strong>علي محمد
يبدأ القضاء اللبناني اليوم سنة جديدة بعد انتهاء العطلة التي امتدت شهرين ونصف الشهر. وتخبّئ هذه السنة للقضاة عدداً كبيراً من الملفات، في ظل استمرار تدهور البنى التحتية واللوجستية لنظام العدالة. سنة جديدة، وعزم القضاة الشبان ما زال على حاله ولم يكلّ، وخبرة القضاة الأكبر سنّاً حاضرة للمساعدة، لكن المشاكل لا تزال على حالها

سنة قضائية جديدة تنقضي، ولا تزال أكثر قصور العدل تنتظر الدواء المناسب للتخلص من مرضها المزمن على أعتاب الشتاء: النش. ففي قصري عدل طرابلس وبعبدا، يعدّ «السطل» أحد أهم الموجودات في المكاتب شتاءً، وسيلةً لمكافحة النش. وهذه المشكلة مختلفة قليلاً في قصر عدل النبطية، إذ إن أحد المجاري الصحية يصبّ في موقف السيارات وتتسرب المياه الآسنة عبر جدران قاعتي محاكمة.
القاعات في أغلب القصور ضيقة وغير مجهّزة، يعاني القضاة داخلها حر الصيف وبرد الشتاء. ويحتاج القاضي على قوسه، الى التوفيق بين هيبة القضاء والعدل التي تتطلب سلوكاً معيّناً، وبين حاجته إلى الصراخ كي يسمع الموجودون في القاعة ما يقول، لغياب تجهيزات الصوت في أكثر القاعات. وأغلب مكاتب القضاة صغيرة لا تكاد تتسع لجهدهم المبذول، وفي بعض القصور ثمة نقص في المكاتب نفسها، ووصل الأمر في عدد كبير من قصور العدل إلى تشارك أكثر من قاضيين مكتباً واحداً، بتهوئة شبه منعدمة يستعاض عنها بالمراوح في الصيف، وبالثياب السميكة في الشتاء. اما اثاثها فيصعب القول إنه يليق بالقضاة.
التجهيزات القليلة أمر شائع. ففي قصر عدل جونيه، لم يصل الفاكس إلى مكاتب القضاة، وخط الهاتف ليس مباشراً بل يحتاج القاضي الى طلب السنترال كلما أراد إجراء مكالمة هاتفية. ولأن آلة التصوير كثيرة الأعطال، فإن القضاة يصوّرون الأوراق التي يريدونها على نفقتهم الخاصة في مكتبة بالقرب من مكان عملهم.
عدد كبير من القضاة اشترى كومبيوتر محمولاً على حسابه لأن العمل في المكاتب يحتاج له والدولة لا توفّره، وأيضاً لأن بعض القضاة يعمدون إلى أرشفة ملفاتهم والدعاوى الخاصة بهم على كومبيوتراتهم الشخصية، حفظاً لها لأنهم لا يثقون بأرشيف المحاكم المهترئ. وأكثر الملفات والدعاوى تتعرّض للتلف بسبب الرطوبة العالية في القصور ونظام الأرشيف القديم وغير الممكنن. ومن اللافت جداً عدد من المبادرات الفردية للقضاة في بعض قصور العدل، إذ أنشأوا ما يسمّى صندوق القضاة، وذلك لجمع الأموال دورياً فيما بينهم وتكليف شخص ما بشراء بعض الاحتياجات المكتبية والحفاظ على نظافة المراحيض.
يضاف إلى ذلك تكدّس الملفات والقضايا التي تتعطل بسبب انقطاع الكهرباء تارة، والنش في القاعة تارة اخرى، وهو مما يدفع بالقاضي الى تأجيل الجلسة، مثلما يحصل في قصر عدل طرابلس. وفي قصر عدل زحلة تمّ مد خط كهرباء خاص (اشتراك). قاعات المحاكم في اغلب القصور قليلة لا تتسع للدعاوى الكثيرة، وبعض القضاة في قصر عدل بعبدا يعقدون الجلسات في مكاتب رؤساء المحاكم ومكاتب القضاة المنفردين، تسهيلاً لأمور المواطنين ولتجنيبهم المصاريف المتزايدة والمشقّة الناجمة عن التأجيل.

