strong> فداء عيتاني
قُتل بسام كنج في الضنية، والتعبير الأبلغ الذي يستخدمه الشيخ إبراهيم الصالح هو أن الحفرة التي حفرها كنج، لا تزال تجد من يحفر فيها ويزيدها عمقاً واتساعاً. كان كنج متأثراً بالدعاية التي أكدت أنه آن أوان مجيء الرايات السود من الشرق، «حيث كان الجهاد حلالاً لدى الأنظمة والأميركيين»، كما يقول أحد الذين رافقوا كنج

المدخل إلى عين الحلوة عبر المجموعات الجهادية

قبل 15 عاماً من مقتل كنج، أي منتصف ثمانينيات القرن الماضي، كانت الدعاية الأميركية والعربية عامة تعمل على حث الجميع للالتحاق بالجهاد الأفغاني. وبدأ فريق الدعاية المحترف يتلاعب بالأحاديث النبوية («الرايات السود تأتي من الشرق من خراسان»، حديث أورده الإمام أبو عبد الله محمد بن يزيد بن ماجة الربعي القزويني في كتاب سنن ابن ماجه: «حدثنا محمد بن يحيى وأحمد بن يوسف، قالا حدّثنا عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن خالد الحذاء عن أبي قلابة عن أبي أسماء الرحبي عن ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يقتتل ثم كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا يصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ثم ذكر شيئاً لا أحفظه فقال فإذا رأيتموه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي»).
كان حينها مخيم عين الحلوة في صيدا غارقاً في حربين، الأولى: حرب المخيمات (1985-1988) والثانية: حرب «أمل» وحزب الله (1989-1991)، وستخرج مجموعات كعصبة الانصار وأنصار الله وتعاود الحركة الاسلامية المجاهدة لعب دورها في المخيم.
يعيش في مخيم عين الحلوة 80 ألف لاجئ فلسطيني ومواطن لبناني، وهو أكبر مخيمات لبنان على الإطلاق سكانياً ويشغل مساحة رسمية هي كليومتر مربع واحد، وفي المخيم يمكن رصد 3 حركات جهادية رئيسية، هي عصبة الأنصار وأنصار الله والحركة الإسلامية المجاهدة.
خلال حرب المخيمات وجدت فكرة «عصبة الأنصار» عام 1986، خاصة مع إطلاق النار من منطقة مغدوشة قنصاً على المخيم، وقام هشام شريدي مؤسس العصبة باقتحام مغدوشة، «وبعدها أصبح هناك خلافات يومية مع «فتح»، كالخلاف مع شخصيات مثل أمين كايد الذي تمت تصفيته، واغتالت العصبة بعض العملاء في صيدا منهم هشام بعلبكي من الشرطة الامنية، وهذا أعطاهم حيثية وهيبة. وكان تشكلهم داخلياً جداً، ولعل المجموعة التي اغتالت نزار الحلبي قد تدربت في عين الحلوة مع عصبة الانصار» كما يقول الشيخ ماهر حمود.
الشيخ الشريدي كان أشعرياً، وانتقل من الحركة الاسلامية المجاهدة، وحزب التحرير والجماعة الاسلامية، وبقي أشعرياً حتى وفاته. وكان أحمد السعدي (ابو محجن) على الطريق ذاته، وكانت العقيدة السائدة عند الفلسطينيين هي الأشعرية والحنفية والشافعية. شقيق أبو محجن (أبو طارق السعدي) يعد من المذهب نفسه. أما الشيخ أبو شريف من العصبة فهو يطل على الفرق السلفية داخل المخيم. وأبو شريف مشربه الفكري سلفي، وصار للمنحى السلفي جمهور بين الفلسطينيين، وكان أبو شريف يتلقى الدعم من الخارج بصفته سلفياً، الا ان ما يعرف عنه أنه عقلاني وواقعي، بحسب احدى الشخصيات الجهادية في المخيم.
شكلت صيدا المركز والحماية للعديد من القوى الإسلامية في النصف الثاني من ثمانينيات القرن الماضي، وخاصة للفارين من الشمال، الذين استخدموا مناطق صيدا للتدريب وللعمل ضد الوجود السوري العسكري في لبنان، ولم تعمل الحركة الجهادية ضد الاحتلال الاسرائيلي، «وكان التبرير أن هذه الانظمة التي تقمع شعوبها هي ما يمنع الشعوب العربية والاسلامية من تحرير فلسطين، ولا بد من إزاحة الأنظمة وتغييرها قبل التخلص من المشكلة الاسرائيلية» كما يقول أحد الجهاديين الشماليين الذي عاش بضعة أعوام في عين الحلوة. (وذلك ‏‏عملاً بالآية القرآنية {‏قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة‏} التوبة 123. أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في الآية قال‏:‏ كان الذين يلونه من الكفار العرب، فقاتلهم حتى فرغ منهمفي تلك المرحلة كانت الحركة السلفية عبارة عن مجموعة كبيرة في الشمال ولكنها ليست حالة شعبية، وحتى مجيء عصبة الأنصار الأشعرية لم يكن هناك وجود للسلفيين في مخيم عين الحلوة، وسيلمع بعدها اسم «عصبة الأنصار» لدى اتهامها بالمشاركة في اغتيال الشيخ نزار الحلبي، وبقضية اغتيال القضاة الأربعة في صيدا، التي ستلصق بأحمد السعدي، وهو من سيغادر لبنان ـــــ بحسب المعلومات المتوافرة ـــــ للالتحاق بأمير تنظيم «القاعدة» في العراق أبو مصعب الزرقاوي.
