نقولا ناصيف
يصل وزير الخارجية الفرنسي برنار كوشنير، يرافقه موفده الخاص جان كلود كوسران، إلى بيروت اليوم، في زيارة ثالثة بعد اثنتين في 24 أيار و27 تموز، من دون أن يحمل معه صيغة حل للنزاع اللبناني على الاستحقاق الرئاسي، أو أفكاراً جديدة. وبحسب مصادر دبلوماسية معنيّة بالوساطة الفرنسية، فإن المهمة الجديدة لكوشنير في بيروت أقرب ما تكون إلى إطلاق دينامية تحرّك بين الأفرقاء اللبنانيين استكمالاً للدور الذي ناطته بنفسها دبلوماسية الإدارة الفرنسية الجديدة منذ وصولها إلى الحكم في أيار الفائت، وانطلاقاً من المبادرة التي أطلقها الرئيس نبيه بري في 31 آب الفائت، وترى فيها إطاراً صالحاً لمعاودة الحوار اللبناني.
وتبعاً للمصادر الدبلوماسية إياها، تندرج الزيارة الخاطفة من بعد الظهر حتى ما قبل منتصف الليل، في سياق معطيات أبرزها:
1 ـ تأكيد إضافي لترحيب باريس بمبادرة رئيس المجلس، ولا سيما منها الجانب المتعلق بحضّ قوى 14 آذار على الحوار توصلاً إلى إنجاز انتخابات الرئاسة اللبنانية. ومن دون أن تؤكد حجم التنسيق المسبّق بين الاقتراحات التي طرحها بري في مبادرته والموقف الفرنسي من إمرار هادئ وطبيعي لاستحقاق 2007، تقول المصادر الدبلوماسية إياها إن باريس تقوّم نشاط بري على أنه الوحيد بين المسؤولين اللبنانيين تقريباً الذين يضعون أفكاراً على الطاولة للمناقشة كمدخل لتفاهم داخلي. وتقول باريس، بحسب المصادر الدبلوماسية المعنية، إن مجرد تداول مبادرة تعوّل على الحوار يمثّل إيجابية تخفّف وطأة التشنج، وتدفع مقاربة الاستحقاق الرئاسي في الاتجاه الصحيح. لكن ذلك يقتضي ألا تُتجاهل، من جهة أخرى، الحاجة إلى إيضاح بعض المسائل الذي هو شأن لبناني داخلي.
2 ـ لا تدخل مهمة كوشنير في التفاصيل التي تتطرق إليها مبادرة رئيس المجلس، وتحديداً السجال الدستوري المتشعّب حيال النصاب القانوني لجلسة انتخاب الرئيس الجديد للجمهورية ومفهوم المرشح التوافقي. وهو ما كان قد أكده كوسران في زيارته الأخيرة إلى بيروت قبل أكثر من أسبوعين، راسماً مذذاك حدود الوساطة الفرنسية بين طرفي النزاع. وبإزاء هذين البندين، ترى باريس أن بتّ النصاب القانوني للجلسة شأن داخلي يقرّره اللبنانيون في ما بينهم، وأنها تدعم فكرة التوافق من حيث طرحها مسألة مبدئية لإنجاز تفاهم وطني يجنّب البلاد مأزقاً مكلفاً، وتؤيد كذلك ما يتوصّل إليه اللبنانيون على صعيد تعريف المرشح التوافقي. ولذا لا تجد نفسها معنية باتخاذ موقف من مسألة المرشح التوافقي على نحو ورودها في المبادرة إلا بمقدار الاتفاق اللبناني عليه. وبحسب المصادر الدبلوماسية، تقارب باريس موقف البطريرك الماروني مار نصر الله بطرس صفير من الاستحقاق بكثير من الحساسية والتأييد، وتقاسمه الهواجس والقلق عليه.
3 ـ ليست باريس في وارد إعلان موقف التأييد لمرشح ما، إلى أي فريق انتمى، أو وضع فيتو على آخر وعرقلة انتخابه. وهي تحبّذ تفسير موقفها من الاستحقاق الرئاسي انطلاقاً من حضّ الأفرقاء اللبنانيين على انتخاب رئيس جديد للجمهورية وفق اتفاق داخلي يستند إلى الأصول التي يلحظها الدستور اللبناني وضمن المهلة الدستورية.
