أنطوان سعد
بعدما أبدت الأوساط المسيحية عموماً، بعيداً من الأضواء، عدم ارتياحها لذهاب بعض القيادات المسيحية وغير المسيحية بعيداً في التأكيد على شرعية جلسة الانتخابات الرئاسية في غياب نصاب الثلثين، بدأ اتجاه يتبلور داخل الدوائر المسيحية الموالية لدرس السبل الآيلة إلى الحد من سلبيات هذا الأمر. وقد أوجبت هذه المراجعة في الموقف مفاتحة نواب غير مسيحيين، في الأكثرية والمعارضة، لأكثر من مرجع ديني وسياسي مسيحي بهذا الموضوع، مع الإشارة إلى مخاطره الكبيرة على مستقبل الدور السياسي للطوائف المسيحية في لبنان. إذ أوضح هؤلاء النواب أنه، أياً كانت تقسيمات الدوائر الانتخابية التي ستعتمد في قانون الانتخاب المقبل، فسيبقى عدد لا يقل عن عشرة، من النواب المسيحيين الذين سينتخبون على لوائح الزعماء المسلمين. وبالتالي إذا جرى تكريس تجاوز قاعدة الثلثين فلن يكون مستبعداً أن يؤدي توافق القيادات الإسلامية إلى وصول رئيس للجمهورية لا يحظى بتأييد القوى المسيحية في مجلس النواب.
ومن الأفكار التي يجري التداول بها في هذا الإطار، تعديل المادة الـ 49 من الدستور، في اتجاه ذكر أن نصاب جلسة الانتخاب هو الثلثين، وفي شكل واضح يزيل كل التباس من الأذهان كما هو حاصل في الشكل الحالي للمادة الدستورية. وفي الواقع، أعرب أكثر من نائب في «الأكثرية»، من بينهم النائب فؤاد السعد، عن استعدادهم للتصويت على مثل هذا التعديل. فيما ذهب بعض الأوساط إلى حد التفكير في إحياء مطلب مسيحي قديم ترافق مع أول مطالبة إسلامية بتحقيق المناصفة العددية بين الطوائف في مجلس النواب وهو تحديد أكثرية 55 في المئة لانتخاب رئيس الجمهورية في الدورات التي تلي الدورة الأولى.
ولا بد من التذكير، في هذا الإطار، أن من تبريرات المحافظة على كوتا ستة نواب مسيحيين مقابل كل خمسة مسلمين، إضافة إلى الاعتبار الديموغرافي الذي كان حتى نهاية الخمسينيات لمصلحة المسيحيين، هو فوز عدد من النواب المسيحيين على لوائح الزعماء المسلمين والتزامهم التام بسياساتهم في المفاصل الأساسية من تاريخ لبنان المعاصر بما فيها ثورة سنة 1958 ضد الرئيس كميل شمعون. لذلك عندما طرحت الوثيقة الإصلاحية الأولى في الرابع عشر من شباط 1976، والتي عُرفت بالوثيقة الدستورية، مبدأ المناصفة في مجلس النواب، أصر الرئيس سليمان فرنجية على تحديد أكثرية 55 في المئة. وكذلك فعل الرئيس الياس سركيس في حزيران وتموز 1981 أثناء اجتماعات لجنة المتابعة الرباعية العربية في قصر بيت الدين في الوثيقة المسماة آنذاك «ورقة العمل اللبنانية».
غير أن هذا المطلب سقط ابتداء من منتصف الثمانينيات بعد التحولات الناتجة عن تقاتلهم على السلطة وعن الهزائم العسكرية والسياسية المتتالية التي مُني بها المسيحيون بين 1983 و1990، والتي أدت في نهاية الأمر إلى قبولهم بتجريد رئاسة الجمهورية من معظم صلاحياتها وبخاصة صلاحية إقالة الحكومة وتعيين حكومة انتقالية في نهاية العهد إذا تعذر انتخاب رئيس جديد. ومع فقدان هذه الصلاحية بالذات، تراجع مطلب تحديد أكثرية 55 في المئة من أجل تسهيل أمر إجراء الانتخابات الرئاسية لكون عدم حصولها خسارة لا يُمكن تعويضها أو تجنبها في أي شكل من الأشكال.
انطلاقاً من هذه التجارب، تدور نقاشات في أكثر من موقع من أجل بلورة طرح يؤمن أمرين: الأول مشاركة معظم المكونات الطائفية اللبنانية في عملية انتخاب رئيس الجمهورية والثاني إجراء الانتخابات الرئاسية والحؤول دون الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية. ومن الأفكار المتداولة في هذا المجال، ما أخذ حيزاً واسعاً من نقاشات ندوة «صانعو الرؤساء» التي أدارها نائب رئيس الرابطة المارونية السفير عبد الله بو حبيب في مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية. والفكرة تقوم على الدعوة إلى اعتماد اكثرية الثلثين لانتخاب رئيس الجمهورية كمبدأ ثابت في كل الدورات وليس فقط في الدورة الأولى.
تبدأ عملية انتخاب الرئيس قبل موعد نهاية الولاية الرئاسية بستة اشهر، فيدعو رئيس المجلس النواب الى دورة خاصة لانتخاب الرئيس تستمر شهراً كاملاً. فإذا لم يتوصل النواب إلى انتخاب رئيس بأكثرية الثلثين، يُحل المجلس وتجرى انتخابات نيابية خلال شهر. ثم يُدعى المجلس الجديد بعد عشرة أيام من انتخابه الى دورة جديدة لا تتجاوز مدتها الشهر. وفي حال فشل المجلس الجديد أيضاً، تنظم انتخابات رئاسية عن طريق الاقتراع الشعبي لكن مع توفير الشروط الدستورية والقانونية التي تضمن مطابقة هذا الخيار لمبادئ الوفاق الوطني والديموقراطية التوافقية التي نص عليها الدستور والأعراف اللبنانية.