أما الحركة الإسلامية المجاهدة فقد تصدت عام 1982 لمحاولات اقتحام المخيم خلال الاجتياح، ومن شهدائها الشيخ أبو بكر الحافي، وعمليات الحركة، وإن كانت متواضعة، فإنها تشير الى اصرارها على العمل، ومنذ تلك اللحظة بدأ إعدادها للعمل الفدائي خلف خطوط القتال وصفّي العديد من العملاء في عين الحلوة وصيدا، إضافة الي تنفيذ عمليات ضد الاحتلال. كما سقط للحركة «فوزي»، وهو أحد كوادرها، قتل خلال دهم منزله في منطقة الفيلات في صيدا (على طرف المخيم).
ترى الحركة أن الإسلام يأتي قبل الحدود، ويوحد الامة خلف الخليفة ويدافع عن الارض، وهو عادل مع الاقليات، وهو ما نرى مثاله في الكتب والتاريخ. وان الجهاد واجب لإقامة الحكم في بلاد المسلمين، حتى يسود شرع الله ويستتب العدل بين الناس.
خلال حرب إقليم التفاح بين «أمل» وحزب الله انشق جمال سليمان قائد كتيبة شهداء عين الحلوة عن حركة فتح، وكان قريباً من الإسلاميين في المخيم ولا سيما الشيخ هشام شريدي، مؤسس «عصبة الأنصار»، ومن «الجماعة الإسلامية»، كما كان على صلة بحزب الله، وخلفية الانشقاق انحياز سليمان إلى حزب الله، بينما وقفت «فتح» إلى جانب حركة «أمل»، ونشب خلاف بين «فتح» وسليمان، دفع بسليمان إلى التخلي عن «فتح»، وتشكيل حالة أطلق عليها اسم «أنصار الله». وتصنف الحالة نفسها بأنها «جزء من حزب الله وخاصة في ما يتعلق بالمقاومة».
و«أنصار الله» جزء من جهاز المقاومة في حزب الله، تمويلاً وإشرافاً، منذ نشأتها وحتى يومنا، وكان لها دوامات في المرابطة على الحدود، وفي حرب تموز 2006 التحقت مجموعة من «أنصار الله» بالقوى المقاتلة في المقاومة الإسلامية في جنوب لبنان. أما على مستوى التحالفات السياسية والعلاقات التنظيمية الداخلية فلـ«أنصار الله» استقلال تام.
خرج سليمان من عين الحلوة إثر اشتباكه مع «فتح»، وتمركز في منطقة وادي الزينة على رأس كوادره الرئيسية التي انسحبت معه لغاية عام 1993، وعاد بعدها إلى المخيم من دون اتفاقات مع أي جهة.
بعد أعوام طويلة، وفي عام 2005، بدأت حركة «أنصار الله» بما تدعوه «الانطلاقة الثانية» حين التحقت عناصر جديدة وتألف مجلس شورى يضم الأمين العام سليمان، ونائبه الحاج محمود، والمسوؤل الإعلامي والتنظيمي والسياسي أبو أيوب، وألف المكتب العسكري الذي ترأسه الحاج ماهر عويد.
تتمركز الحركة في عين الحلوة، إلا أن لها امتدادات في مخيمات أخرى، مثل مخيمات صور وغيرها، كما لديها مكاتب في مخيمي برج البراجنة وشاتيلا، ولديها تقديمات اجتماعية، وهي ترتبط في هذا المجال ايضاً بمؤسسات حزب الله الاجتماعية، كمؤسستي الشهيد والإمداد.
وفي المسيرة الأخيرة التي نظمتها «أنصار الله» لمناسبة يوم القدس شارك ما يقارب 1000 من الجنود والمحازبين والأشبال.
وكانت الحركة تحاول التمدد إلى كل المخيمات الفلسطينية في لبنان، وخاصة إلى الشمال، غير أن الأحداث في البارد سبقتها. وتقدر الحركة أنها بحاجة إلى أربعة أو خمسة أعوام لتكريس انتشار واسع في المخيمات، وهي تعمل حصراً في المخيمات الفلسطينية وبين الفلسطينيين.
