شاتيلا ــ ثائر غندور البرج الشمالي ــ بهية العينين

خمسة وعشرون عاماً مضت، والمجزرة حصلت البارحة. كل يوم هناك مجزرة جديدة. ربما المشكلة في الضحية، أو هكذا يودّ البعض أن يجعلنا نفكّر. خمسة وعشرون عاماً وما يزال هناك من يدافع عن الإنسان، ويأتي إلينا، لأن الإنسان في منطقتنا يتعرّض للظلم.
هكذا يفهم توماس كوكوفيك، مشاركته أمس في مسيرة «كي لا ننسى ذكرى صبرا وشاتيلا». يقول توماس بهدوء واضح: «أنا لا أتضامن مع الشعب الفلسطيني لأنه فلسطيني، أو اللبناني لأنه لبناني، بل هو إنسان يتعرّض للظلم»، ثم يبتسم. تلتفت حول توماس فترى رؤوساً تعلوها أعلام فلسطين و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» وحركة «فتح». يجتمع المئات في تلك الساحة الصغيرة، «حيث دُفن شهداء مجزرة صبرا وشاتيلا»، تقول عريفة الحفل. بالقرب منها يقف عباس زكي. هو ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان، حوله عدد لا يُستهان به من الحرّاس الشخصيين. دخل إلى تلك الساحة وكأنه «بطل عربي» لا يثق بجمهوره. أتى ليتحدّث بالسياسة، ويشكر الجيش على نصره والدول المانحة عل تبرّعاتها... في مقابله، يمشي النائب في البرلمان الأوروبي أومبرتو ويدانو وحده. يرتدي بنطلون جينز، ويحمل شنطة على ظهره دون أي حراسة. يتحدث عن الظلم الذي يلحق بالشعبين اللبناني والفلسطيني، عن الهمجية والوحشية الإسرائيلية. هو مقتنع بأن العقلية الحاكمة في «إسرائيل» لا تريد السلام، ولا يُمكن أن تنتج سلاماً، ولذلك وجب على الاتحاد الأوروبي التدخل لإجبارها على احترام الشعب الفلسطيني خاصة والعربي عامة. ويشير إلى أن الأوروبيين يرون أن حركات المقاومة هي حركات إرهابية، «وهذا ما يجب أن يتغيّر لأنهم مقاومون». وعن فلسطين، يتحدّث كأنه «أم الصبي»: «هناك صراع بين الفلسطينيين، علينا أن لا نكون طرفاً، بل يجب أن نسعى ونعمل لجمعهم، للضغط على الرأي العام العالمي، في سبيل قضيتهم الأساس». هو يختلف كثيراً عن عباس زكي، وعن المئات من السياسيين في العالم العربي.
«الجماهير» التي مشت من مستديرة السفارة الكويتية إلى نصب المجزرة في مخيّم شاتيلا، لم تكن مليونية، فقط مئات. لكنّهم كانوا صادقين إلى الحدّ الأقصى، واضحين كثيراً، وخصوصاً هؤلاء الأجانب الذين قدموا من بلدانهم. إذ أتى وفد من خمسة وخمسين شخصاً، من إيطاليا. مونيكا موري واحدة منهم. هي تركت لبنان في عام الاجتياح (أي 1982) بعد أن كانت قد أتت إليه في عام 1976 لتعمل في مجال السينما، وتوقفت عن زيارته إلى أن عادت في عام 2000. ومنذ تلك السنة، ثابرت على تكرار الزيارة دورياً، «حتى لا ننسى صبرا وشاتيلا وكل المجازر التي حصلت بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني». وتتحدّث موري عن عملية «غسل دماغ» (Brain Wash) يتعرّض لها الشعب الإيطالي، كما غيره من شعوب العالم، من قبل أجهزة البروباغندا الأميركية، التي تحاول أن تقول إن «كل من يقاوم إسرائيل هو مجرم». وأكثر ما يحزّ في قلب موري، مثلها مثل صديقاتها الفلسطينيات، هو «بقاء المجرم خارج السجن». فهي على قناعة بأن إعادة الكرامة لأولئك الشهداء لا تكون إلا بمحاكمة المجرمين.
بدوره، أتى سو تيونغ مين، من ماليزيا. هو هنا، من أجل البحث الأكاديمي. يريد أن يفهم ما الذي حصل ويحصل في هذه المنطقة. يمشي «سو» بين أطفال «مركز الصمود الشعبي» مندهشاً من أطفال لم تتجاوز سنوات عمرهم أصابع اليد الواحدة، وهم يحملون يافطات تؤكد إدانة مجزرة عمرها خمسة وعشرون عاماً، ويقولون: «نريد العودة إلى فلسطين». هؤلاء الأطفال حملوا صور «ستيفانو». هم لا يعرفونه تماماً، لكن «بلاب»، الحيفاوي (من حيفا) والساكن في مخيم برج الشمالي، يعرف أنه «يحبّنا» لا أكثر ولا أقل.
انتهت المسيرة، بكلام كثير قيل، عن حق العودة، ونهر البارد، وجرائم إسرائيل، «السلاح الذي هو زينة الرجال»... وحدهم هؤلاء الأطفال حملوا يافطاتهم وجلسوا لا يفقهون شيئاً، لكنّهم يريدون العودة إلى فلسطين «حتى شوف الأرض إللي إلنا».
جولة لجنة «كي لا ننسى صبرا وشاتيلا»، بدأت في صور، حيث كان أبو أحمد يقف مع أبناء مخيمه في البرج الشمالي يستقبلون الوفد الأجنبي «آملين من زيارتهم السابعة على التوالي التوصل إلى معاقبة ومحاسبة كل من خطط وشارك وساند ودعم ونفذ المجزرة التي ستبقى الأبشع والأفظع في سجل المجازر».
جولة اللجنة بدأت من الجنوب، حيث قامت بجولة على الخيام، بنت جبيل، صديقين وقانا، لتعلن استنكارها للعدوان الإسرائيلي الأخير على لبنان، وتدعم المقاومة في الجنوب. ثم انتقلت إلى مخيم البرج الشمالي برفقة المدير المسؤول عن مؤسسة بيت أطفال الصمود في لبنان، قاسم عينا، وكان في استقبالهم رئيس اتحاد بلديات صور عبد المحسن الحسيني، بالإضافة إلى حشد كبير من أبناء المخيم.
اللجنة التي عرضت فيلماً يتضمن صور ضحايا المجزرة، طمأنت رئيستها ستيفانيا ليميتي أصدقاءها اللبنانيين والفلسطينيين إلى أن أعضاء اللجنة سيكونون سفراء للشعب الفلسطيني في بلدانهم.
ولم تنس ليميتي أن تشكر اللبنانيين الذين يقاومون من أجل محاربة من يحاول إلغاءهم، ويرفضون أن يصبح لبنان حديقة تابعة للولايات المتحدة.