ثائر غندور
بينما يعيش البلد حالة جمود على مختلف الصعد، تخرج الجامعة اللبنانية لتقول إنّ هناك إمكاناً للتطوير، «وباللحم الحيّ»، إذا وُجدت إرادة لهذا الأمر. فأعلنت أخيراً بدء استقبال الطلاب في السكن الجامعي لتوجّه إلى كلّ الذين راهنوا على إمكان تدميرها الرسالة الآتية: «انتبهوا، الجامعة من هذا الشعب ولن تموت!»

بعد مرور ثلاث سنوات على أول إعلانٍ لبدء استقبال طلبات الراغبين في الإقامة في «وحدة سكن الطلاب» الكائنة في المدينة الجامعية في الحدث، بات الأمر حقيقةً. فقد عقدت إدارة الجامعة مناقصة عامّة في 17 تموز الماضي لتلزيم إدارة وحدات سكن الطلاب وتشغيلها، ورسا العقد على شركة «رويال ريزدانس» بقيمة مليار ومئتي مليون ليرة لبنانية بدون الـ TVA. فما هو واقع هذا السكن الجامعي؟ وما هي الأنظمة التي ترعاه؟
يتألف السكن الجامعي من ثلاثة مبانٍ تضمّ ألف غرفة تصل قدرتها الاستيعابية إلى ألف وأربعمئة شاب وستمئة وخمسين صبية، إذ يسكن كل طالبيْن في غرفة واحدة تضم كل مستلزمات الراحة. وهناك 27 غرفة للمتزوجين. شُيّد هذا المجمّع وفقاً للشروط العالمية، إذ هناك قاعة للدرس والإنترنت في كل طابق، وكذلك مطبخ مشترك لكل ثماني غرف. وسعّرت الجامعة السرير بمئة ألف ليرة تشمل كل التكاليف من كهرباء وغاز وغيرها.
تضمّ كل غرفة حمّامها الخاص، سريرين، خزائن حائط للثياب، طاولتي مطالعة مع كرسيين، كومودين، مكتبة مع رفوف، هاتفاً وبراداً. كما يضم المبنى غرف غسيل لألبسة الطلاب، تعمل وفق نظام الخدمة الذاتية (self service) وتضم ثلاثين غسالة ونشّافة. ويوجد أيضاً نادٍ صحي رياضي مؤلّف من ثلاث قاعات كبيرة تتولى الجامعة تجهيزها، ومستوصف تتكفّل الكلّيات المختصة في الجامعة اللبنانية إدارته وتجهيزه. ويحوي «السكن» على 43 مطبخاً تتراوح سعة كلّ منها بين 5 و32 طالباً، وتضمّ 170 طاولة و720 كرسياً ومجهّزة بالمجالي والخزائن وبرّادات مياه للشرب وسخّانات كهربائية. يذكر أنّ أنظمة التدفئة والتبريد تعمل مركزياً في السكن كلّهوتتولى الشركة الملتزمة تنظيف الغرف مرتين في الأسبوع على الأقل، كما يتم تغيير البياضات وغسلها مرّة في الأسبوع بشكل دقيق جداً يشرحه الملحق الرقم خمسة في شروط العقد. ويُلزم العقد الشركة بتوظيف ما لا يقل عن 115 موظفاً ليقوموا بهذه الأعمال، فتسهم بذلك بخلق فرص عمل إضافية لـ 300 عامل يعملون في الشركة المسؤولة عن صيانة مجمّع الحدث الجامعي.
وتدير لجنة يعيّنها رئيس الجامعة السكن، وتتألف من أمين السرّ العام للجامعة اللبنانية (رئيساً) رئيس المصلحة الإدارية المشتركة، موظفين من الفئة الثالثة على الأقل من ملاك الجامعة الإداري أو الفني، اختصاصي في إدارة الفنادق من كلية السياحة والفنادق في الجامعة اللبنانية، المسؤول عن إدارة الوحدات السكنية، أو ممثل عن الشركة الملتزمة إدارة هذه الوحدات واستثمارها وممثّل عن الاتحاد الوطني لطلّاب الجامعة اللبنانية. وسيبقى المنصب الأخير شاغراً، كما هي الحال بالنسبة إلى كل اللجان التي تضم ممثلين عن الاتحاد الوطني لطلاب الجامعة اللبنانية. وتنطلق فكرة إيجاد هذا المنصب رغم غياب «الاتحاد» من قناعة إدارة الجامعة لضرورة وجود هذا «الاتحاد». ويشير أمين السرّ العام للجامعة اللبنانية (الذي يترأس لجنة إدارة السكن) محمد البابا إلى إمكان التعويض عن غياب هذا الممثل مرحلياً عبر اختيار الطلّاب القاطنين في السكن لممثلٍ عنهم.
واختيار الطلّاب للسكن من أهم مهام هذه اللجنة، انطلاقاً من الشروط التي حدّدتها الجامعة، وهي: البعد الجغرافي لسكن الطالب الأساسي عن مركز المدينة الجامعية، طبيعة الدراسة في الكليات والاختصاصات المسجّل فيها الطالب والتي تتطلب حضوراً مستمراً وإلزامياً، تعطى الأفضلية للطلاب ذوي الحاجات الخاصة، ويتحرّك سلّم الأولويات بحسب طاقة استيعاب المدينة الجامعية. يبقى الشرط الأساسي والبديهي، وهو أن يكون الطالب منتسباً إلى إحدى كليات الجامعة اللبنانية.
وبالنسبة إلى الطلاب غير اللبنانيين المسجلين في الجامعة اللبنانية، يمكن قبولهم بنسبة لا تزيد على 10% من طاقة الاستيعاب، وتعطى الأولوية للطلاب الممنوحين من دولهم أو بموجب اتفاقيات تعاون وتبادل بين الجامعة اللبنانية وتلك الدول. وتعلن اللجنة نتائجها قبل خمسة عشر يوماً من تاريخ بدء الإقامة في الوحدات السكنيةوحدّدت إدارة الجامعة في الملحق الرقم 2 «واجبات المقيمين ومسؤوليتهم والعقوبات التأديبية. فحظّرت عليهم: إقامة الاحتفالات أو المهرجانات السياسية أو الدينية، مع إمكان إقامة الحفلات الدينية بالتنسيق مع إدارة الوحدات وموافقة لجنة الإشراف؛ لصق الصور أو الشعارات أو كتابتها داخل الغرف وفي أي مكان داخل الحرم؛ الدعوة للإضراب أو الشغب أو الاعتصام أو التمرد داخل حرم الوحدات؛ إدخال أو توزيع المنشورات أو العرائض أو الكتب أو الأفلام المنافية للآداب والأخلاق العامة أو التي تدعو إلى التفرقة السياسية أو الدينية؛ القيام بأي عمل من الأعمال المنافية للشرف والحشمة والآداب العامة؛ استقبال الزوّار في غرف النوم؛ إدخال المشروبات الروحية أو استعمالها في الغرف أو الدخول إليها بحالة السكر؛ إدخال مختلف أنواع الحيوانات؛ إدخال مختلف أنواع الأسلحة بما فيها المرخّصة؛ الإخلال بالأمن والنظام أو التمرّد على أنظمة الوحدات أو التطاول على موظفي الوحدات.
ويلفت البابا إلى «أنّ وضع نظام داخلي بهذه الصرامة، وخصوصاً لجهة النشاطات السياسية، سببه «الوضع السياسي المتأزّم» في البلد، إضافة إلى حرصنا على حياة الطلاب ومصلحتهم».
من هنا، يمكن القول إنّ هذا النظام الداخلي وليد أوضاع متأزمة إلى حدّها الأقصى، وصلت إلى منع النشاط السياسي في المجمّع، ويمكن إعادة السماح بها إذا استعاد الطلّاب والبلد حياته السياسية الطبيعة، «فنحن كنّا ناشطين حين كنّا طلاباً ولا نريد خنق الحياة الطلابية... لكننا حريصون على سلامة طلابنا»، يقول البابا. وحدّدت الإدارة العقوبات في حال المخالفة بثلاث: الإنذار بالحرمان من الإقامة في الوحدات السكنية ثم الحرمان من الإقامة لمدّة تتراوح بين الشهر والسنة والعقوبة القصوى هي الحرمان النهائي من الإقامة في الوحدات السكنية.
قدّم حوالى أربعة مئة طالب طلباتهم حتى اليوم، لكنّ البابا يعتقد بأن العدد سيرتفع في الأيام المقبلة، أي عندما يبدأ التسجيل في الجامعة، ويرى أنّ هذه الأنظمة قابلة للتعديل بعد التجربة لأن «هذه هي المرّة الأولى التي يكون لدينا سكن جامعي».