4 ـ لن يتخذ الفرنسيون موقفاً من مسائل يرون أنها تفاصيل تدخل في حقيبة الشؤون الداخلية للبنانيين الذين عليهم مناقشتها في ما بينهم: لكونها غير معنية بها أولاً، وخشية أن يُجتهد في تفسير حدود الدور الفرنسي وتشجيعه على التسوية، مما يضاعف من حدة التشنج المحلي. وفي هذا السياق تعبّر المصادر الدبلوماسية نفسها عن قلق باريس من أن يؤدي الخلاف اللبناني ـــــ اللبناني على تفاصيل مبادرة بري إلى أسباب تبرّر جرّ الوضع الداخلي إلى تعطيل الاستحقاق الرئاسي، ومن ثم ترك فوضى تعمّ البلاد. وتكمن خشيتها أيضاً من انهيار كل فرص الحوار والاتفاق في الأيام العشرة الأخيرة من المهلة الدستورية وولاية الرئيس إميل لحود.
على أن الثوابت التي يحملها الوزير الفرنسي معه إلى بيروت تقترن، بدورها، بآلية يأمل أن تواكب مهمته الجديدة. وهو ينتظر، بحسب المصادر الدبلوماسية المعنية، صدور موقف عن قوى 14 آذار من مبادرة رئيس المجلس تساهم في تحريك الحوار الداخلي، وخصوصاً أن هذه تدعو إلى هذا الحوار من خلال أفكار يقتضي أن يحدّد الحوار ملامحها واتجاهاتها. الأمر الذي يحمل المصادر نفسها، المطّلعة عن قرب على مهمة كوشنير، على الاعتقاد بأن التردّد في إصدار موقف يلاقي المبادرة والزيارة في آن واحد من شأنه أن يبطئ الحركة الفرنسية.
وتلاحظ في المقابل إشارتين:
أولاهما، صدور مواقف متباينة عن أفرقاء أساسيين من قوى 14 آذار من مبادرة بري، راوحت بين التأييد المطلق والتحفّظ، إلا أن المطلوب موقف جامع بإزاء أفكار اقترحها رئيس المجلس وحظيت بتأييد أفرقاء المعارضة المنخرطين في الاستحقاق الرئاسي، أي المعنيين بالاقتراع في مجلس النواب. تبعاً لذلك تربط المصادر الدبلوماسية بين مبادرة بري وزيارة كوشنير، وبين هذه والردّ الضروري الذي ينتظره الوزير الفرنسي من قوى 14 آذار على اقتراحات رئيس المجلس بلا إبطاء من أجل متابعة الحوار.
وبحسب ما تلمّح إليه المصادر إياها، فإن صدور موقف مشترك من قوى 14 آذار على مبادرة بري سيجد صداه في التصريحات التي سيطلقها كوشنير على أثر الاجتماعات التي سيعقدها مع المسؤولين اللبنانيين، وفي الحوار المتلفز القصير الذي سيعقده في السابعة والنصف مساءً مع مراسلي صحف لبنانية في قصر الصنوبر.
ثانيتهما، تأكيد سلسلة المواقف الفرنسية الرسمية أن باريس تقف في منتصف الطريق بين قوى 14 آذار والمعارضة، إلا أنها لا تتخذ إطلاقاً موقع الحياد عندما يتعلق الأمر بمحاولة تُقدم عليها سوريا للتدخّل في الشؤون اللبنانية، أو في انتخابات رئاسة هذا البلد التي ينبغي إعادة الاعتبار إليها وجعلها في يد اللبنانيين وحدهم. ويعكس ذلك دينامية جديدة في دبلوماسية فرنسية تولي الاستقرار اللبناني وانتظام آلية مؤسساته الدستورية أولوية الاهتمام.
ومن دون أن توغل المصادر الدبلوماسية في مقاربة هذا الجانب من أسلوب العمل الفرنسي الجديد، فإن استحقاق 2007 ليس وحده أول ما تواجهه دبلوماسية الرئيس نيكولا ساركوزي، بل أيضاً اضطلاعها بدور يختلف عن ذاك الذي أدارته الدبلوماسية الفرنسية السابقة في الانتخابات النيابية عام 2005.