بنتاعل ــ جوانّا عازار
طريق فرعيّة تتحوّل إلى كسّارة متنقّلة تهدّد التنوّع البيولوجي وتخالف القانون

على ارتفاع 520 م. تقع بلدة بنتاعل التي تحتضن أصغر محميّة في لبنان «محميّة بنتاعل الطبيعيّة» ومساحتها 110 هكتارات، وفيها نحو 30 هكتاراً من الصنوبر، و10 هكتارات من السنديان وتمتدّ من ارتفاع 250م. الى 850 م. المحميّة التي أنشئت بموجب القانون رقم 11 في تاريخ 25 شباط 1999 تجد نفسها اليوم مهدّدة والسبب هو توسيع الطريق في محيط المحميّة على حدودها الجنوبيّة.
ويقول المهندس الزراعي ريمون الخوري، وهو عضو في لجنة محميّة بنتاعل التي تشرف على المحميّة تحت اشراف وزارة البيئة «إن مشروع توسيع الطريق سيكون بين 8 أمتار و12 متراً. ويتمّ شقّ الطريق للاستفادة من أكبر كميّة من البحص بعد قضم الجبل وتشويه معالمه». وعلم أنّ نوّار عيدو قد حاز على مهلة اداريّة من وزارة الداخليّة تحمل الرقم 13526 في تاريخ 24/7/2007 لاستخدام كسّارة نقالة لشقّ طريق حبوب ـــــ فدار الفوقا في المنطقة العقاريّة في بشتليدا، وهي لتاريخ 30/12/2007. من هنا تقدّمت لجنة محميّة بنتاعل بشخص وكيلها المحامي ايلي كيرللس بشكوى مع «اتّخاذ صفة الادّعاء الشخصيّ ضدّ مجهول وكلّ من يظهره التحقيق فاعلًا أو شريكاً أو متدخّلًا أو محرّضاً»، وحدّدت نوع الجرم بـ«تلوّث وتشويه بيئي والتسببّ بأضرار صحيّة والتعدّي على حرم محميّة بنتاعل الطبيعيّة ومخالفة القوانين المرعيّة الإجراء».
وحدّد موضوع الشكوى بأنّ «مجهولا أقدم، بسرعة قياسيّة، على إنشاء وتركيز كسّارة على الحدود الجنوبيّة الغربيّة للمحميّة ضمن خراج بلدة بنتاعل، مجهّزة بالمعدّات والجرارات والآليّات الثقيلة دون علم الأهالي والسلطات المحليّة، حيث باشرت بأعمال الحفر وتكسير الصخور ونقل الردميّات على حدود المحميّة دون مراعاة أحكام القانون والشروط العامّة للاستثمار والمعايير البيئيّة والصحيّة ولا سيّما أحكام المرسوم رقم 5616 تاريخ 6 أيلول 1994، وهو ما مثّل خرقاً فاضحاً للقانون وتعدّياً صارخاً على المحميّة». وتتحدّث الشكوى عن الأضرار الناشئة عن عمل هذه الكسّارة، مشيرة الى أنّ وجودها «جاء مخالفاً لأبسط القواعد القانونيّة ومسبّباً كارثة بيئيّة ومجزرة بحقّ المحميّة والجوار، الأمر الذي يوجب إقفالها الفوري وإزالتها وملاحقة أصحابها جزئياً عملاً بأحكام قانون العقوبات اللبناني والمرسوم الرقم 444 تاريخ 29 تمّوز 2002، والمرسوم الرقم 5616 تاريخ 6 أيلول 1994، اضافة الى ختم موقع الكسارة بالشمع الأحمر ومن ثمّ توقيف المدّعى عليهم والتحقيق معهم تمهيداً لإحالتهم أمام القضاء المختصّ لمحاسبتهم وإلزامهم بإزالة التعدّي والعطل والضرر والرسوم والمصاريف والأتعاب». وطالبت اللجنة محافظ جبل لبنان بالتدخّل الفوري والإيعاز الى الجهات الاداريّة والأمنيّة المختصّة ليصار الى وقف الأعمال.
