إبراهيم الأمين
النقاش القائم الآن، بين أقطاب فريق 14 آذار، يتركز عملياً على القرار المتصل بالانتخاب الرئاسي من طرف واحد، ووفق نصاب النصف +1، وهو الأمر الذي يقابله اهتمام المعارضة بالعمل على منع حصول هذه الخطوة، والإعداد لخطوات مقابلة، وذلك تحت شعار منع فريق الحكم من تسلّم السلطة. ولهذا الغرض، ليس هناك نقاش بشأن الهدف بين أقطاب المعارضة، بل هناك بحث تفصيلي بشأن طريقة العمل من جهة، وبشأن الوسائل السياسية العامة أو المتعلقة بتحرك شعبي لتحقيق هذه الأهداف.
وبينما يعتقد فريق «الأكثرية»، ومعه السفير الأميركي جيفري فيلتمان، بأن المعارضة لن تتورط في أعمال من شأنها منع الانتخابات الرئاسية من طرف واحد، وفيما يركز الجانب السعودي على أن «حزب الله»، خصوصاً، سيمتنع عن القيام بأي خطوة من شأنها فتح الباب أمام مواجهة على خلفية الفتنة السنية ـــــ الشيعية، ومع أن الجانب الفرنسي يراهن على أن «التيار الوطني الحر» لن يتورّط في تحركات «غريبة عن سلوك الشارع المسيحي»، فإن كل هذه التقديرات تبدو أقرب إلى التمنيات منها إلى المعرفة الدقيقة بحال المعارضة الآن.
أكثر من ذلك، فإن سلوك الفريق «الأكثري» والدول الداعمة له، بات يضيّق هامش المناورة الذي كان مفتوحاً أمام الرئيس نبيه بري، الذي عارض، ولعب دوراً مركزياً في إقناع المعارضة بعدم السير في اقتراح الرئيس إميل لحود تأليف حكومة ثانية في النصف الأخير من تموز الماضي. وقد بات بري، اليوم، أكثر المتشددين في مقاربته لعقل الفريق «الأكثري»، وهو الأكثر اقتناعاً بأن بين هؤلاء من لا يريد الهدوء ولا التوافق ولا حتى الهدنة الفعلية. ولذلك، فإن فريق 14 آذار، ومعه الدول الداعمة له عربياً وغربياً، سيكون أمام مفاجآت تتصل بالخطوات التي ستضطر المعارضة إلى اعتمادها في مواجهة مغامرة مصادرة السلطة عبر مجلس الأمن الدولي.
وفي استعراض لمناقشات جرت في الآونة الأخيرة، فإن المعارضة تدرس مجموعة من الأمور وفق مجموعة من الثوابت. فهي قررت، أولاً، أنه لا مجال لفك الاعتصام القائم الآن وسط بيروت إلا في حال الاتفاق على برنامج حل تجري المباشرة في تنفيذه، وأنه لا مجال للتراجع عن التصور الخاص بالمشاركة في إدارة الدولة لناحية الحضور في المؤسسات العامة ومراجعة القرارات التي اتخذتها حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأنه لا مجال للحديث عن خيار رئاسي يقوم على قاعدة تسوية تأتي بأحد أعضاء فريق 14 آذار إلى رئاسة الجمهورية، وأنه لا مجال لفتح أي بازار داخلي أو خارجي بشأن سلاح المقاومة أو بشأن التصور الأفضل لصياغة آلية الإصلاح في الدولة.
أما في ما يتعلّق بآليات التحرك، فإن الخيارات التي جرى التداول بها على الصعيد السياسي تتمحور حول الآتي:
ـــــ انتخاب رئيس من المعارضة بمن حضر في خطوة مقابلة لانتخاب الفريق «الأكثري» لرئيس من صفوفه بمن حضر.
ـــــ تأليف حكومة جديدة من خلال مشاورات يُدعى إليها النواب مع الرئيس الجديد، ورفض أي محاولة لترك حكومة السنيورة تتولى عملية تصريف الأعمال.
ـــــ منع الرئيس المنتخب من فريق 14 آذار من الوصول إلى القصر الجمهوري مهما بلغت التحديات، ومهما تطلب ذلك من تضحيات.
