سلطانة متيرك
تعتبر مغاور عدلون من أقدم مواطن إنسان ما قبل التاريخ في حوض البحر المتوسط، لكنها اليوم عرضة للتجاوزات في البناء التي تهدّد المواقع الأثرية وتاريخ البلدة

تعدّ مغاور عدلون واحدة من زوايا الوطن القابعة تحت إهمال المديرية العامة للآثار ووزارة السياحة، إضافة إلى لامبالاة السلطة المحلية. فتلك البلدة التي تتميز بموقعها على الساحل الجنوبي من مدينة صيدا، وتشتهر ببطيخها العدلوني هي في الواقع من أول مواقع ما قبل التاريخ. فقد أثبتت الحفريات الأثرية التي قام بها فريق من خبراء ما قبل التاريخ من الجامعة اليسوعية في القرن الماضي أن هذا الكهف استُعمل مسكناً لإنسان العصر الحجري الأول (150 ألف سنة) الذي خلّف في داخله عدداً كبيراً من القطع الصوانية المنحوتة. وأثبت اكتشاف تلك الصوانيات أن لبنان كان موطناً لصيادي العصور الحجرية. وبعد أكثر من 140 ألف سنة، سكنت الكهف مجدداً ولعلها كانت جزءاً من قرية صغيرة مبنية بالقرب
منها.
فموقع هذه المغارة استراتيجي إذ إنها تطلّ على البحر وتشرف على السهل. ولعلّ موقعها الجغرافي هذا جعل منها نقطة لإعادة استعمال صخورها في الفترة الرومانية مدافن تحفر في الصخر على شكل غرف يقسّم داخلها إلى نواويس منحوتة. وتشكل المغارة الأساسية والمقابر المحيطة بها موقعاً أثرياً مهماً لتاريخ الوطن ونقطة استثمار ممكنة للقرية. ولكن ما تقدمه هذه الآثار من «خدمات» لسكان المنطقة يتجاوز أسوأ التخيّلات. فقد تحول البعض من مدافنها الى غرف صغيرة لتوضيب الأغراض أو آبار للمياه العذبة. أما البعض الآخر فيستعمل مكبّاً للنفايات المنزلية أو حتى جُوَراً للصرف الصحي! أضف الى كل ذلك خطر «زوال» تلك الآثار اليوم بعدما أصبحت عرضة للتجاوزات العمرانية.
وكان استعمال آثار عدلون مساكن بدأ مع حرب تموز الأخيرة حين «اكتشف» الأهالي في المقابر الرومانية ملاذاً آمناً من أصوات الطائرات الإسرائيلية وصواريخها.
فعدلون وكباقي أخواتها من البلدات الجنوبية، نالت نصيبها من القصف فدمرت فيها منازل وجسوراً، ما حثّ البعض من سكانها على «تنظيف» المقابر (وقد يعني ذلك إزالة كل القطع الأثرية المتروكة التي تسمح عادة بتأريخ الموقع) وقضاء الليل في داخلها.
يقول أحد أعضاء المجلس البلدي، الذي طلب عدم التصريح عن اسمه، «إنّ ورشات البناء على الآثار ما زالت مستمرة وبأعداد ملحوظة، فهناك أبنية تتألف من عدّة طبقات يرتفع فوقها القرميد الأحمر وقد تصل مساحة الأسطح إلى 200 متر مربع تقريباً. وقد شُيّد بناءٌ آخر من ثلاث طبقات على أرض مصنّفة أثرياً وقد وهب أصحابها إحدى طبقات البناء للمجالس الحسينية برخصة من المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى». هذا من ناحية، ومن الناحية الأخرى يشهد «مخيم عدلون للفلسطينيين» امتداداً واسعاً على الآثار «وعلى عينك يا تاجر»، كما يقول المثل الشعبي.
ويطالب اليوم العديد من أهالي البلدة السلطات الرسمية بحماية الآثار للمحافظة على طابع البلدة وتاريخها، لاعتبارهم أن هذا الإهمال من مسؤولية المديرية العامة للآثار.
تقول المتخصصة في علم الآثار معصومة علامة، وهي من أبناء البلدة، إن «الإهمال وصل إلى مرحلة العقم في إيجاد معلومات علمية عن عدلون. ولكننا اليوم نملك الخرائط بين أيدينا ونقوم بدراسة تاريخ البلدة ونعمل على تأهيل موقع إلكتروني عنها، لكننا نواجه عرقلات وصعوبات شتى في حماية المدافن والمغاور». وتبقى إزالة التعديات خطوة أكبر بكثير من عنوان أو نيّة، وخصوصاً أن ما قدّمته الدولة لهذه البلدة وآثارها المهمة لا يتعدى وضع اليد على المغارة الكبيرة وإقفال بابها ببوابة حديدية كبيرة تمنع الناس من دخولها.




مغارة للأمهات

تتميّز مغارة عدلون الكبرى (التي سكنها إنسان ما قبل التاريخ) ببابها الغربيّ الواسع المطلّ على البحر، وبفتحات كبيرة في وسطها تشبه ثدي المرأة المقلوب.
ويتحدث أهل الضيعة عن القدرة الشفائية لمياه هذه المغارة ويقولون إنّ المياه المتسرّبة من الصخور على مدار السنة أو خلال فصلي الصيف والشتاء هي أفضل دواء لمعالجة آلام الرضعة الأولى ولزيادة كمية الحليب في صدور الأمهات.
ولهذا السبب تعوّدت النسوة زيارة المغارة وغسل صدورهن بمياهها، وربما لهذه الميزة وبسبب ثدي المرأة المقلوب في وسطها أطلق عليها اسم «مغارة أم البزاز».