أمّا ردّ وزارة البيئة فجاء على لسان مديرها العام برج هارتيجيان في 28 آب 2007 «بأنّ المديريّة العامة للبيئة تحيط علماً بأنّه لم يتمّ استئناف أعمال الطريق المذكور لحين تاريخه نتيجة الكشف على المحميّة بتاريخ 26/9/2006، وبتاريخ 21/7/2007 من جانب فريق عمل وزارة البيئة، كذلك فإنّ المديريّة العامّة للبيئة ما زالت في انتظار تزويدها بدراسة تقويم الأثر البيئي للطريق وما يتضمّنه من أشغال مرتقبة، بهدف تفادي أيّ آثار سلبيّة على المحميّة ومحيطها، وذلك قبل المباشرة بأيّة أعمال تنفيذيّة اضافيّة، ليصار بعدها الى اتّخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها تطبيقاً للقوانين المرعيّة الإجراء. وأشارت المديريّة الى عدم صلاحيّة لجنة محميّة بنتاعل الطبيعيّة اعطاء الموافقة أو عدم اعطائها على أعمال الطريق وفقاً لمهمات لجان المحميّات الطبيعيّة. ووجهّت وزارة البيئة في 28 آب 2007 كتاباً إلى المديرية العامة للتنظيم المدني والى محافظ جبل لبنان يتضمّن «التشديد على عدم إلحاق أي ضرر من شأنه أن يصيب المحميّة، وضرورة ابلاغ وزارة البيئة مسبقاً بالأشغال الجديدة»، اضافة الى كتاب لوزارة الأشغال العامّة والنقل (المديريّة العامّة للطرق والمباني) والى كلّ من المدّعي العام البيئي في محافظة جبل لبنان ومحافظ جبل لبنان بالتكليف يقضي «بضرورة اجراء دراسة تقويم أثر بيئي للطريق»، وكتاب الى لجنة المحميّة للعمل على «افادتها دوريّاً بواقع الحال للطريق، متمنّية على المديريّة العامة للتنظيم المدني التنسيق مع وزارة البيئة واتخاذ الإجراءات اللازمة لجهة تصنيف مقلب الجبل المقابل لمحميّة بنتاعل الطبيعيّة «منطقة طبيعيّة»، وهو ما يتطلّب تخفيف عوامل الاستثمار، لكونه منطقة حرجيّة كثيفة تؤلّف امتداداً طبيعيّاً للمحميّة ونظامها الإيكولوجي».
«ويبقى التخوّف اليوم من الآثار السلبيّة المترتّبة على عمل الكسّارة، خاصّة أنّ وزارة البيئة كانت قد أبلغت كلًّا من محافظ جبل لبنان بالتكليف والمدّعي العام البيئي في محافظة جبل لبنان في 5/10/2005 الشكوى التي قدّمها اليها رئيس لجنة محميّة بنتاعل الطبيعيّة في 22/9/2005 الذي يشير فيها «الى استقدام أحد المتعهّدين حديثاً آليّات للبدء بعمليّة توسيع طريق في محيط محميّة بنتاعل الطبيعيّة، قبالة حدودها الجنوبيّة، وهو ما أدّى سابقاً أثناء شقّها الى أضرار جسيمة في الموارد الطبيعيّة والحياة البريّة والمناظر الطبيعيّة في المحميّة ومحيطها، من جرّاء الأساليب المعتمدة لشقّ الطريق المذكور». وتذكيراً بكتاب وزير البيئة المسجّل تحت الرقم 385/ب تاريخ 23/5/2002 الموجّه الى محافظ جبل لبنان، والمتضمّن التشدّد بعدم إلحاق أيّ ضرر من شأنه أن يصيب المحميّة وامتدادها، وضرورة ابلاغ وزارة البيئة مسبقاً بالأشغال الجديدة لكي يتسنّى لها وللجنة المحميّة التحقّق والمراقبة لتنفيذ الأعمال بالطرق السلميّة بيئيّاً، وتذكيراً بقانون إنشاء محميّة بنتاعل الطبيعيّة الذي أشار في المادّة الخامسة منه الى الآتي «يمنع القيام بأيّ عمل أو تصرّف يخلّ بتوازن المحميّة الطبيعي ولا سيّما كلّ عمل آخر يضرّ بالمحميّة أو يشوّه المناظر الطبيعيّة أو يتلف مواردها». عليه، وتطبيقاً لقانون حماية البيئة رقم 444/2002، رأت المديريّة العامّة للبيئة ضرورة اجراء دراسة تقويم أثر بيئي للطريق المذكورة بهدف تفادي الآثار السلبيّة على المحميّة، واتّخاذ الإجراءات القانونيّة اللازمة حفاظاً على سلامة الموارد الطبيعيّة في المحميّة.