ـــــ منع التعرض للجيش اللبناني وجره إلى انقسام سياسي على قاعدة اجتماعية ـــــ أهلية، والعمل على ممارسة ضغوط جدية لمنع قوى الأمن الداخلي من تولي السلطة، وذلك ربطاً باقتناع فريق المعارضة بأن قوى الأمن تتبع عملياً وسياسياً لفريق 14 آذار.
ـــــ منع سيطرة فريق 14 آذار على المرافق الأساسية من مطار ومرفأ ومصرف مركزي ووزارت حساسة، وإطلاق دورة تحرك تهدف إلى منع إمساك الفريق «الأكثري» بأي إدارة من إدارات الدولة.
ـــــ الموافقة على أي خيار يلجأ إليه الرئيس إميل لحود لناحية منع تسليم الرئاسة إلى حكومة السنيورة إذا انتخب الفريق «الأكثري» رئيساً من صفوفه.
إلا أن المواقف من هذه الخيارات، ترتبط أكثر باستراتيجية المواجهة، مثل أن انتخاب العماد ميشال عون رئيساً من طرف واحد رداً على انتخاب الآخرين رئيساً من طرف واحد، يجب أن يأخذ في الاعتبار احتمال أن تقود المواجهة إلى تسوية تتطلب استقالة الرئيسين من الطرفين، وبالتالي تعمل المعارضة على حفظ موقع العماد عون الأساسي في هذه المعركة، برغم أن القرار النهائي في ملف الرئاسة يعود إليه بشكل رئيسي. وهذا على الأقل موقف القوى الأساسية في المعارضة.
لكن التحركات الشعبية تأخذ في الاعتبار السيطرة الفعلية على المجلس النيابي، وربما على السرايا الحكومية، وعلى ما أمكن من مرافق، واتخاذ كل ما يلزم من إجراءات لمنع التصادم الأهلي الدموي في بيروت وفي بقية المناطق، مع العلم بأن القرار الأهم لدى المعارضة هو بفتح الباب أمام التصدي لأي محاولة من جانب فريق 14 آذار للتصرف بمواجهة الآخرين.
وفي هذا السياق، يبدو أن مناخ التعبئة لدى جمهور قوى المعارضة لا يحتاج إلى من يرفع من منسوبه لمواجهة متطلبات المعركة المقبلة. بل إن هناك حاجة إلى التهدئة وإلى التخطيط لمنع تحول المواجهات إلى انفجار، وخصوصاً أن الأمور تسير في اتجاه تعزيز الحضور الشعبي لقوى المعارضة في كل لبنان، وإشعار فريق 14 آذار والدول الداعمة له عربياً ودولياً بأن إدارة لبنان لا يمكن أن تسير وفق ما يريده فريق واحد.
إلا أن المحاذير الموجودة لدى المعارضة تأخذ في الاعتبار مجموعة عوامل، منها كيفية التعامل مع الموقف الدبلوماسي الخارجي، حيث بمقدور الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية توفير اعتراف دولي كبير جداً لأي خطوة من جانب 14 آذار، بينما سيواجه فريق المعارضة نقصاً في الشرعية الرسمية العربية والدولية، وهو سيضطر في المقابل إلى إبراز الشرعية الشعبية التي تتيح له منع أي مواجهة.
كذلك هناك شبح غزة، الذي يخشاه كثيرون من قوى المعارضة، لما فيه من التباسات كثيرة، ومن مخاوف من احتمال دفع اللبنانيين إلى موقف غير واقعي إزاء أي تغيير في إدارة الأمور العامة.
أما الأخطر من كل ذلك، ولكن من دون أن يكون عائقاً أمام التصدي لمشروع فريق 14آذار، فهو المتعلق باحتمال لجوء أوساط أمنية، داخلية وغربية وعربية، إلى تفجير الوضع الأمني في لبنان وإعادة تكرار تجارب العنف الأهلي القائمة في العراق ونقلها إلى لبنان، وخصوصاً أن التحقيقات الجارية بهدوء بشأن خلفية وأبعاد عمل تنظيم «فتح الإسلام» تُظهر تورّط القوى الاستخبارية للقوى التي تدّعي أنها كانت خلف الجيش في معركته في وجه هذا التنظيم.
الأيام المقبلة صعبة وقاسية.