رويدة أبو عيد
لا يمكن من يزور كلية العلوم ــ 1 في الجامعة اللبنانية، أن ينسى مشهد أكثر من 400 طالب يحاولون اكتشاف ما يكتب على اللوح، أو مشهدهم حين يعلمون أنّ 62% منهم راسبون

في الحدث حيث كلية العلوم، تشعر الحرية بالغربة التي تعتريها في هذا السجن الدراسي. فالأعمدة المسلّحة والأروقة الضيقة التي تشكل ملامح السجون، تخلق المناخ العقابي ذاته في الكلية، ولكن من دون معرفة الجرم الذي اقترفه سكانها من الطلاب ليُحكموا بالسجن الدراسي أربعة أعوام مع سبق الإصرار والترصد. تنتزع الكلية الغارقة في مستنقع الإهمال الطلاب من محيطها البيئي الأخضر إلى التساؤل عن أسباب اليتم الذي تعيشه.
يرى البعض أن الإحصاءات تظهر حجم «الافتراء» على الكلية. ففي بداية العام الدراسي 2006ـــــ2007 دخل إلى الكلية ما يقارب 2637 طالباً، ومن صمد بنجاح لم يتعدّ 38%.
لا تمثل نسبة 62% الراسبين وحدهم في امتحانات الفصليْن الأول و الثاني، بل تشمل الذين تركوا الجامعة من دون تقديم الامتحانات نتيجة وقوعهم في يأس المشاكل التي تعانيها الكلية.
لكنّ الحديث عن إخفاق ما يزيد على ألف طالب يجعلنا نتوقف عند النسبة. فالأرقام التجريدية قد تنسينا آلام الواقع فتتحول القيمة البشرية إلى مجرد أعداد تضيع في سراديب الطرح والجمع والنسب المئوية.
تعددت الأسباب والرسوب واحد. كلية العلوم تعاني مشاكل متنوعة تبدأ بالعدد الهائل الذي يتوافد إليها مع بداية العام الدراسي. ويتحدث مدير الكلية الدكتور علي كنج عن ضعف الإمكانات، إلا أنّه يبشر بوصول بعض التجهيزات للسنة الدراسية الثالثة والرابعة. وينسب بعض الطلاب المشكلة إلى أساليب بعض الأساتذة في الشرح التي «أكل الدهر عليها وشرب». ولا يقلّلون من شأن الخلل التقني في تفاقم حالتهم، فضلاً عن «رداءة المناهج وضغط المعلومات».
أما رئيس مجلس طلاب الفرع فضل الموسوي فيضع جزءاً من المسؤولية على الطلاب، فـ«الطالب المتفوق لن يقف عاجزاً أمام طغيان الجامعة»، علماً بأنّ المؤسسات الحكومية ليست وقفاً على المتفوقين، بل هي موجودة لاحتضان كل فئات المجتمع.
يعزو الموسوي المشكلة إلى غياب التوجيه المدرسي للطالب ما يسفر عن توجه غالبية الطلاب إلى الاختصاصات العلمية بغض النظر عن توافر المؤهلات المطلوبة، فضلاً عن انعدام التوجيه الجامعي نحو أساليب الدراسة. ويقول إنّ الهزيمة الذاتية التي يصاب بها الطالب المبتدئ تساهم في تحديد مصيره الدراسي، إذ يأتي حاملاً معه حماسة المرحلة الثانوية ليجد إلى جانبه في القاعة طالباً «لحيته أمامه»، فيبدأ «العريق» بتحطيم أي أمل لدى الجديد عبر تبشيره المتواصل بأنه حتماً سيرسب آخر العام. وأما تباهي البعض بصعوبة المناهج و«تحجرها»، على عكس ما تقتضيه المناهج التعليمية الحديثة، فيعود إلى غياب التخطيط والتنسيق بين مناهج الثانوية العامة وكلية العلوم في الجامعة اللبنانية. ويؤكد الموسوي أنّ عدم خضوع الطلاب لامتحان دخول إلى الكلية «زاد الطين بلّة»، إذ يدخلون إليها باعتبارها كلية مفتوحة، ما يزيدها «اكتظاظاً فتعمّ الفوضى وتتحول الاختصاصات العلمية إلى «كافتيريولوجي» وتتسع حلقات «لعّيبي الورق». ويرى الموسوي «أنّ بعض الأساتذة لا يرتقي إلى المستوى الضروري للتعليم»، متحدثاً عن أساتذة «الرعيل القديم» الذين يعتبرون «أنّ العلامة التي تعطى للطالب تسرق من سني عمرهم».
كما أنّ «الصلاحيات اللامحدودة» التي يتمتع بها الأساتذة مع غياب المساءلة تساعد في تحويل الأستاذ إلى «ديكتاتور» يتحكم بمصائر الطلاب، فيتأخر تخرّج البعض إلى ما يزيد على ثلاث سنوات نتيجة عجزهم عن النجاح في مادة معينة.
بدوره، يؤكد أستاذ المعلوماتية محمد دبوق ضرورة خضوع طرائق التعليم لسلطة رقابية أكاديمية لا إدارية، معتبراً أنّ غياب الرقابة يزيد من طغيان الأساتذة غير المقصود في كثير من الأحيان.
الطلاب لم يقترفوا ذنباً سوى أنهم مواطنون يطالبون دولتهم بالتزام واجباتها في تعليم أبنائها، هؤلاء الذين يعاقبون في معظمهم بسيف «قلة الحيلة» في السجن الدراسي.