وكانت وزارة البيئة قد أرسلت في 23/5/2002 كتاباً الى كلّ من محافظ جبل لبنان والمدّعي العام البيئي أوصت فيه «بضرورة التأكّد من عدم إلحاق أي ضرر من شأنه أن يصيب المحميّة وامتدادها» و«ضرورة ابلاغ وزارة البيئة مسبقاً في كلّ عمليّة شقّ جديدة لكي يتسنّى لها وللجنة المحميّة التحقّق والمراقبة لتنفيذ الأعمال بالطرق السلميّة».
ويبقى أنّ «الطريق تشقّ في منطقة الفدار التابعة عقاريّاً لبنتاعل، والهدف منها الوصل الى المنازل في فدار التحتا وفدار الفوقا، علماً أنّه كان من الممكن شقّ الطريق من مسرب آخر غير مقابل للمحميّة هو المقلب الجنوبي لبلدة الفدار دون التسبّب بالأضرار للمحميّة» كما يقول البعض، وتتلخّص هذه الأضرار حسب ريمون الخوري «بالتلّوث، الضجيج، تشويه المناظر، الغبار الذي يقفل مسام النباتات فلا تعود قادرة على التنفّس. ويبقى التخوّف الأكبر من أن يصبح المكان مكبّاً للنفايات في غياب المكبّات في المنطقة، اضافة الى زيادة مخاطر الحرائق، خاصّة أنّ الطريق تقع على الحدود الجنوبيّة للمحميّة، وخطر التمدّد الإسمنتي العشوائي في جوار المحميّة، خاصّة في غياب التصنيف في المنطقة». ولا بدّ من الاشارة الى أنّ محميّة بنتاعل تتميّز عن سواها بتكوينها الجيولوجي الفريد والمتنوّع، وكذلك تتميّز بخصوصيّة حيواناتها ونباتاتها. وتضمّ المحمية محبسة مار يوحنا التي يؤمّها المصلّون من كل المناطق، وهي مفتوحة للعموم دائماً والدخول اليها مجانيّ.
ويشرح المرشد البيئي لمحميّة بنتاعل حبيب الخوري التأثير السلبي للضجيج على الـ Ecosystem خاصّة أنّ في المحميّة تنوّعاً بيولوجياً كبيراً، وهي معبر للطيور المهاجرة، والطيور تخاف إذا رأت مناظر مغايرة وبالتالي تمتنع عن الغطّ. اضافة الى خطر هجرة الحيوانات بسبب الطريق والسيّارات التي ستجتازها، اضافة الى أنّ المنظر الجديد المتمثّل بالطرقات والسيّارات سيجعل السياحة البيئيّة معدومة. كذلك التراب الذي سيرمى بعد شقّ الطريق سيقطع الأوكسيجين عن النباتات وخاصّة نادرة الوجود منها. «فالتنوّع البيولوجي في المحميّة مهدّد، وبالتالي المحميّة مهدّدة بوجودها أيضاً».