أنطون الخوري حرب
«لا خطّ تماس فاصلاً بين حكومتين محتملتين... والنتيجة ستكون عنفاً دموياً»

فيما كان لبنان مشغولاً بتفاصيل الجريمة التي أودت بحياة النائب أنطوان غانم، شاءت الصدف أن يكون لـ«الأخبار» لقاء مع الرئيس سليم الحصّ الذي لم تستطع تعابير وجهه أن تخفي ألمه، مع إصراره على رفض إعطاء أي تفسير لعملية الاغتيال، من منطلق حرصه على عدم إعطاء التبريرات، مكتفياً بالقول: «إن مرتكب هذه الجرائم هو مجرم بحق الوطن والإنسانية. وأنا أشعر بحزن وأسف شديدين، لأنني ممن كانوا يعتقدون بأن مسلسل الاغتيالات قد انتهى»
، معرباً عن أمله في أن لا يؤدّي اغتيال غانم إلى عرقلة الاستحقاق الرئاسي وتعقيده أكثر مما هو معقّد.
نبذل جهداً لتركيز الحديث في اتجاه السياسة، فيشير إلى أن «منبر الوحدة الوطنية» اختار طريق «القوة الثالثة» من أجل تثبيت مبدأ حرية الرأي، لكن «بين المعسكرين المنقسمين، لا بدّ من التعاطي الموضوعي مع طروحات كل منهما»، فـ«المنبر يلتقي مع المعارضة، مثلاً، حول قضايا مبدئية ويختلف معها حول قضايا أخرى. فنحن كنا وما زلنا ننادي بحكومة وحدة وطنية، لأن التفريط بهكذا حكومة يعادل التفريط بوجود لبنان. ومن هذا المنطلق، سمّينا منبرنا منبر الوحدة الوطنية. ثم تباينت مواقفنا مع المعارضة حول الاعتصام في وسط بيروت، فقلنا إن التظاهر حق ديموقراطي مشروع، لكن البقاء في الشارع خطير ويعطّل الحياة الإقتصادية»، مشيراً إلى أن رأي المعارضة ومطلبها «محقّان»، لكنهما «لا يبرّران الاعتصام».
ويكشف الحص أنه قال لرئيس الحكومة فؤاد السنيورة، في آخر لقاء جمعهما، إنه «في ديموقراطيات العالم، عندما يكون الوضع الحكومي هو محور المشكلة العامة في البلد، تستقيل الحكومة من أجل حلّ هذه المشكلة»، لافتاً إلى أن السنيورة اكتفى بالإجابة: «أنا مستمرّ بثقة البرلمان، وأعتصم بالديموقراطية»، و«كان رأيي أن الاستقالة ظاهرة ديموقراطية، وأن المستقيلين يكونون قد حصلوا على الثقة النيابية التي لا تشكّل عذراً لعدم الاستقالة، لأن من يحوزها في مرحلة معينة قد يضطرّ الى الاستقالة في مرحلة لاحقة»، مستذكراً أن مجلس النواب لم يحجب الثقة عن الحكومة على مدى تاريخ الدولة اللبنانية.
وفي شأن الأمل المعقود على مبادرة الرئيس نبيه بري، يقول الحص: «أيّدنا المبادرة ودعونا إلى التجاوب معها، لكونها تنقذ الوطن حالياً بعد مساعي الفرنسيين والسعوديين وجامعة الدول العربية. والرئيس برّي لم يجد سبيلاً لإعادة الحوار إلا عبر هذا الطريق».
ومشدّداً على ضرورة أن يضمّن الرئيس برّي مبادرته مهلة زمنية محدّدة، فـ«إذا تحقّق الوفاق المطلوب، نعود للبحث في تشكيل حكومة وحدة وطنية، وذلك من أجل تحقيق هدفين: الأول، إيجاد منبر للتوافق على الرئيس المقبل للجمهورية. والثاني، إذا ما انتهت ولاية الرئيس إميل لحود من دون انتخاب رئيس جديد، فوجود حكومة الوحدة يبرّر لها تسلّم صلاحيات الرئاسة الأولى».
وأطلق الحصّ تحذيراته من مغبّة انتهاء العهد بوجود حكومتين «ما يدمّر الحياة الوطنية ووحدة الكيان اللبناني»، لأن «تسابقاً أكيداً وفورياً سيحدث بين الحكومتين للسيطرة على المرافق العامة، كمرفأ بيروت والمطار ووزارة المال». وكصاحب تجربة في هذا المضمار، يرى الحص أن وضع حكومتين محتملتين في تشرين الثاني المقبل سيكون «أسوأ» من عهد الحكومتين الذي شهده لبنان بين عامي 1988 و1990، فـ«في تلك المرحلة، كان هناك خط تماس يفصل بين الحكومتين»، أما اليوم فـ«لا خط تماس فاصلاً، والحكومتان ستتنازعان في كل حي وشارع وبلدة، ما يعني احتمال الانزلاق إلى العنف الدموي».
وعن إمكان التوصّل إلى حلّ بين الأطراف اللبنانيين، من دون تدخّل خارجي، لا يبدي الرئيس الحص تفاؤلاً في هذا المجال، لأن «قرار الحلّ لم يعد داخلياً»، و«أطراف النزاع في لبنان يوهمون الناس بأنهم كذلك، لكنهم ينتظرون الوحي، كي لا نقول تعليمات، الذي يأتيهم من الخارج. فالكل يعلم، مثلاً، مدى تورّط الولايات المتحدة الأميركية في الشأن الداخلي اللبناني، إلى حدّ تصوير الوضع الحكومي اللبناني جزءاً من الأمن القومي الأميركي.
أما لجهة المساعي العربية، فلا يلاحظ الحص أية سلبية في المواقف الناتجة منها حيال الأزمة اللبنانية، لكن الاستعداد العربي للتدخّل «ملجوم» بالموقف الأميركي الذي لم يعلن بعد، خاتماً حديثه بإبداء أمله في أن تتخذ أميركا موقفاً واضحاً، ما «يفتح الباب أمام التوافق، في إطار مبادرة الرئيس برّي»، فـ«إن فعلوا، فلن تعود هناك أي مشكلة».