باريس ـ عثمان تزغارت
القانون اللبناني كما القوانين في العديد من الدول العربية والإسلامية لا تسمح بدخول حاملي الجوازات الإسرائيلية إلى أراضيها. يستوجب ذلك على الموساد البحث عن جوازات سفر غربية. تكشف «الأخبار» بعض خفايا هذا المهمّة


تلقت «الأخبار» معلومات ووثائق سرّية لافتة على خلفية قضية الإسرائيلي دانيال موسى شارون، الذي اعتُقل الجمعة الماضي في بيروت، والذي زار لبنان 11 مرة خلال عامين بجواز سفر ألماني. هذه المعلومات غير مرتبطة بشكل مباشر بقضية المعتقل الإسرائيلي في بيروت، لكنها تكشف أن مسألة حصول إسرائيليين على جوازات ألمانية لا تقتصر فقط على حالات تجنّس استثنائية ومتفرقة، بل إن تزويد جواسيس يعملون لحساب الموساد الإسرائيلي بجوازات ألمانية يشكّل «تقليداً أمنياً» قديماً بين البلدين تم سنّه منذ عهد رينهارد غيهلن، مؤسّس جهاز الاستخبارات الألمانية BND في نهاية الحرب العالمية الثانية.
في هذا السياق تشير مذكرة سرية فرنسية حصلت «الأخبار» على نسخة منها إلى أن عملاء الموساد يسافرون إلى إيران بجوازات ألمانية للتجسس على البرنامج النووي الإيراني، ومعاينة مواقع المنشآت النووية الإيرانية، تحضيراً لتوجيه ضربة إسرائيلية إلى تلك المنشآت.
جاء حرفياً في الوثيقة (مترجم عن الفرنسية): «إن عملاء من الموساد يحملون وثائق هوية ألمانية يسافرون إلى إيران، وفقاً لمصادر مقربة من أجهزة المخابرات الألمانية BND. إنهم (رجال الموساد) يقومون بدراسة مواقع المنشآت النووية الإيرانية تخطيطاً لضربة إسرائيلية. إن استعمال الموساد لجوازات ألمانية بدأ منذ تأسيس رينهارد غيهلن جهاز BND بعد الحرب (العالمية الثانية)».
نشاط هؤلاء العملاء الذين يقوم الموساد بتسريبهم إلى داخل الأراضي الإيرانية قد لا يكون مقتصراً فقط على جمع المعلومات ضمن إطار التخطيط لضربات جوية إسرائيلية ضد المنشآت النووية الإيرانية، بل إنهم قد يخططون أيضاً لعمليات اغتيال. فقد كشفت مذكرة سرية أخرى حصلنا على نسخة منها أن ضبّاطاً سابقين في الموساد يمارسون ضغوطاً شبه علنية لدفع الجهاز إلى تدبير عمليات تصفية جسدية للقائمين على البرنامج النووي الإيراني. تقول المذكّرة: «إن من علامات القلق المتزايد الذي يثيره البرنامج النووي الإيراني في إسرائيل أن ضباطاً سابقين في أجهزة الاستخبارات بدأوا يطالبون تلك الأجهزة بشكل شبه معلن بأن تقوم بالتصفية الجسدية للمسؤولين العسكريين الإيرانيين المكلفين بالملف النووي».

«موفدو» وزارة الدفاع الإسرائيلية

من جهة أخرى، يُذكر أن الجدل الدائر حول تزويد رجال الموساد بجوازات سفر غربية كان قد أثير في نهاية آب الماضي، إثر تقرير نشرته يومية The Marker الاقتصادية الإسرائيلية، وجاء فيه أن 250 إسرائيلياً يزورون العراق سنوياً، منذ سقوط نظام صدام حسين. ولا يقتصر الأمر فقط على «رجال الأعمال»، بل يشمل أيضاً من وصفتهم الصحيفة الإسرائيلية بأنهم «موفدون» عن وزارة الدفاع. أضاف التقرير أن هؤلاء «الزوّار» الإسرائيليين يسافرون من عمان إلى بغداد على متن طائرات تابعة لشركة طيران «الملكية الأردنية»، ولا يستعملون جوازاتهم الإسرائيلية، بل يسافرون بهويات غربية. ولم تذكر الصحيفة الإسرائيلية أيَّ تفاصيل أخرى عن تلك «الهويات الغربية». لكن ذلك لم يمنع التقرير من إثارة الجدل في صحف أوروبية عدة. فرجال الأعمال الإسرائيليين المشار إليهم من المحتمل أن يكونوا من حاملي «الجنسية المزدوجة»، وبالتالي فمن المفهوم أن يلجأوا خلال أسفارهم إلى العراق لاستعمال جوازاتهم الغربية بدل الإسرائيلية، لدواعٍ أمنية واضحة. لكن ذلك ليس وارداً بالنسبة إلى من سماهم التقرير «موفدين عن وزارة الدفاع»، وهو تعبير مهذّب لتفادي وصفهم صراحة بالجواسيس. إذ لا يوجد جهاز استخبارات عبر العالم يقبل في صفوفه عملاء مزدوجي الجنسية، ما يعني أن تلك الجوازات الغربية التي يسافرون بها زودوا بها حتماً من موساد للتمويه على هوياتهم الحقيقية ونشاطاتهم السرية.
وتثير هذه الظاهرة تساؤلاً آخر عن تواطؤ أجهزة أمن وحكومات الدول الغربية التي يحمل عملاء الموساد جوازاتها، وخاصة أن سوابق عدّة بيّنت أن جوازات السفر الأجنبية يستعملها هؤلاء خلال عملياتهم السرية خارج إسرائيل، ومن تلك السوابق، مثلاً، الجوازات الكندية التي استعملها عملاء الموساد الذين حاولوا اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، خالد مشعل، في العاصمة الأردنية عمان، في أيلول 1997.