نهر البارد ــــ عبد الكافي الصمد
جولة أولى للإعلاميّين في البارد وتأكيد لبناني ــ فلسطيني على العودة والإعمار

كشفت الجولة التي قام بها الإعلاميون في الجزء الجديد من مخيم نهر البارد يوم أمس، والتي نظمتها لجنة «الحوار اللبناني ـــــ الفلسطيني» بالتنسيق مع الجيش اللبناني وممثلية منظمة التحرير الفلسطينية وتحالف القوى والفصائل الفلسطينية، للاطلاع على وضعية المخيم ومتابعة عمليات المسح تمهيداً لعودة النازحين إليه، جانباً من الدمار الذي لحق بالمخيم الذي شهد اشتباكات عنيفة بين الجيش اللبناني ومسلحي تنظيم فتح الإسلام امتدت مدى 106 أيام، وانتهت بسيطرة الجيش عليه بالكامل قبل ستة وعشرين يوماً.
«جيش» من الإعلاميين اللبنانيين والعرب والأجانب دخل الى المخيم الجديد، وسط تعليمات واضحة من قيادة الجيش في المنطقة، بإشراف مسؤول الإعلام في قيادة منطقة الشمال العسكرية العقيد غسان عريجي، قضت بمنع الخروج عن الإطار المرسوم للجولة ذهاباً وإياباً، وخصوصاً لناحية عدم تجاوز مسافة كيلومتر واحد طولاً ابتداء من المدخل الشمالي للمخيم، والوصول الى نقطة تبعد نحو 500 متر عن حدود المخيم القديم، أو الذهاب في عمق أحياء الجزء الجديد.
لكن اللافت خلال الجولة، وهي الأولى للإعلاميين، أن الأضرار في الجزء الجديد من المخيم كانت جزئية، حيث بدا أن عدداً كبيراً من المباني والبيوت لا تحتاج الى كبير عناء، أو مبالغ باهظة من أجل إعادة تأهيلها، وأن أبنية عديدة لا تزال قيد الإنشاء لم تتعرض لأي أضرار تذكر، في حين أن الأضرار التي أصابت المحال التجارية، وقد شوهد قسم كبير منها مغلقاً، يمكن إصلاحها بسرعة.
وسط ذلك كله، شوهدت عشرات السيارات المتضررة التي لا تزال مركونة على جانبي الطريق، بعدما تعذر على أصحابها إخراجها منها، وشوهدت جرافات الجيش تعمل على استكمال إزالة الركام، فيما كان الغبار يعمّ المكان، والأتربة والدشم لا تزال موجودة على أطراف الطريق الرئيسي، إضافة الى تبعثر أغراض عدد من المحال التجارية على الأرصفة، فضلاً عن تلفها (برادات العصير، واجهات المحال الزجاجية، الكراسي، البضائع التالفة والمرمية أرضاً، قوارير الغاز وغيرها)، عدا عن آثار حرائق لا تزال بادية للعيان تعرضت لها بعض البيوت والشقق، لكن بشكل جزئي.
وعلى الرغم من أن الجيش لم يسمح لأحد بالدخول أبعد من ذلك، حيث بدت أبنية عدة في عمق المخيم في اتجاه الجزء القديم وقد تحولت ركاماً، فإن ممثل منظمة التحرير في لبنان عباس زكي دخل وحده من بين أعضاء الوفد الزائر، برفقة عناصر من الجيش اللبناني، الى الجزء القديم مشياً على الأقدام، وبعد نحو نصف ساعة قفل عائداً ليقول: «الدمار هائل، والوضع صعب ومعقد جداً، ونسبة الدمار في المخيم القديم الذي أشرفت عليه كله عالية، وبالتالي العودة إليه صعبة جداً، لأن الدمار الكبير فيه يتطلب جهداً ووقتاً إضافيين».
وكان زكي أكد قبل ذلك، أن «فتح ملف مخيم نهر البارد كان يستهدف إحراق لبنان، وقد نجحنا بأن منعنا شظاياه من التطاير، وها نحن نقول انتصر المخيم ولم يسقط، بل الذي سقط هو الإرهاب، ونقول ان على العالم أن يدرك أن هذا الدمار الحاصل ليس بوسع لبنان ولا الفلسطينيين أن يعيدوا بناءه، وعلى الذين يعلنون دائماً الحرب على الإرهاب أن يساهموا فوراً في إعادة بناء هذا المخيم».
