كامل جابر

أصيب وادي الحجير، الواقع بين قرى القنطرة وعلمان والغندورية، بلعنتين: الأولى هي الحرب الإسرائيلية التي أطاحت مطاحنه، والثانية هي الجهل وحب المال الذي أودى بأشجار الزيتون التاريخية المعمّرة فيه. فقد دفعت المطاحن ثمن تقدّم الجيش الاسرائيلي في الوادي في آب 2007 حينما كان يحاول استعماله ممرّاً لعملية احتلال جنوبي الليطاني. ومهّدت قوات الاحتلال لهذه العملية العسكرية بقصف طاول معظم جوانب النهر متسبباً بتدمير عدد من المطاحن القديمة المنتشرة قرب مجاري المياه. وكانت محاولات جرت في وادي الحجير، قبل العدوان، لترميم هذه المطاحن وتأهيلها لتعود عبرها الحياة الى الوادي. ولكن الحرب حوّلت بعضاً منها الى أطلال. وكانت هذه المطاحن مشيّدة على مسافة أمتار من «الزيتونات العتيقة» التي يزيد عمرها على 300 سنة، وتشكل معها هوية الوادي.
إحدى هذه الزيتونات كانت تنتشر على مساحة لا يقل قطرها عن عشرة أمتار بعدما فرّخت حول جذعها الأصيل تسعة جذوع شكلت لوحة «الاجتماع والوحدة». وقد كانت شهدت مع أخريات لها في الجوار على «مؤتمر وادي الحجير» الذي شكل في 24 نيسان 1920 حدثاً مميزاً في حياة جبل عامل السياسية والتاريخية. فقد دعا كامل بك الأسعد الى المؤتمر علماء جبل عامل ورجال الدين وأبطال المقاومة ليناقشوا معاً الأوضاع السياسية. فجلس المؤتمرون بظلال الزيتونات وتباحثوا وقرروا، بالإجماع، «انضمامهم إلى الوحدة السورية الفيصلية والمناداة بالأمير فيصل ملكاً على سوريا المستقلة ورفض الدخول تحت الانتداب الفرنسي».
لكن اليوم لم يبقَ من شاهدٍِ على ذلك الحدث. فالطائرات الاسرائيلية أنهت بحرائقه «المجزرة» التي كان قد بدأها تجار أشجار الزيتون حينما اقتلعوها لتزرع قرب الطريق العام في المصيلح. ولكن سوء الاقتلاع والنقل، الذي استمرّ يومين، حرمها نصف «أولادها»، فظهرت في المكان الذي انتقلت إليه، كالأسيرة الثكلى. وبين فاصل الانتقال وإعادة الزرع، أتى العدوان الاسرائيلي ليصيب هذه الزيتونات مقتلاً واحتراقاً، من خلال غارة استهدفت العيادات النقالة التي كانت متوقفة بالقرب من موقع الزيتونات. في المقابل، لاقت الشجرات البديلة في الوادي، المصير عينه، إذ أتى العدوان عليها، قصفاً، وما سلم منها ذبل من العطش ويبس بعد انقطاع المياه عنها مدة 33 يوماً.
لقد فقد وادي الحجير حيزاً من طبيعته المميزة، وقلبه النابض بالتاريخ، أيمكن تعويض ذلك؟