الأمن الخجول

أمن القضاة مشكلة أخرى، ففي بعض القصور يمثّل الهاجس الأمني أولوية قصوى، مثلما في قصر عدل صيدا الذي يبدو كحصن منذ اغتيال القضاة الاربعة في حزيران 1999، وفي قصر العدل ببيروت. وفي قصور اخرى تجد الامن يقتصر على وجود خفيف لعناصر قوى الامن، إضافة الى أنه في داخل كل قاعة يتجول عنصر واحد من قوى الامن الداخلي بين الحضور ويراقبهم. وتجدر الاشارة الى أن اغلبية قصور العدل باتت مزودة بآلات سكانر لكشف اي محاولة لإدخال الأسلحة، ويمنع حتى العسكريون في بذاتهم من إدخال أسلحتهم الى قصر العدل.

نقص في القضاة والملفات كثيرة

التشكيلات القضائية لم تحصل منذ سنتين، مما يبقي دفعتين من القضاة الشبان المتخرجين من دون إلحاق بالمراكز القضائية من جهة، ومن جهة أخرى، يؤدي ذلك إلى شغور تلك المراكز بسبب عدم التعيين. ولسد النقص، تعمد وزارة العدل الى ملء المراكز الشاغرة بالتكليف. فتحول السلك القضائي الى نوع من العمل التعاقدي. ونهار الخميس الفائت، عقد مجلس القضاء الأعلى جلسة برئاسة القاضي الدكتور انطوان خير للبحث في انتداب عدد من القضاة لملء المراكز الشاغرة في الدوائر القضائية في بيروت والمحافظات.
ويظهر أن مبدأ فصل السلطات غير ذي جدوى، بعدما تعثرت التشكيلات القضائية بسبب الأزمة السياسية الراهنة. وما ينتظر القضاة في السنة الجديدة من ملفات شائكة يحتاج اساساً الى اعادة النظر في الجسم القضائي الذي يعاني نزفاً في قضاة الدرجة العليا، بسبب التقاعد او الوفاة، وكذلك نقصاً في قضاة التمييز. إضافة الى السير في التعيينات للحد من اضطرار القضاة الى النظر في عدد من القضايا التي تحتاج أصلًا لأكثر من قاض.

ماذا ينتظر القضاة في العام الجديد

انتهت امس العطلة القضائية، وتبدأ اليوم السنة الجديدة للعدل في لبنان. وبين أمس واليوم، تنتظر القضاة ملفات اقل ما يقال فيها إنها شائكة، وتحتاج جدياً الى السير في التشكيلات للانتهاء من مشكلة التأجيل وتكديس الملفات على المكاتب.
على رأس اللائحة، الملفات المحالة الى المجلس العدلي والتي لا تزال امام قضاة التحقيق العدليين، وعلى أولها ملفات الاغتيالات، وتشمل قضية اغتيال كل من الرئيس رفيق الحريري وسمير قصير وجورج حاوي وجبران التويني وبيار الجميل ووليد عيدو وانطوان غانم، إضافة الى ملف اغتيال القضاة الاربعة عام 1999 في صيدا. تضاف الى هذه الملفات محاولات اغتيال كل من الوزيرين مروان حمادة والياس المر ومي شدياق، وملف «فتح الاسلام» والتفجير المزدوج في عين علق. ولدى محكمة الجنايات في بيروت قضايا عدة مثل محاولة تفجير قطارات برلين، وطائرة كوتونو، وملف الوزير علي عبد الله، وقضية تهديد القاضي الياس عيد بالقتل، وغيرها. أما قاضي التحقيق الأول في بيروت عبد الرحيم حمود، فلديه ملف بنك المدينة وابراهيم ابو عياش ورنا قليلات، والدعوى المرفوعة من الوزير احمد فتفت على محطة الـ«ان بي ان»، إضافة الى ملف الأطباء الشرعيين والهيئة العليا للإغاثة. والقاضي المنفرد الجزائي هاني حلمي الحجار ينتظره ملف حراس الارز وملفان متفرعان عن بنك المدينة وبعض ملفات الهيئة العليا للإغاثة.
مسؤولية وزارة العدل كبيرة في هذه المرحلة، لكن الحق أنه في ظل كل المشاكل التي تعوق العمل العدلي، وصعوبة القيام بالواجب تحت وطأة العيوب الكثيرة التي تجتاح قصور العدل والنقص الذي تعانيه، فإن القضاة يسعون إلى تحسين سير العمل، وفي بعض الأحيان يتولون بعض الأعمال اللوجستية في المحاكم، على نفقتهم الخاصة. فعاماً سعيداً للقضاة وعقبال بعض التحسينات.