
منذ زمن الحرمان، صبرت بلدة زبقين على الضيم وانتظرت رحمة الدولة لتعطيها حقوقها من فرص تعليمية واقتصادية وصحية، إلا أنها أخطأت في التقدير. ومع توالي استهدافها خلال الاعتداءات الإسرائيلية ظلت زبقين تخطئ في التقدير بانتظار دور الدولة المنوط بها لإزالة الألغام وإعادة الإعمار والتعويض الحقيقي عن الحجر والأرض. لكن خطأها الأخير بعد عدوان تموز كان الأكبر بحجم الدمار الذي ضرب حوالى 65 في المئة من المنازل واضطرار نزوح معظم سكانها للعيش في صور حتى تُبنى البيوت ويرجع إليها أصحابها. الهيئات الرسمية استمرت بعد مرور سبعة أشهر على انتهاء العدوان بتقدير الأضرار قبل أن تقضي قبل 3 أشهر بدفع الجزء الأول من التعويض لأصحاب البيوت المدمرة كلياً التي بدأوا بإعمارها بالدين ولم ينهوها بانتظار الدفعة الثانية. ولأن أهالي زبقين أيقنوا أن انتظار الدولة لا يطعم خبزاً قرروا «قلع شوكهم بأيديهم». وفي إطار مشروع «تحليل النزاعات وتحويلها» الذي تنفذه جمعية مسار في بعض القرى اللبنانية بالتعاون مع جمعية كويكرز الأميركية، اختار الأهالي «التدرب على كيفية حل المشكلة المتجددة بأنفسهم، والمقصود هنا هو القنابل العنقودية، ومواجهتها والضغط على أصحاب القرار المعنيين لحلّها»، بحسب رانيا سبع أعين. المشروع النموذجي الذي بدأ منذ مطلع العام الجاري، تلقّفه نادي زبقين الشبابي والقطاع الأهلي اللذان أطلقا حملات توعية لتحذير الأهالي والأطفال من القنابل العنقودية وتعريفهم بأشكالها، وخصوصاً أن الملصقات الإعلامية الترويجية معروضة بكثافة خارج المساحة المستهدفة، إضافة إلى الاتصال بمكتب نزع الألغام التابع للجيش اللبناني ودعوته إلى البدء الفعلي بعمليات تنظيف حقول البلدة التي يعتمد الجميع على مواسمها الزراعية. وبحسب أحد الناشطين وسيم بزيع، فإن «خطة إزالة القنابل العنقودية لدى الجيش اللبناني تجري وفق أولوية المواسم الزراعية مستثنيةً الأحراج، علماً بأن الأمكنة المستهدفة ليست محددة حتى الآن، والوحدات المختصة لا تأتي إلى البلدة إلا بدعوى طارئة من الأهالي لتفجير ذخائر أو قنابل وجدوها. إضافة إلى أن الكتيبة الصينية المستقرة بجوارهم في بلدة الحنية كانت قد حددت بعض الحقول التدريبية». حتى الآن، لم تثمر تحركات الأهالي خيراً سوى في أخذ الاحتياطات في الأماكن المستهدفة التي قللت عدد الإصابات المحتملة (3 مصابين)، لكنها في الوقت عينه، حرمت المزارعين رزقهم الذي يذبل أمامهم وليس بيدهم حيلة أو تعويض من الدولة، ولا سيما أنهم يعلمون أن المشكلة لن تحلّ قبل خمس سنوات على الأقل، في حين أن القنابل العنقودية تزداد خطراً مع مرور الوقت. إضافة إلى الرعب المسيطر الذي يعيشه الأطفال بسبب تعليمات السلامة من المدرسة وتحديد التحركات من الأهالي، كأن أي شيء حولهم بات قنبلة عنقودية. وبعد تجاهل النواب والمعنيين لمطالبهم، يحاول الأهالي إيجاد أدوات المواجهة بأنفسهم عبر الاستعانة بـ18 شاباً من البلدة محترفين ويعملون مع الهيئات الدولية في الجنوب، لكنهم اصطدموا بالحاجة إلى المعدات اللازمة، وخصوصاً أن البلدة تفتقر منذ العدوان إلى مستوصف صحي وسيارة إسعاف لمواجهة أي إصابة محتملة، إضافة إلى عدم توفير الإسعافات الأولية لكل بيت. ولعل قرار المواجهة الذاتية الذي اتخذته زبقين بمفردها فضفاض على جسدها النحيل، تقول زهرة البندر «لكن النار التي تكوي أهلها ورزقها وغياب أي متضامن معهم لن يثنياهم عن رفع الصوت عالياً علّه من مجيب».