وأضاف: «أقول لأهل المخيم، كما وعدناكم، إن النزوح مؤقت والعودة مؤكدة والبناء حتمي، ها نحن اليوم نخطو الخطوة الأولى، ونبشركم بأنكم ستكونون قريباً في هذا المخيم وسيعاد بناؤه في المكان نفسه، ولا صحة لما يشاع من أن هناك تعديلاً أو تغييراً في جوهر الموقف اللبناني ولا على خريطة هذا المخيم».
من ناحيته، رئيس لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني السفير خليل مكاوي أكد ان «الانتصار الذي حققه الجيش اللبناني البطل على الجماعة الإرهابية سيتكامل مع تضامننا اللبناني الفلسطيني لإعادة إعمار المخيم، ونحن في تواصل وتنسيق يومي مع منظمة التحرير والأونروا لتأمين العودة وإعادة الإعمار. وهناك عمل حثيث وجدي تقوم به الفرق الفنية لتمكين النازحين الفلسطينيين من العودة الى المخيم في أقرب فرصة ممكنة، والعمل حثيث مع الدول المانحة الشقيقة والصديقة لتأمين مستلزمات العودة والإعمار».
وأكد مكاوي أن «ما جرى في مخيم نهر البارد لم يكن مواجهة لبنانية ـــــ فلسطينية. هناك من حاول ولم يزل يحاول خلق فتنة. لم ينجح ولن ينجح».
وتطرق مكاوي الى «الكثير من الشائعات التي يبثها مغرضون موجهون»، معرباً عن أسفه لأن يكون «بعض الإعلام يسهم في ذلك، فيبتعد عن الحقيقة والموضوعية ويكرر مقولات التوطين، والتهجير المنظم، والاستثمار السياسي، والتنمية الوهمية، والوعود الكاذبة. لهؤلاء نقول كفى استثماراً في المأساة الإنسانية وهذه ستبقى موضع عناية».
إلا ان ممثل حركة حماس في لبنان أسامة حمدان، خالف مكاوي من هذه الناحية، ودعا «الإعلام الذي واكب العمليات وواكب معاناة الشعب الفلسطيني خلال هذه العمليات، وواكب أيضاً معاناة أبناء المنطقة والجوار من أبناء شعبنا وأشقائنا اللبنانيين، الى مواكبة الإعمار ومواكبة عودة النازحين والتدقيق في هذه العملية، لأن الإعلام أدى دوراً مهماً في هذه المعركة، ولا بد من أن يواصل هذا الدور على أسس صحيحة».
وأشار حمدان إلى أنه «يجب أن لا ينسى حجم التضحية الفلسطينية، الى جانب التضحية اللبنانية، التي أدركت من اللحظة الأولى أن ما يجري في المخيم إنما يستهدف لبنان والقضية الفلسطينية بعنوان أساسي فيها وهو قضية اللاجئين»، مؤكداً ان المخيم هو «عنوان سياسي لقضية العودة التي تحظى بإجماع فلسطيني ولبناني، وإعادة إعمار هذا المخيم هي تأكيد لهذا الإجماع، وتأكيد أن الفلسطينيين واللبنانيين لا يرون حلاً لقضية اللاجئين سوى العودة الى أرضهم وديارهم في فلسطين، وأن أي مشاريع أخرى من توطين أو تهجير هي مشاريع مرفوضة لبنانياً وفلسطينياً، ولن تكون مقبولة بأي حال من الأحوال».
مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين مروان عبد العال أشار لـ«الأخبار» الى ان «العودة للمخيم لها مدلولات كثيرة، وخصوصاً أنني ابن هذا المخيم، لذلك بالنسبة إلي من الضرورة إعادة إعمار المخيم وإعادة الحياة إليه مجدداً».
أما مسؤول الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـــــ القيادة العامة أبو عماد رامز فقال لـ«الأخبار» إن «الزيارة الاستطلاعية تهدف الى إرسال تطمين للنازحين بأنهم سيعودون للمخيم، على رغم حجم الدمار الذي نراه، ولكن إذا كان هناك نيات طيبة، فيجب ان تبذل جهود جبارة لذلك، لأن ما سمعناه وقارناه مع ما شاهدناه شيء مذهل».