راجانا حميّة
ربّما كانوا يملكون أحلاماً كبيرة وكبيرة جدّاً، لكنّهم لا يجرؤون على عيشها أو حتّى توهّمها، فهم لا يملكون الحقّ في عيش أحلام غيرهم وطموحاتهم، إلّا أنّهم يُجبرون على أن يكون لهم الحق في التسوّل والسرقة، والنوم على قارعة الطريق. أطفال من أبناء هذا العالم يحبّون ويبكون ويعشقون ويحلمون، لكنّهم لا يجدون زاوية خاصّة تحضن مشاعرهم، لذا فهم يكبتونها خوفاً منها ومن نسيان أنّ جلّ ما يبحثون عنه رغيف الخبز، وجلّ ما يمكنهم امتلاكه من مدينتهم خرق بالية وعدّة عملٍ بائسة وفراش في أزقّتها. هؤلاء الأطفال يشعرون مثلنا، لكنّهم نسوا أنّ لهم مشاعر، لذا كان على أحدنا أن يشعر بالنيابة عنهم، ليعي قدر المأساة التي يعيشونها. ثلاثون طفلاً وجدوا أنفسهم معنيين بآلام مئات «المشرّدين»، بقدر ما هم معنيون أيضاً بنقل أحلامهم المكبوتة إلى الجهات المسؤولة، ولو كانت خشبة المسرح هي الملاذ الأخير.
بالأمس، أطلّ أطفال صف المسرح في نشاطات مركز الخدمات الإنمائية في الشيّاح وجمعيّة «DIA» الفرنسيّة من مسرح دوّار الشمس في عرض «شجر الشوارع... يا غزيّل»، بعد أيّامٍ عاشوها بين الأزقّة مع مدرّبتهم فاطمة زبيب، وعادوا يحملون في جعبتهم أحلام «الآخرين» المبعثرة التي لا تتعدّى أكبرها الابتسامة والصداقة.
في «شجر الشوارع... يا غزيّل»، قسّمت زبيب الممثلين إلى فئتين، الأولى تمثّل «شجر الشوارع» والثانية أطفال العالم الآخر الذين كشفوا النقاب عن المأساة بالنيابة عن أصحابها في محاولةٍ لتوعية من يغفلون عنهم. وقد عمدت زبيب إلى تسليط الضوء على «المشرّدين» ليس فقط في الشوارع بل أيضاً داخل منازلهم، الأطفال الذين يُجبرون على العمل «لأنّو البابا بحب يتجوّز ويكب»، أو «لأنّو بيّي متوفّي وأمي مريضة وإخواتي صغار»، أو «لأنّو العلم ما بيقدر بطلّع 20$ بالنهار، فلشو بدّي عذّب حالي».
يذكر أنّه أعقب المسرحيّة عرضٌ راقص للأطفال بإشراف أحمد مخلّلاتي وتدريب علي مخلّلاتي، كما شهد الحفل أيضاً كلمة لمديرة المركز نزيهة دكروب شدّدت فيها على دور العاملين في الشأن التربوي والاجتماعي والتنموي لتأمين الدعم للفئات الشبابيّة ومساعدتهم على تخطّي مخاطر تلك المرحلة وصعوباتها.