يجمع الحركة مع حزب الله مقاومة إسرائيل، والحركة تتوافق مع الخلفية التي يقاوم بها حزب الله إسرائيل، أي الخلفية الفكرية الإسلامية، أضف أنها تلتزم المبدأ الشرعي بمناصرة طرف إسلامي ضد أطراف غير إسلامية.
انتمت «أنصار الله» إلى الإسلام من دون نقاشات نظرية حول «أي إسلام تنتمي له الجماعة»، على اعتبار أن الإسلام واحد، وطبيعة العلاقات والساحة والفترة الزمنّية هي ما يحدد الموقف، ومنطلقات الحركة هي تأهيل العناصر لمواجهة الكيان الصهيوني. وليس لدى الحركة علاقات تناقض مع أطراف محلية، وهي تحاول تكريس نفسها لمواجهة إسرائيل، عبر تكريس الوقت لتأهيل البشر لهذه المواجهة.
وتقف الحركة ضد تفتيت الجهود الإسلامية في شتى الاتجاهات، وهي لا تؤيّد الذهاب للقتال ضد الاحتلال الأميركي في العراق، أو في أفغانستان، مقابل إصرارها على التفرغ للاستعداد للمواجهة في فلسطين، حيث المعركة الأساسية مع إسرائيل حصراً.
ولكن ثمة حادثة تعرضت لها حركة «أنصار الله»، حين تقرب ابن جمال سليمان، حسن سليمان (مواليد 1985) من الجو السلفي في مخيم عين الحلوة، وهو لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، وذهب مع شاب جار له يدعى محمد زيدان، دون علم والده، إلى العراق للقتال دفاعاً عن العراق، ثم بقي هناك لقتال القوات الأميركية ضمن المقاومة العراقية، وذهب الوالد ومعه أحد كوادر الحركة إلى سوريا بحثاً عن مفاتيح ممن يعرفون مسالك الذهاب إلى العراق والعودة منه، في محاولة لاستعادة ابنه، وعندما تمكن الوالد من الاتصال هاتفياً بابنه قال له: «عد إلى لبنان، فمعركتنا في فلسطين لا في العراق»، فأجاب الشاب: «ضغطت عليك لعامين كي ترسلني إلى الحدود للقيام بعملية ضد إسرائيل فلم توافق». ووعده والده في حال عودته بإرساله لمقاتلة إسرائيل، إلا أن الشاب نفذ عملية استشهادية مفجراً نفسه بصهريج وقود ضمن قافلة للقوات الأميركية في العراق عام 2003.
وفي 2003 أيضا اتهمت «أنصار الله» بإطلاق صواريخ على مبنى تلفزيون «المستقبل» في بيروت بعدما صدر بيان موقع باسمها يتبنى العملية، إلا أن الحركة سارعت إلى نفي علاقتها بالحادث، كما استبعد الرئيس رفيق الحريري حينها أية علاقة لأطراف إسلاميين بالعملية.
وفيما تتبنى حركة «أنصار الله» «الإسلام المبسط» كما يقول أسامة عباس، تشك في أن إرسال ابن جمال سليمان إلى العراق كان بمثابة اختراق للحركة. والحركة التي يكفيها الالتزام بالدين والجهاد ضد إسرائيل، يمكن أن تصل في إجراءات الزجر ضد من يتطرف بأفكاره من عناصرها إلى حد فصله من التنظيم.
وتعتبر حركة «أنصار الله» أن الفوارق بين المجموعات الإسلامية مفتعلة لأسباب سياسية وتنظيمية.



السلفيون والمشاريع ومع محاولات الجيش السوري والسلطات اللبنانية احتواء السلفيين، أصبح يمكن اختصار الوعي السلفي كالآتي: الطائفة السنية محرومة، لا تملك حقوقاً فعلية كطائفة مقارنة بغيرها، ولبنان بلد أحدثه الفرنسيون ليعطوا فيه السلطة للمسيحيين، وعام 1958 في عهد كميل شمعون تعرّض السنّة لمؤامرة، كما أن الجيش السوري اضطهد السنّة بشكل خاص، وإن كان اتفاق الطائف قد أعطى السنّة بعض حقوقهم فإن سوريا وأطرافاً لبنانيين آخرين جمّدوا تنفيذ اتفاق الطائف.



الجزء الأول | الجزء الثاني | الجزء الثالث | الجزء الرابع | الجزء الخامس | الجزء السادس | الجزء السابع | الجزء الثامن | الجزء التاسع | الجزء العاشر | الجزء الحادى عشر | الجزء الثاني عشر | الجزء االثالث عشر | الجزء الرابع عشر