...وانتشرت الشائعات

لم يكد يفتح سكن الطلاب أبوابه، حتى انتشرت الشائعات التي تقول إنّ هناك «أموراً غير أخلاقية» تجري في السكن. وبالتالي، تنصح هذه الشائعات الأهالي الخائفين على «سمعة بناتهم» بعدم تسجيلهن فيه، والبقاء في «الفويهات»(Foyers) الخاصة التي تنتشر في محيط الجامعة. ويرى المسؤول عن إدارة المجمّع نزيه رعيدي أنّ هذه الشائعات غير منطقية أبداً، وتهدف إلى محاربة السكن الجامعي والمحافظة على المصالح الخاصة. ويحيلك رعيدي إلى النظام الداخلي الذي يمنع أي أحد من الصعود إلى غرف المنامة، وإلى التقسيم الهندسي للمجمّع، إذ أن مبنى الذكور منفصل عن مبنى الإناث.
هذه الشائعات ليست غريبة عن المجمّع، إذ إنه عرضة لهذا النوع من الشائعات منذ زمن، كما أنه عرضة لتصرفات غير لائقة أحياناً، مثلما حصل مع طلّاب كلية التربية حين مُنعوا من السباحة. لكن يبدو أن منطق استمرارية الحياة لا بدّ أن يسود، وسيتمكّن طلّاب «اللبنانية» من تجربة الحياة الجامعية الحقيقية في مجمّع متكامل.